في ذكرى رحيله.. كيف تحوّل "أمير الشعراء" من شاعر البلاط إلى صوت الأمة

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مثل هذا اليوم من عام 1932، أسدل الستار على حياة أحد أعظم شعراء العربية في العصر الحديث، الشاعر الذي جمع بين أصالة التراث وجرأة التجديد، أحمد شوقي، الذي لُقّب عن جدارة بـ"أمير الشعراء"، ولم تكن مسيرته مجرد رحلة أدبية، بل كانت سيرة وطن وروح عصر؛ شاعر نشأ في القصور، ونُفي إلى الأندلس، فعاد منها أكثر قربًا من الناس والوطن.

وبمناسبة ذكرى وفاته التي توافق 14 أكتوبر، نستعيد رحلته من المنفى إلى العرش الأدبي، وكيف تحوّل من شاعر البلاط إلى صوت الأمة، ومن منشد الملوك إلى شاعر الإنسانية جمعاء.

بدايات شوقي

ولد أحمد شوقي بحيّ الحنفي بالقاهرة في 16 أكتوبر 1868، لأب شركسي وأم يونانية تركية الأصل، وقيل إن جدته لأبيه شركسية وجدته لأمه يونانية، ونشأ في كنف جدته لأمه التي كانت وصيفة في قصر الخديوي إسماعيل، حيث وفّرت له تربية مميزة داخل أجواء القصر.

التحق شوقي في طفولته بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدرًا من القرآن الكريم وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، حيث أظهر نبوغًا مبكرًا جعله يُعفى من المصروفات الدراسية، وفي سن الخامسة عشرة، التحق بمدرسة الحقوق عام 1885، ثم انضم إلى قسم الترجمة، وهناك بدأت موهبته الشعرية تتفتّح على يد أستاذه الشيخ محمد البسيوني الذي تنبأ له بمستقبل شعري باهر.

ميلاد الفكر والنهضة

سافر أحمد شوقي إلى فرنسا على نفقة الخديوي توفيق، وهناك تبلورت رؤيته الفكرية والإبداعية، فشارك مع زملائه في تأسيس جمعية "التقدم المصري"، التي كانت منبرًا وطنيًا ضد الاحتلال الإنجليزي، كما توطدت صداقته بالزعيم مصطفى كامل، واطّلع عن كثب على مشروعات النهضة الأوروبية.

رغم تأثره بالثقافة الفرنسية والشعراء الفرنسيين مثل راسين وموليير، ظل قلبه متعلقًا بالتراث العربي وشعرائه الكبار وعلى رأسهم المتنبي، وعند عودته إلى مصر، اتجه شعره إلى مدح الخديوي عباس الثاني دفاعًا عن شرعيته في مواجهة الاحتلال البريطاني.

المنفى في الأندلس.. من المديح إلى الوطنية

نتيجة لمواقفه الموالية للخديوي، نفاه الإنجليز عام 1915 إلى إسبانيا، وتحديدًا برشلونة، وهناك عاش تجربة المنفى التي غيّرت مسار شعره وفكره. 

في الأندلس، انفتح على الأدب الأندلسي والحضارة العربية الزاهرة في تلك البلاد، فكان منفاه ميلادًا جديدًا لشوقي الشاعر الوطني والإنساني، لا شاعر البلاط، ورغم بعده عن وطنه، ظل شوقي يتابع ما يجري في مصر، فكان شعره خلال المنفى مشبعًا بالحنين للوطن وبمشاعر الأسى على حال الأمة.

عاد شوقي إلى مصر عام 1920، ليبدأ مرحلة جديدة من الإبداع الوطني والاجتماعي، حيث تحرّر شعره من قيد المديح واتجه نحو التعبير عن آمال الأمة.

أحمد شوقي وإمارة الشعر العربي

في يوم الجمعة 29 أبريل 1927، اجتمع شعراء العرب في دار الأوبرا القديمة بالقاهرة لتكريم شوقي، فبايعوه أميرًا للشعراء في احتفال مهيب حضره كبار الأدباء والشعراء العرب، وألقى حافظ إبراهيم قصيدته الشهيرة قائلا: أمير القوافي قد أتيت مبايعًا     وهذي وفود الشرق قد بايعت معي

ومنذ تلك اللحظة، أصبح شوقي رمزًا للشعر العربي الحديث ومرجعًا للبيان والبلاغة.

رائد المسرح الشعري العربي 

يُعد أحمد شوقي رائد المسرح الشعري العربي، إذ قدّم مجموعة من المسرحيات الشعرية التي أرست دعائم هذا الفن في الأدب العربي، منها: مصرع كليوباترا، مجنون ليلى، قمبيز، علي بك الكبير، عنترة، أميرة الأندلس، الست هدى، البخيلة، وشريعة الغاب.

بدأ اهتمامه بالمسرح منذ عام 1893، لكنه كرّس جهده لهذا الفن بعد تتويجه "أميرًا للشعراء" عام 1927، فاعتبر الإمارة تكليفًا لتطوير الشعر العربي نحو آفاق جديدة.

"الشوقيات".. ديوان النهضة

جمع شوقي شعره الغنائي في ديوانه الشهير "الشوقيات"، الذي يُعد وثيقة أدبية تؤرخ للتحولات السياسية والاجتماعية في مصر والعالم العربي، وكان قد صدر الجزء الأول عام 1898، وتتابعت الأجزاء الأربعة حتى عام 1943، متضمنة قصائد في المديح والرثاء والوصف والسياسة والدين والحكمة والتعليم.

قام الدكتور محمد السربوني بجمع الأشعار التي لم تُضم إلى الديوان الأصلي، وأصدرها في مجلدين تحت عنوان "الشوقيات المجهولة".

شاعر الوطنية والوجدان

لم يكن أحمد شوقي شاعر الملوك فقط، بل شاعر الأمة الذي تغنى بالوطن العربي والإسلامي، ودافع عن الحرية والنهضة والتعليم، كما نظم قصائد في الحوادث العامة، مثل قصيدته عن حريق ميت غمر عام 1902، التي تُظهر حسه الإنساني العميق.

في مدح النبي والروح الدينية

تميّز أحمد شوقي بقصائده في مدح النبي محمد، ومن أشهرها: نهج البردة، الهمزية النبوية، ولد الهدى، ذكرى المولد، وملحمته دول العرب وعظماء الإسلام التي بلغت 1726 بيتًا، نظمها أثناء منفاه في الأندلس، وقد تغنت أم كلثوم بعدد من قصائده الإسلامية والوطنية، أبرزها "نهج البردة" و"مضناك جفاه مرقده".

بين القصر والشعب

كان أحمد شوقي في بداياته شاعر القصر، ثم تحوّل بعد عودته من المنفى إلى شاعر الشعب والأمة، عبّر عن روح الثورة والتحرر من الاستبداد بقوله: 
زمانُ الفَرْدِ يا فِرْعَونُ وَلَّى            ودالَتْ دَولةُ المُتَجَبِّرينا

وأَصْبَحَتِ الرُّعاةُ بكلِّ أرضٍ          على حُكْمِ الرَّعِيَّةِ نازِلِينا

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق