يحل اليوم 22 أكتوبر، ذكرى رحيل الرسام الفرنسي بول سيزان، عام 1906، وهو أحد أعظم الرسامين في القرن التاسع عشر، ما بعد الانطباعيين، الذين كانت أعمالهم وأفكارهم مؤثرة في التطور الجمالي للعديد من فناني القرن العشرين والحركات الفنية، وخاصة التكعيبية.
وعلى الرغم أن فن سيزان، أساء الجمهور فهمه وتجاهله طوال معظم حياته، قد نشأ من المدرسة الانطباعية، ولكن في نهاية المطاف رأى النقاد حديثًا أنه تحدى جميع القيم التقليدية للرسم في القرن التاسع عشر بسبب إصراره على التعبير الشخصي وسلامة اللوحة نفسها، بغض النظر عن موضوعها.
ووفقًا للموسوعة البريطانية britannica، نشأ "سيزان" في عائلة برجوازية ثرية، وتلقى تعليمًا كلاسيكيًا في كلية بوربون في آكس، وفي عام ١٨٥٨، وبإصرار من والده، التحق سيزان بكلية الحقوق بجامعة آكس، رغم أنه لم يكن لديه أي ميول إلى القانون، حيث أنه قرر في سن مبكر أن يمتهن مهنة فنية، وبعد عامين من دراسته القانون، أقنع والده، بدعم من والدته، بالسماح له بدراسة الرسم في باريس.
وسرعان ما ارتبط "سيزان" بعدد من الفنانين في باريس، مثل إدوارد مانيه وكاميل بيسارو وكلود مونيه وبيير أوجست رينوار وإدجار ديجا، وكان معظم هؤلاء الفنانين في العشرينات من عمرهم فقط، كما كان سيزان، وكانوا يشكلون أساليبهم للتو؛ وكانوا ليصبحوا، باستثناء مانيه، المدرسة الانطباعية.
الانطباعية في رسم بول سيزان
وفي يوليو 1870، ومع اندلاع الحرب الفرنسية الألمانية، غادر سيزان باريس إلى بروفانس، لتجنب التجنيد، واصطحب معه "ماري هورتنس"، وهي شابة أصبحت عشيقته في العام السابق وتزوجها عام 1886.
واستقر آل سيزان في إستاك، وهي قرية صغيرة على ساحل جنوب فرنسا، ليست بعيدة عن مرسيليا، وهناك بدأ في رسم المناظر الطبيعية، مستكشفًا طرقًا لتصوير الطبيعة بدقة وفي الوقت نفسه للتعبير عن المشاعر التي ألهمته.

وبدأ في التعامل مع موضوعاته بالطريقة التي فعلها أصدقاؤه الانطباعيون؛ من خلال رسم المناظر الطبيعية، مثل لوحاته "الثلوج في استاك" (1870-1871)، وسوق النبيذ (1872).
وفي عام 1874 عاد سيزان إلى باريس وشارك في أول معرض رسمي للانطباعيين، وعلى الرغم من أن اللوحات التي عرضها سيزان في المعرض الثالث عام 1877 كانت الأكثر انتقادًا من بين جميع الأعمال المعروضة، إلا أنه واصل العمل بجد.

اساء الجمهور فهم أعماله ولجأ لـ “العزلة”
ثم انفصل سيزان مهنيًا عن "الانطباعية"، على الرغم من أنه استمر في الحفاظ على علاقات ودية مع بعض فنانين هذه المدرسة، ولكن بسبب انزعاجه من رد فعل الجمهور تجاه أعماله، عزل نفسه أكثر فأكثر في باريس وإيكس، خولال فترة العزلة هذه، من أواخر سبعينيات القرن التاسع عشر إلى أوائل تسعينياته، طوّر سيزان أسلوبه، وقد برزت لوحاته في مناظره الطبيعية في هذه الفترة، مثل لوحة "البحر في ليستاك" (1878-1879)، ووفقًا للنقاد تميزت هذه اللوحة بالمناظر الطبيعية وبتركيبات أفقية مهيبة وهادئة، حيث تخلق ضربات الفرشاة المنتظمة، صعودًا وهبوطًا في اللوحة.
كما برع سيزان في تصوير الصلابة والعمق، واختار الفنان إعادة اكتشاف حقيقة أكثر جوهريةً للأشكال البسيطة وهي أن "كل شيء في الطبيعة مُصمم على غرار الكرة والمخروط والأسطوانة، ويجب على المرء أن يتعلم الرسم من هذه الأشكال البسيطة".
ومن المناظر الطبيعية الأخرى التي قدمها سيزان للوحة "مطاحن جاردان" حوالي عام ١٨٨٥ وسلسلة التراكيب الضخمة التي يُصبح فيها جبل سانت فيكتوار بالقرب من إيكس حضورًا أسطوريًا.

كما رسم أيضًا سيزان لوحات شخصية، من أشهرها لوحة "السيدة سيزان على كرسي أصفر"، ولوحة "المرأة مع إبريق قهوة"، ولوحة "الفتاة ذات الشعر الأحمر"، ولوحة "لاعبو الورق"، وغيرها.

وعلى الرغم من أن الشهرة وتعاطف النقاد وقبول الجمهور العام للفنان سيزان، جاء في العقد الأخير من حياته المهنية فقط، إلا أن سعيه لرؤية من خلال المظاهر إلى البنية الشكلية الأساسية للوحة كان دائمًا موضع الإعجاب بين زملائه، وقد تحقق أمل الفنان في أن تكون لوحاته بمثابة نوع من التعليم والدراسة للفنانين الآخرين، حيث اشترى لاحقًا عدد من الرسامين المشهورين أعماله، مثل بول جوجان وبابلو بيكاسو وبيير بونارد وكازيمير ماليفيتش وهنري ماتيس وغيرهم.
0 تعليق