في ظل التصعيد العسكري الحاد الذي اندلع بين إيران وإسرائيل منذ أقل من أسبوع، برزت مصر كدولة محورية في المنطقة، حيث تحولت العاصمة القاهرة إلى ممر دولي حيوي لإجلاء الرعايا الأجانب من الأراضي الإسرائيلية عبر الحدود المصرية.
هذا الدور الجديد لمصر جاء نتيجة لتلقي السلطات المصرية طلبات رسمية من أكثر من عشرين دولة أوروبية وآسيوية، من بينها بولندا والتشيك ورومانيا والمجر وإيطاليا وسلوفينيا وصربيا وفيتنام والصين والهند والفلبين، لتنسيق عمليات إجلاء مواطنيها العالقين في إسرائيل، في ظل تصاعد التوترات العسكرية واشتداد المواجهات التي تهدد استقرار المنطقة بأسرها.
خطة الإجلاء: معبر طابا ومطار شرم الشيخ في قلب العمليات الإنسانية
تتمثل خطة الإجلاء التي تنسقها القاهرة في استقبال الرعايا الأجانب القادمين من المدن الإسرائيلية عبر معبر طابا الحدودي، وهو المعبر البري الوحيد الذي يربط بين إسرائيل ومصر على البحر الأحمر.
وبعد عبور المعبر، يتم نقل هؤلاء الرعايا إلى مطار شرم الشيخ الدولي، الذي أصبح مركزًا حيويًا لهذه العمليات الإنسانية، حيث يتم ترتيب رحلات جوية خاصة إلى بلدانهم الأصلية.
ويأتي هذا الإجراء في ظل إغلاق المجال الجوي الإسرائيلي أمام الرحلات المدنية، ما يجعل من الصعب على الدول الأجنبية إرسال طائرات مباشرة إلى إسرائيل لإجلاء مواطنيها، الأمر الذي يعزز من أهمية الدور المصري كحل وسط آمن وعملي.
إشادة دبلوماسية: وزير خارجية سلوفاكيا يشيد بالتنسيق المصري
وقد أعرب وزير خارجية سلوفاكيا، يوراي بلانار، عن شكره العميق لنظيره المصري بدر عبد العاطي، مشيدًا بالتسهيلات التي قدمتها مصر لتيسير عمليات إجلاء المواطنين السلوفاك من إسرائيل إلى الأراضي المصرية ومن ثم إلى بلادهم.
هذا الشكر يعكس التنسيق الدبلوماسي المكثف بين القاهرة والعواصم المعنية، ويؤكد أن مصر تلعب دور الوسيط الإنساني الذي يربط بين الأطراف المختلفة في ظل الأزمات المتصاعدة.
تجربة مصر السابقة في إجلاء الأجانب من قطاع غزة
ولا يعد هذا الدور المصري جديدًا، بل هو امتداد لتجربة سابقة أثبتت فيها مصر قدرتها على التعامل مع الأزمات الإنسانية المعقدة في المنطقة.
ففي نوفمبر 2023، خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، لعبت مصر دورًا محوريًا في إجلاء آلاف الرعايا الأجانب من قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي، وذلك خلال الهدنة الأولى بين إسرائيل وحركة حماس.
تلك التجربة السابقة مكنت القاهرة من بناء آليات فعالة للتنسيق مع الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، وهو ما ساعدها اليوم على الاستجابة السريعة والفعالة لطلبات الإجلاء من إسرائيل.
مصر.. محور إقليمي لإدارة الأزمات الإنسانية والسياسية
تعكس هذه التطورات الدور الإقليمي المتزايد لمصر كدولة محورية في إدارة الأزمات الإنسانية والسياسية في الشرق الأوسط. فالقاهرة توفر ملاذًا آمنًا وممرًا دوليًا حيويًا في ظل تصاعد التوترات والصراعات المسلحة في المنطقة، مما يعزز من مكانتها على الساحة الدولية.
هذا الدور لا يقتصر على الجانب الإنساني فحسب، بل يمتد إلى البعد السياسي والدبلوماسي، حيث تبرز مصر كوسيط قادر على التفاوض والتنسيق بين الأطراف المختلفة، وهو ما يمكن أن يسهم في تخفيف حدة التوترات وفتح قنوات للحوار.
القدرات اللوجستية والأمنية لمصر في تنظيم عمليات الإجلاء
من الناحية اللوجستية، فإن مصر أظهرت قدرة عالية على تنظيم عمليات الإجلاء، حيث تم تجهيز معبر طابا لاستقبال أعداد كبيرة من الرعايا الأجانب، وتوفير وسائل نقل آمنة إلى مطار شرم الشيخ، الذي شهد زيادة في حركة الطيران الدولي لاستقبال هذه الرحلات الخاصة.
كما تم التنسيق مع شركات الطيران الدولية لتوفير رحلات مباشرة إلى الدول المعنية، مما ساهم في تسهيل عملية الإجلاء بشكل سريع وفعال.
على الصعيد الأمني، عملت السلطات المصرية على تأمين المعابر والمطارات، وضمان سلامة الرعايا الأجانب خلال تنقلاتهم، بالإضافة إلى توفير الدعم الطبي واللوجستي اللازمين.
هذا الاهتمام الأمني والإنساني يعكس التزام مصر بدورها الإنساني ومسؤوليتها الدولية تجاه حماية المدنيين في أوقات الأزمات.
ارتفاع السياحة بنسبة 300% في مناطق الحدود المصرية
في سياق متصل، شهدت مناطق نوبيع وطابا الحدودية المطلة على خليج العقبة في شمال شرق مصر، ارتفاعًا ملحوظًا في نسب إشغال الفنادق، حيث قفزت الإشغالات السياحية بنسبة 300% لتصل إلى 60% مقارنة بنسبة 15% قبل اندلاع المواجهات العسكرية.
هذا الارتفاع غير المسبوق يعكس تدفقًا كبيرًا للسياح والزوار الذين يأتون إلى هذه المناطق، سواء من أجل الإقامة أثناء عمليات الإجلاء أو للاستفادة من الأجواء الآمنة نسبيًا مقارنة بالمناطق المتوترة في الشرق الأوسط.
كما أظهرت بيانات رسمية أن الحركة السياحية الوافدة إلى مصر خلال الفترة من يناير إلى مايو 2025 سجلت نموًا بنسبة 26% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مع زيادة ملحوظة في معدلات الإنفاق السياحي.
وأكد وزير السياحة والآثار، شريف فتحي، أن مصر تستهدف الوصول إلى 30 مليون سائح سنويًا، وهو هدف طموح يتطلب تطوير البنية التحتية السياحية من فنادق ومطارات ومقاعد طيران، بالإضافة إلى مضاعفة عدد الغرف الفندقية خلال السنوات المقبلة لمواكبة النمو المتوقع في أعداد السياح.
السياحة المصرية تتحدى التوترات الإقليمية وتحقق انتعاشًا ملحوظًا
هذا النمو السياحي يأتي رغم التوترات الجيوسياسية في المنطقة، ويعكس ثقة متزايدة في مصر كوجهة آمنة وجاذبة للسياح من مختلف أنحاء العالم، سواء للسياحة الداخلية أو الدولية.
كما أن زيادة حركة السياحة تدعم الاقتصاد المصري بشكل كبير، حيث تعتبر السياحة من القطاعات الحيوية التي توفر ملايين الوظائف وتدعم العديد من الأنشطة التجارية والخدمية.