ماذا لو كنت رئيسا للوزراء؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الإثنين 20/أكتوبر/2025 - 11:26 م 10/20/2025 11:26:49 PM


كثيرًا ما يفتش المواطنون في ضمائر المسؤولين أكثر مما يفتشون في قراراتهم وأسبابها ودوافعها؛ فالثقة لا تُبنى على الأرقام بقدر ما تُبنى على النية، ولا على الشعارات بقدر ما تُبنى على الإحساس بالصدق.
وكثيرًا ما يجد المسؤول نفسه محاطًا بدوائر من الاتهامات والشكوك، فيُحاكمه الناس على إحساسهم لا على إنجازه، لأن العلاقة بين المواطن والدولة في جوهرها علاقة ضمير لا سلطة.
ومن هنا، وجدت نفسي - كمواطن عاش في هذا الوطن أكثر من خمسين عامًا، ورأى تحولات الناس والدولة معًا - أطرح على نفسي سؤالًا صادقًا: ماذا لو كنت أنا في موضع المسؤول؟ بل في مقعد أكبر مسؤول تنفيذي في مصر... رئيس الوزراء؟
كيف أفكر؟ وماذا سأقول للشعب الذي صبر كثيرًا، وتحمل ضغوطًا اقتصادية محلية ودولية فوق كل احتمال؟ وماذا أستطيع أن أقدّم للناس كي أنال ثقتهم حقًا، لا تصفيقهم مؤقتًا؟ وماذا سأفعل لأُحدث فرقًا حقيقيًا لا لغويًا؟  فهم لا يبحثون عن المعجزات، بل عن الصدق.
أولا، كيف سأقدم نفسي للشعب؟ سأبدأ من الصدق، لا من التصفيق، سأقول للمصريين: لقد صبرتم كثيرًا، وتحملتم ما لا تتحمله شعوب كثيرة، ولكم الحق أن تنتظروا أن يأتي التغيير الوزاري بثمارٍ حقيقية لا بتبديل الأسماء، لذلك لن أعدكم بما لا أقدر عليه، بل سأصارحكم بما يمكن فعله وبالزمن اللازم له، وسأعتبر نفسي موظفًا عندكم، لا عليكم.
إن أهم أسس سياسة رئيس الوزراء يجب ألا تخرج عن السياق المحكم التالي، فأول قاعدة: احترام سيادة القانون، فهو السياج الذي يحفظ العدالة ويحمي الدولة من فوضى النفوذ والمصالح، وثانيها: وضع أهداف محددة بتوقيتات ملزمة، لأن التنمية التي لا تُقاس، لا تُنجز، وثالثها: الاختيار على أساس الكفاءة والخبرة التنفيذية، لا العلاقات الشخصية... والوزير في حكومتي سيكون "عاملًا لدى الشعب"، ومن لا يرى نفسه كذلك لا مكان له.
في الحكومة التي أتخيلها هناك وزارات لن تكون في حكومتي، لن تكون هناك وزارات تُنشأ لتملأ الفراغ، بل لتُنجز مهمة، وأول هذه الوزارات التي أرى ضرورة إعادة النظر في وجودها هي وزارة قطاع الأعمال العام؛ فهي الوزارة التي لم يُسجّل لها التاريخ الاقتصادي إنجازًا حقيقيًا عبر كل مراحل تطورها في الحكومات المتعاقبة.
لقد تحولت الوزارة إلى كيان إداري مترهل، تُدار من خلال الشركات القابضة التي تمسك بخيوط الجمعيات العمومية للشركات التابعة، فتفرض عليها خططًا موحدة وتوجه أرباحها لمعالجة إخفاق شركات أخرى، بما يصنع مشهدًا ظاهريًا من “الربحية العامة” بينما الواقع يعج بالخسائر، وتلك السياسة أدت إلى خلق أرباحٍ مصطنعة لا تُعبر عن كفاءة أو إنتاج، وفتحت الباب لتساؤلات حول مصير الأرباح وتوزيعها، وهو موضوع يطول شرحه ويعرفه كل من قرأ تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات حول شركات هذه الوزارة.
ولذلك أرى أن إصلاح شركات قطاع الأعمال لا يكون بتحقيق أرباح شكلية، بل بمعالجة ملاحظات الجهاز المركزي للمحاسبات والجهات الرقابية في الإدارة، ومراجعة أساليب التشغيل، وإعادة النظر في تعيين القيادات التي تُديرها.
ولأن هذا واجه الفشل في تحقيقه، فالحل الجذري هو حلّ وزارة قطاع الأعمال العام، وتحويل الشركات القابضة إلى صندوق سيادي استثماري يُدار بفكر رجال الاستثمار والاقتصاد والصناعة والتجارة، بفكر قريب من القطاع الخاص لا البيروقراطية الحكومية، ويُعاد هيكل الشركات المتعثرة وتنقيتها من المشكلات، وجذب مستثمرين أكفاء، وإزالة الروتين والقيود أمامها لتصبح ذراعًا إنتاجية حقيقية للدولة، لا عبئًا على موازنتها.
كذلك أرى أنه لا مبرر لاستمرار وجود وزارتين للتعليم قل الجامعي والجامعي؛ فالتعليم في جوهره لا يُدار كمرحلة بل كرحلة، ورؤيتي هي دمج التعليم قبل الجامعي والتعليم الجامعي في وزارة واحدة تتولى إعداد رؤية موحدة تمتد من أول الحروف إلى آخر الدرجات الأكاديمية لبناء رؤية متكاملة من الحضانة إلى الجامعة، كما سيتم إعادة الاعتبار للتعليم الفني، وربطه بمصانع الدولة والقطاع الخاص،
وحين تتوحد الرؤية والخطة والإمكانات، نصل في النهاية إلى خريج جامعي متكامل يحمل شهادة معترفًا بها دوليًا، لا نتاج تجارب متناقضة بين وزارتين لا تلتقيان إلا في اسم “التعليم”.
إن بقاء الوزارتين المنفصلتين لا يصنع تنمية بل يُوسع الفجوة، ويخلق تعارضات دائمة في السياسات والمناهج والتطبيق.
أما وزارة البترول والثروة المعدنية ووزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، فأرى دمجهما في كيان واحد تحت مسمى وزارة الطاقة، فالطاقة اليوم لم تعد نفطًا أو كهرباء فحسب، بل منظومة متكاملة تضم مصادر الطاقة التقليدية والمتجددة والنووية والهيدروجينية، وتحتاج إلى تنسيق موحد في الرؤية والإنتاج والتسعير والتصدير، وإلى سياسات مرنة تربط بين أمن الطاقة والاستثمار البيئي والمستقبلي للدولة.
إن دمج الوزارتين سيخلق جهازًا واحدًا قادرًا على التخطيط الشامل وتوجيه الاستثمارات الكبرى بكفاءة أعلى.
كما أرى أنه لا جدوى من استمرار وزارة الشؤون النيابية والقانونية والتواصل السياسي؛ فكل وزارة يمكن أن تضم إدارة متخصصة للشؤون النيابية والتواصل مع البرلمان، وفي المقابل، يمكن لمجلسي النواب والشيوخ إنشاء قطاعات داخلية دائمة للتواصل مع كل وزارة مباشرة، على أن يُنشأ منصب مساعد رئيس الوزراء للشؤون النيابية ليتولى تمثيل الحكومة أمام البرلمان، وينقل الموقف الحكومي الموحد في كل قضية تشريعية أو سياسية، فيتحقق الانضباط والوضوح بدلًا من التكرار والتضارب.
وفي حكومتي المتخيلة، سأقترح دمج وزارة الأوقاف مع وزارة شؤون الأزهر (مع الحفاظ الكامل على استقلال مؤسسة الأزهر الشريف كما أقره الدستور)، فمقصدي هنا ليس المساس باستقلاله، بل تسهيل مهامه واتساقها مع سياسات الدولة، لأن الأزهر الشريف، رغم استقلاله، هو مؤسسة مصرية وطنية، ولا يجوز أن تعمل بمعزل عن المشهد العام للدولة التي تحتضنها وتدعمها، والتنسيق بين المؤسستين سيُعزز الخطاب الديني المعتدل، ويُوحّد الجهود في مواجهة الفكر المتطرف، ويُعيد للمؤسسات الدينية دورها في بناء وعي المواطن المصري وفق الثوابت الوطنية والروحية معًا.
