نظمت الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية برئاسة الدكتور أسامة طلعت، ندوة بعنوان «مانشيتات النصر: الصحافة القومية في قلب معركة أكتوبر».

شارك فيها نخبة من رموز الصحافة القومية ممن لهم باع طويل وخبرة كبيرة في العمل الإعلامي الوطني وهم الدكتور أسامة السعيد رئيس تحرير جريدة الأخبار، أحمد أيوب رئيس تحرير جريدة الجمهورية، جميل عفيفي مدير تحرير الأهرام ومدير مركز الأهرام للترجمة والنشر.
قبل انطلاق فعاليات الندوة، اصطحب أسامة طلعت – رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية، والدكتورة رشدية ربيع – رئيس دار الوثائق القومية – الضيوف في جولة داخل معرض الدوريات التاريخية الذي أقامته دار الوثائق، ويضم مجموعة نادرة من مانشيتات الصحف القومية الصادرة خلال أيام حرب أكتوبر، استعرض المعرض كيف وثقت الصحافة القومية لحظة العبور المجيدة، من خلال العناوين الأولى التي أعلنت النصر، والصور الأصلية لبطولات المقاتلين على الجبهة، إلى جانب عدد من أعداد الصحف التي رصدت تفاعلات النصر في الداخل والخارج، لتجسد الذاكرة الصحفية الحية لتلك الأيام الخالدة في تاريخ الوطن.

افتتحت الندوة بالسلام الوطني، وكلمة افتتاحية للدكتور أسامة طلعت، والذي استهل كلمته بالندوة، مؤكدا فيها أن الحديث عن نصر أكتوبر لا ينفصل عن الحديث عن الصحافة القومية، فهي التي وثقت الحرب بالكلمة والصورة، وصنعت الوعي الجمعي الذي حافظ على روح النصر جيلًا بعد جيل.
أسامة طلعت: نتحدث عن ملحمة وطنية كانت الصحافة القومية في مقدمة صفوفها
وقال “طلعت”: «حين نتحدث عن نصر أكتوبر، فنحن لا نتحدث عن معركة عسكرية فحسب، بل عن ملحمة وطنية شاركت فيها كل مؤسسات الدولة، وكانت الصحافة القومية في مقدمة الصفوف، هي التي رفعت المعنويات، وغذت روح الصمود، وكانت سلاحًا مكملًا لسلاح الميدان».
وأكد أن الدوريات التاريخية التي تحتفظ بها دار الكتب والوثائق القومية تُظهر بوضوح الدور الهائل للصحافة في صناعة الوعي أثناء الحرب وبعدها، مشيرًا إلى أن الحفاظ على الذاكرة الوطنية واجب مستمر في ظل ما يواجهه العالم من حملات تزييف وتشويه متعمد للتاريخ.

وختم كلمته قائلًا: «نصر أكتوبر ليس مجرد ذكرى، بل هو شاهد على إرادة المصريين التي لا تكسر، وجسر بين الماضي والمستقبل، يحمل في طياته دروسًا خالدة في الوحدة والإيمان والانتماء.»
أسامة السعيد: نصر أكتوبر استثنائية في تاريخ الأمة المصرية
استعاد دكتور أسامة السعيد - رئيس تحرير جريدة الأخبار، ذكرياته في دار الكتب والوثائق القومية قائلًا: " الحقيقة أن وجودي اليوم في دار الكتب يحمل لي شخصيًا شحنة كبيرة من الذكريات، فقد كنت آتي إلى هذا المكان وأنا طالب في كلية الإعلام، أطلع في قاعة الدوريات على الصحف المصرية القديمة ضمن دراستي، فارتبط هذا المكان في ذاكرتي العلمية والوجدانية، واليوم أعود إليه في مناسبة تجدد الفخر والانتماء.
وأضاف السعيد: "عندما نتحدث عن حرب أكتوبر، فنحن لا نستعيد مجرد نصر عسكري، بل لحظة استثنائية في تاريخ الأمة المصرية، لحظة عبور للهزيمة، وللشك، وللانكسار النفسي الذي خلفته نكسة 1967، كانت الصحافة القومية في ذلك الوقت أمام تحديين كبيرين: التحدي الأول مهني، يتمثل في كيفية نقل الحقائق وتغطية مجريات الحرب بمصداقية ودقة في ظل ظروف استثنائية ومعلومات محدودة، خاصة بعد أزمة الثقة التي ضربت الإعلام عقب 67، أما التحدي الثاني، فكان وطنيًا في المقام الأول — كيف يمكن أن تؤدي الصحافة دورها في رفع الروح المعنوية وتعزيز الثقة في الذات والوطن.
واستكمل: "لعل من أبرز النماذج التي تجسد هذا التوازن ما نشرته جريدة الأخبار صباح يوم 7 أكتوبر 1973، بعنوانها التاريخي: "عبرنا القناة ورفعنا علم مصر"، عنوان بسيط ومباشر، لكنه يلخص كل شيء — عبور القناة لم يكن فقط عبورًا ماديًا، بل عبورًا من الهزيمة إلى النصر، ومن اليأس إلى الأمل، ومن الانكسار إلى استعادة الكبرياء الوطني، واللافت للنظر أنه خلال التغطية الصحفية طوال شهر أكتوبر لم يُستخدم لفظ “الانتصار”، بل كان هناك حرص على التحفظ والدقة في نقل الأخبار، حتى في الإشارة إلى الخسائر، حيث كانت الصحف تذكر خسائر العدو وخسائر مصر معًا في توازن نادر، يعبّر عن وعي مهني ومسؤولية وطنية.
وأكد: "الصحافة في تلك الفترة لم تكن فقط ناقلة للأخبار، بل كانت درعًا وطنيًا ضد الشائعات والأكاذيب الإسرائيلية، استخدمت أدواتها ببراعة، فظهرت أشكال صحفية يمكن اعتبارها النواة الأولى لما نعرفه اليوم باسم “الإنفوجراف”، من خلال عرض الحقائق والردود على الأكاذيب الإسرائيلية بشكل بصري مباشر وبخطوط كبيرة ورسائل مختصرة وواضحة.

أما الصور الصحفية، فقد كانت أداة لا تقل أهمية عن الكلمة، الصورة الشهيرة للجندي المصري على خط بارليف وهو يرفع علامة النصر، التي التقطها المصور الكبير مكرم جاد الكريم، تحولت إلى أيقونة عالمية، نقلت للعالم كله لحظة الكبرياء المصري، وقد لعب المصورون والمراسلون الحربيون دورًا بطوليًا في توثيق الحرب، وكانوا شهودًا على النصر بعدساتهم وأقلامهم.

وأضاف السعيد: الصحافة في تلك الأيام لم تكتفِ بتسجيل الحدث، بل صنعت وعيًا جديدًا لدى المواطن المصري، كان المقال الشهير لموسى صبري بعنوان "الله أكبر" من أبرز الأمثلة على ذلك، إذ لم يتحدث عن المعركة فقط، بل عن الفلاح المصري الذي أجبر عباقرة إسرائيل على الانحناء، كان المقال تجسيدًا لفكرة أن حرب أكتوبر ليست فقط معركة عسكرية، بل معركة حضارية وإنسانية أعادت للمصري ثقته بنفسه وبأرضه وهويته، ولم يقتصر الإبداع على الكلمة، بل امتد إلى فن توظيف الصورة، فعلى سبيل المثال، عرضت الأخبار في أحد أعدادها 18 صورة متتالية للرئيس الأمريكي نيكسون أثناء مؤتمر صحفي، تُظهر توتره وانفعالاته، كان ذلك توظيفًا بصريًا ذكيًا يعبر عن موقف سياسي دون أن يقال بالكلمات.

الصحافة القومية لم تكن “صحافة الحكومة”، بل كانت ولا تزال صحافة الدولة — أي الصحافة التي تعبر عن هموم الوطن ومصالح الشعب وأولوياته، وتدافع عن أمنه القومي ووعيه الجمعي، اليوم، ورغم تغير الوسائل وتطور التكنولوجيا، تظل الصحافة الورقية وثيقة للتاريخ، تسجل الحقيقة وتحفظ الذاكرة الوطنية، في الختام، أود التأكيد أن ما قدمته الصحافة القومية في حرب أكتوبر لم يكن مجرد تغطية مهنية، بل كان مشاركة وطنية في صناعة النصر، وأن دورها اليوم لا يقل أهمية في معركة الوعي التي نخوضها جميعًا ضد الشائعات والإحباط والتزييف.
0 تعليق