أما وزارة التضامن الاجتماعي، فأرى أن زمنها بشعارها القديم قد انتهى، وأقترح أن تتحول إلى وزارة العدالة الاجتماعية والتنمية الإنسانية، لتكون فلسفتها قائمة على توزيع الإنتاج الوطني بعدالة، لا الاكتفاء بتقديم المساعدات الموسمية، فدورها الحقيقي هو إعادة صياغة التوازن الاجتماعي، وإدماج الفئات المهمشة في دورة التنمية، مع إنشاء برامج لتنمية الإنسان المصري في قيمه ومهاراته وقدراته، تحت مسمى “الهيئة الوطنية لتنمية الكوادر البشرية” تكون مهمتها التدريب المستمر لموظفي الدولة والقطاع العام والخاص وغيرها في الجامعات والمؤسسات العامة والخاصة، فالكوادر الضعيفة أخطر من الأزمات الاقتصادية نفسها، وهذا بالطبع يمكن أن يُغني عن فكرة “نائب رئيس الوزراء للتنمية البشرية” ويجعل التنمية الإنسانية جزءًا من نسيج العدالة الاجتماعية لا فرعًا منها.
وبذلك لن تكون العدالة الاجتماعية مجرد شعار.، بل ستساهم في تحويل الدعم من "نفقات" إلى "استثمار في الإنسان" عبر برامج تمويل للمشروعات الصغيرة، والتدريب، وريادة الأعمال، مع العمل على تقليل الفجوة بين الطبقات لا بالشعارات، بل بالفرص المتكافئة.
كما أرى ضرورة إنشاء وزارة مستقلة للبحث العلمي، يكون هدفها الأساسي تحويل منتج البحث العلمي إلى تطبيق عملي في الصناعة والزراعة والخدمات، لأن البحث العلمي هو القاطرة الحقيقية لتقدم الأمم.
وتتولى الوزارة إنشاء صناديق لتمويل الاختراعات القابلة للتطبيق، وربط الجامعات بالمصانع والشركات، لتتحول المعرفة إلى منتج وسوق وفرص تصدير، فالدول التي تصنع فكرها بيدها هي التي تملك قرارها واقتصادها معًا.
أما وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، فأرى أن تقسيمها الحالي يضعف أداءها، لذا أقترح نقل ملف التعاون الدولي إلى وزارة الاستثمار لتتكامل مع سياسات التمويل الأجنبي والاستثمار المباشر، بينما يُنشأ مجلس أعلى للتخطيط والتنمية الاقتصادية يتولى وضع خطة استراتيجية طويلة الأجل تمتد خمسين عامًا، تُراجع دوريًا كل خمس سنوات دون أن تُلغى بتغيير الحكومات، وتُنفذ إلزاميًا بغض النظر عن تغيّر الحكومات، وأن هذا المجلس يُعد بمثابة مجلس الخطة الوطنية العليا،  وتُعد هذه الخطة بواسطة مجالس علمية متخصصة في كل قطاع، تضم خيرة خبراء الوطن وعلمائه وكبار الاقتصاديين والمفكرين، ثم تُعرض على المجالس النيابية لاعتمادها ويُصدق عليها رئيس الجمهورية لتصبح وثيقة وطنية واجبة التنفيذ.
وبذلك ينتهي زمن الاجتهاد الفردي للوزراء الذين يبدأ كل منهم من الصفر، وتبدأ الدولة من حيث انتهت لا من حيث بدأت، فالدولة التي لا تخطط لمستقبلها الطويل، تُكرر أخطاء حاضرها القصير.
أخيرًا، أرى ضرورة دمج وزارة البيئة مع وزارة الصحة والسكان في كيان واحد، لأن البيئة ليست فرعًا خارجيًا عن الصحة، بل هي شرط وجودها، فكل أزمة بيئية تنعكس على صحة الإنسان، والتعاطي المنفصل بين الوزارتين أفرز تضاربًا في السياسات بين “الوقاية البيئية” و“العلاج الصحي”، إن توحيدهما تحت إدارة واحدة سيحقق منظور الصحة العامة الشاملة، الذي يربط بين سلامة البيئة ونقاء المياه والهواء وجودة الغذاء وصحة المواطن، وهو ما تسير عليه الآن معظم دول العالم المتقدم تحت مفهوم "الصحة والبيئة كمنظومة حياة واحدة".
والفكر الاقتصادي في الحكومة الجديدة التي أتصورها لا يقوم على إدارة الأزمة، بل على تحويلها إلى نقطة انطلاق، فمصر لا ينقصها الموارد، بل الرؤية المتكاملة التي تربط بين القرار المالي والإنتاجي والتنموي في منظومة واحدة، لذلك يجب أن يكون الفكر الاقتصادي الجديد قائمًا على التكامل المؤسسي لا التجزئة، وعلى الاستثمار الإنتاجي لا المسكنات المالية، ولا بد من أن تتغير فلسفة الحكومة من إدارة يومية للأزمة إلى إدارة إستراتيجية للنمو، تُبنى على ثلاثة محاور: أولها دعم الصناعة المحلية باعتبارها المحرك الأساسي للناتج القومي، وثانيها تحفيز التصدير وجذب العملة الصعبة من خلال قطاعات الصناعة التحويلية والخدمات التكنولوجية، وثالثها إعادة هيكلة المنظومة المالية والضريبية لتصبح محفزة للاستثمار لا طاردة له.
من هذا المنطلق، يجب أن تتشكل المجموعة الاقتصادية في الحكومة الجديدة من وزارات محددة ذات اتصال مباشر بالعجلة الإنتاجية، وهي: وزارة المالية، وزارة التجارة والصناعة، وزارة الزراعة والأمن الغذائي، وزارة الاستثمار والتعاون الدولي (بعد الدمج المقترح)، وزارة الطاقة، ووزارة العمل ووزارة العدالة الاجتماعية والتنمية الإنسانية، ويمكن أن يُلحق بها وزير الدولة للتخطيط الاقتصادي ليتولى التنسيق بين هذه الوزارات في ضوء الخطة القومية طويلة الأمد والتي ينتجها المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية الاقتصادية.
وستكون هذه المجموعة الاقتصادية بمثابة "مجلس اقتصادي تنفيذي" داخل الحكومة، يجتمع أسبوعيًا برئاسة رئيس الوزراء، لمتابعة تنفيذ الخطة الاستثمارية للدولة ومعدلات التشغيل وجهود وبرامج التنمية البشرية، وإزالة أي معوقات أمام القطاع الخاص، كما يجب أن تتولى هذه المجموعة ملف التوازن بين الاستقرار المالي والعدالة الاجتماعية، بحيث لا يتحول الإصلاح الاقتصادي إلى عبء على المواطن، بل إلى جسر نحو جودة الحياة.
إن الفكر الاقتصادي الذي أتبناه في هذه الحكومة المتخيلة هو فكر التحول من الدولة الرعوية إلى الدولة المنتجة، ومن ثقافة العجز إلى ثقافة الفائض، عبر تشجيع التصنيع المحلي، وتوطين التكنولوجيا، ودعم ريادة الأعمال، وتحفيز الاستثمار الزراعي والصناعي في الصعيد وسيناء والمدن الجديدة، وعندها فقط يمكن أن نقول إن الحكومة لم تكتفِ بإدارة الأزمة، بل جعلت منها شرارةً لبناء نهضة اقتصادية حقيقية.
والأزمة الاقتصادية المصرية ليست في ندرة الموارد بل في ضعف إدارة الموارد، وأتصور أن الخطوة الأولى هي تحويل الاقتصاد من استهلاكي إلى إنتاجي، ويمكن البدء بخمسة مسارات متوازية: الإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية: عبر تحويل الأراضي الجديدة إلى مناطق إنتاج زراعي حديث، مرتبطة بمصانع تعبئة وتصدير في نفس النطاق الجغرافي، فالزراعة ليست محصولًا فقط، بل سلسلة قيمة مضافة.
وفي الاقتصاد الصناعي، أقترح أن يطلق برنامج "صُنِع في مصر الجديدة" لتحويل الدولة إلى دولة صناعية كبرى خلال عشر سنوات، بإنشاء مناطق صناعية تخصصية (دوائية – إلكترونية – معدنية – غذائية)، وتسهيل تراخيص المصانع الصغيرة، وتوطين التكنولوجيا بالشراكة مع الدول الصديقة.
وفي مجال الطاقة والاستدامة، يجب توسيع الاستثمار في الطاقة المتجددة، والهيدروجين الأخضر، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتجارة الطاقة.
ثم يأتي على رأس كل ذلك المالية العامة والانضباط النقدي، من خلال خفض الإنفاق غير المنتج، وتعظيم العائد من الأصول الحكومية، وتوجيه الدعم نحو الإنتاج لا الاستهلاك، ثم الانفاق على الاستثمار في الإنسان من خلال التعليم، والصحة، والثقافة، والتدريب المهني، وكلها قطاعات اقتصادية في جوهرها، لأنها تُنتج رأس المال البشري الذي هو الوقود الحقيقي للتنمية.
وفي مجال المنظومة الصحية والتأمين الشامل، لن تقوم دولة قوية بدون نظام صحي عادل وشامل، وسأبدأ بـ تعديل مشروع التأمين الصحي الشامل وتفعيله بصرامة وإيجاد مصادر واقعية لتمويله بعيدا عن ميزانية الدولة، مع تصحيح خطأ جوهري في بنيته، فالعيادات الأولية يجب ألا تكون مجال تدريب لصغار الأطباء، بل مقاديرها في يد أطباء كبار ذوي خبرة، لأن البداية الصحيحة في التشخيص تختصر 70% من كلفة العلاج، كما يجب التخطيط والتنفيذ لإعادة توزيع الموارد البشرية الطبية والصحية والتمريضية، ورفع كفاءة الرواتب للأطباء والتمريض، مع وضع حوافز للبقاء والعمل في مصر، لأن نزيف الكفاءات الطبية لم يعد خطرًا مهنيًا بل خطرًا قوميًّا.
أما الإشكالية الهامة فهي في الثقافة والهوية والمواطنة، ويجب أن ندرك أنه لا تنمية اقتصادية دون مشروع ثقافي وطني يعيد بناء الهوية المصرية في زمن التشتت القيمي، ولذلك لابد أن تكون وزارة الثقافة شريكًا في التنمية لا في الاحتفالات، ويجب تأسيس "المجلس الوطني للهوية والمواطنة" ليعمل على دعم القيم الجامعة: الانتماء، التسامح، احترام القانون، والانضباط المجتمعي، فالهوية ليست شعارًا يُرفع، بل مناهج تُدرَّس، وإعلام يُربّي، ومؤسسات تُنسّق، والمواطنة لا تُبنى بالخطب بل بالممارسة، حين يشعر المواطن أن القانون يحميه، وأن الدولة تستمع له، وأن كفاءته هي معيار نجاحه.
تبقى السياسة الخارجية التي يجب أن تكون فلسفتها هي الدبلوماسية التنموية، من خلال إعادة صياغة دور وزارة الخارجية ليشمل دورا اقتصاديًا تنمويًا بالأساس، وسفاراتنا يجب أن تصبح مراكز استثمار وتجارة، لا مجرد مبانٍ تمثيلية، مع تفعيل الدبلوماسية الإقليمية لمصر بقوة بالغة التأثير لتكون رمانة الميزان في الشرق الأوسط وإفريقيا، باعتبار التنمية الإقليمية جزءًا من أمننا القومي.
وأخيرا، كمواطن بسيط، لو كنت رئيسًا للوزراء، لبدأت من الإنسان قبل البنيان، ولجعلت الاقتصاد في خدمة المواطن، لا المواطن في خدمة الأرقام، ولو كنت رئيسًا للوزراء، لجعلت الحكومة منظومة عقل وقيم، شعارها: الكفاءة قبل الولاء، النتيجة قبل التصريح، والمواطن قبل الكرسي.
إن مصر الجديدة تحتاج من يسمعها بعقل عالم، ويخدمها بضمير وطني، ويقودها بخطة لا بشعار، ولعل السؤال الذي بدأتُ به - ماذا لو كنت رئيسًا للوزراء؟ - هو سؤال على كل مواطن أن يطرحه أيضًا على نفسه: ماذا لو كنتُ أنا في موضع القرار؟ هل كنت سأخدم وطني كما أنتظر أن يخدمني؟
تحيا مصر... وطنًا يُحكم بالعلم، ويُبنى بالإخلاص، ويُدار بالعدل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق