- الأزمة ناجمة عن تمسك الدولة المصرية باستقلاليتها ورفض أى مخططات تمس سيادتها
- تقوية الذات المصرية ليست اختيارًا والمواجهة ليست شأنًا خاصًا بمؤسسات الدولة
- تحصين النفس يبدأ بمراجعة أداء الأجهزة التنفيذية والحفاظ على التلاحم الوطنى
- إغلاق الباب أمام إعادة استغلال الدين فى السياسة حتى لا تتكرر الفتنة
- الفوضى فى الجنوب لا تقل خطرًا عن الشرق والغرب والتصدى يبدأ بمحاسبة المقصرين
يقولون ويروجون هذه الأيام أن مصر فى أزمة سياسية بسبب التغيرات الدرامية فى المشهد السياسى الإقليمى، من قيام نظام حكم مرضى عنه غربيًا فى دولة عربية آسيوية على يد قادة ميليشيا سابقين تم إعدادهم للحكم بالخارج، واضطراب الأوضاع فى دول جوار مصر، ومحاولة تفجير حدودها الشرقية فى أى لحظة، وحدوث توترات بين مصر والقوى الأعظم دوليًا بسبب رفضها مخططات تمس سيادتها!
يقولون إن مصر أصبحت محصورة وظهرها للحائط! من منطق هزيمة الشرق التامة والهرولة- بعد تلك الهزيمة- للارتماء طواعية فى بيت الطاعة السياسى، ورفض مصر منفردة تلك الهرولة، فإن قولهم صدق تام لا كذب فيه.
نعم من هذه الزاوية التى يقبع فيها هؤلاء الذين بادروا بالطاعة التامة، فهم قطعًا يرون مصر وحيدة ظهرها للحائط. فهم يدركون بشكل واقعى حقيقى أنه لم يعد لديهم ما يمنحهم شجاعة الوقوف معها، وأعتقد أن مقولة تمت نسبتها لسيدة منذ أكثر من خمسة قرون ونصف القرن هى أصدق ما يلخص مشهد هؤلاء: «ابكِ كالنساء ملكًا لم تدافع عنه كالرجال!»، لكنهم اليوم ليست لديهم الشجاعة حتى للاعتراف بالهزيمة والبكاء، لكنهم مشغولون بمحاولة إسقاط آخر ما تبقى من حصون شرقهم.. مصر!
من هذا المنطق الواقعى الذى يقطع بأن الشرق ودوله اليوم- ككيان إقليمى- فى لحظة هزيمة كبرى لعجزهما فى العقود السابقة عن الوصول لصيغة توافق ناضجة تحفظ لهذا الكيان استقلاله والدفاع عن مقدراته، يكون حقيقيًا جدًا أن الدولة الوحيدة الباقية ترفض وتواجه ولا تفرط، هى فى أزمة حقيقية كبرى.
مصر فى أزمة، لكن ليس بسبب ضعف موقفها أو تهافتها أو أزماتها الاقتصادية أو شرفها الذى أعلنت عن تمسكها به للنهاية أو بسبب ممارستها السياسة بشرف، وجودها ببعض قوت أبنائها على من لا يستحقون، لكن مصر فى أزمة كونها إحدى دول الشرق المهزوم والمستهدف بأكمله من قوى وتكتلات قوية إقليمية تشمل دولًا كبرى مجتمعة بمقدراتها وأموالها وأسلحتها وعلومها المتطورة.
أزمة مصر الحالية أنها تخوض مواجهات لا تخصها بشكل حصرى، هى تدفع فاتورة الدفاع عن شرف الشرق منفردة.
هذه هى الحقيقة التى يدركونها جيدًا، وتصيبهم بالجنون وتدفعهم- بدلًا من محاولة التعلق بالأمل الأخير المرهون ببابها- إلى محاولة التخلص من هذا المشهد تمامًا بإسقاطها، فيتساوى الجميع فى السقوط.
هذه ليست فقط حالة حكومات، بل حالة كثير من شعوب الشرق، الذين يملأون الدنيا صراخًا ضد مصر! مرة بأن مصر تمنع وصولهم- باثنى عشر كيلومترًا من الحدود مع غزة- لتحرير القدس! ومرة بتنفيذ خطط أجهزة مخابرات والخروج بحشد إعلامى بغية الوصول لإحداث فوضى فى مصر تحت راية كسر الحصار.
هذه هى أزمة مصر التى لن تكون مواجهتها صحيحة دون أن يدرك المصريون طبيعة الأزمة. فى مثل هذا الموقف الذى تقف فيه دولة مثل مصر، يكون منطقيًا أن تعيد ترتيب أوارق المواجهة، وربما أن تعيد التفكير فى بعض توجهاتها السابقة وغاياتها بما يصب فى اتجاه واحد، هو تقوية نفسها فقط- حيث لا يوجد معها آخرون- فى المواجهة. حين يتعرى جميع المحيطين بها يصبح حقًا أصيلًا لها أن تعيد ترتيب أولوياتها، وتضع غايات جديدة لتحقيقها أو منع تحقيقها على حسابها. يصبح منطقيًا وعادلًا جدًا أن يتغير هدفها من الدفاع عن إقليم إلى الدفاع فقط عن ذاتها وشعبها ومقدراتها وحدودها.
ويصبح نجاحها فى تحقيق هذه الغايات- وسط تلك المشاهد- نصرًا كبيرًا تنأى من خلاله بنفسها عن مشاهد هزيمة الشرق وسقوطه.
هذا ما يجب أن يدركه المصريون، أنه ومنذ عقود، حين كانت هناك آمال لتحقيق قوة إقليمية شرقية، كان وقتها الحديث عن قضايا شرقية إقليمية مشروعًا، وكان وقتها الحديث عن كل الشعارات الإقليمية لدول عديدة منطقيًا، لكن الآن وبعد أن سقط مَن سقط، وباع مَن باع، ومزق وطنه مَن مزق، يغدو حتميًا على المصريين أن يكون منطقهم الأوحد أنه لا حديث بعد اليوم إلا عن قضية مصر. وأن يتيقن المصريون أن مصر لم تُهزم، وأنها ما زالت فى موقف يستطيع المصريون من خلاله- إن خاضوا الطريق الصائب- أن ينجوا بها ومعها.
أى حديث مصرى شعبوى الآن عن تلك القضايا الإقليمية، يعنى أن بعضنا لم يزل خارج دائرة الإدراك وخارج سياق اللحظة. رغم أننى من المؤمنين بالقومية المصرية منذ زمنٍ بعيد، وبغض النظر عن تفاصيل المشهد الراهن، لكن هذا لا يعنى أن أى دولة يمكنها أن تعيش فى عزلة بعيدًا عما يحدث حولها أو محيطها. لكن تغيرات المشهد الآن توجب على المصريين أن يعيدوا- كدولة- صياغة علاقاتهم بهذا المحيط.
فيما يخص الاقتصاد ومفردات السياسة والدبلوماسية، فلمصر مؤسسات قادرة قطعًا على صياغة هذه العلاقات بشكل جديد متطور مواكب لأى تغيرات. وهذا ما رأيناه فى الأيام الأخيرة وأدركنا معه أن مصر دولة قوية لديها الكثير من أوراق القوة، وقادرة على التعامل مع أى تغيرات تطرأ على المشهد السياسى. رغم هذه الثقة اليقينية فى قوة مؤسسات الدولة المصرية العريقة، يبقى إدراك بعض التفاصيل- مما يجرى فى الشارع المصرى ومما تزدان به صفحات التاريخ- وتسليط الضوء عليها مهمة واجبة حتمية على المثقفين القيام بها. لأن مواجهة مصر الآن ليست شأنًا خاصًا بمؤسسات الدولة فقط، بل واجب قومى على جميع المصريين القيام به مجتمعين.
ماذا تملك مصر الآن من أدوات قوة تمكنها من تعويض مشاهد هزيمة الشرق؟ وهل المطلوب فقط أن تجتاز مصر المواجهة الحالية أم أن تحصّن نفسها مما سقط فيه باقى ثغور الشرق لأجيال قادمة؟!
أول ما تملكه مصر المصريون أنفسهم.. فلن يسقط وطن مهما كان حجم التحديات والتهديدات الموجهة إليه إذا كان شعبه قد حسم أمره بعدم السماح بهذا السقوط، هذه مسلمة من ثوابت التاريخ.
من أجل تحقيق هذه الغاية- الحفاظ بصرامة على التماسك الوطنى المصرى أو تماسك الجبهة الداخلية- يجب أن تكون هناك مصارحة تامة عن أداء أجهزة الحكم التنفيذية فى مصر فى السنوات القليلة الماضية فيما يتعلق بهذه النقطة تحديدًا. هل أخطأت هذه الأجهزة فى حساباتها فيما يخص حماية المشاعر المصرية الوطنية بالداخل؟ أعتقد أن الإجابة هى نعم.
أعتقد أن الإدارة المصرية تدرك ذلك، وأنها قد شرعت بالفعل فى اتخاذ إجراءات قوية لتصويب هذا الخطأ.
هناك شعرة حادة فاصلة كانت على وشك أن تُقطع بين الوفاء بالتزامات مصر الإقليمية الأخلاقية تجاه دول الجوار، وحماية المشاعر المصرية الجماعية.
من معايشة الواقع المصرى فى طبقاته الوسطى يظهر بقوة أنه كانت هناك مشاعر مصرية مختنقة ترفض بعض المشاهد داخل مصر، لكنها تلتزم الصمت احترامًا لما قررته الدولة المصرية.
لم يتقبل المصريون هذا التيسير المبالغ فيه أحيانًا من قبل بعض إدارات الحكم المحلى فى بعض المحافظات فيما يتعلق بحصول مئات الآلاف من غير المصريين على حقوق ممارسات تجارية أو ممارستها دون الحصول على هذه الموافقات القانونية لسنوات، فى مقابل قيام نفس إدارات الحكم المحلى باتخاذ إجراءات قانونية صارمة تجاه نفس الممارسات حين يقوم بها مصريون.
هناك تساؤلات حول أداء أجهزة الحكم المحلى فى مصر فيما يتعلق بهذا الملف، وما يمكن أن يؤدى إليه هذا الأداء من إيصال رسائل غاية فى السلبية إلى جموع المصريين، وإلى جرح مشاعرهم الوطنية.
إن وفاء الدولة المصرية بالتزامات أخلاقية فى السنوات الماضية لم يكن يعنى على الإطلاق أن يتوقف بعض هذه الأجهزة التنفيذية عن ممارسة مهامها.
أعتقد أن المصريين فى حاجة لأن تبدى الإدارة المصرية تفهمًا واضحًا لما حدث فى السنوات الماضية، وأن تتعاطى بشكل جديد مع مشاعر المصريين الوطنية فيما يتعلق باعتقادهم بأحقية التمتع بموارد مصر دون غيرهم.
لقد ساند المصريون دولتهم بشكل طبيعى يتفق وشخصيتهم التاريخية عبر السنوات الماضية، ومن مظاهر تلك المساندة، الثقة التامة فى قرارات هذه الدولة فى هذا السخاء تجاه ملايين من غير المصريين وتعاملوا مع الموقف بأخلاقيات مصر التاريخية.
ثم ثبت أن كثيرًا من الذين عبّوا من هذا السخاء لم يكونوا سوى متآمرين على من فتحت أبوابها لهم- ونحن نذكر تفاصيل الاتجار فى العملة الصعبة، وجلب المخدرات، ومحاولات الإخلال بالاستقرار المصرى، وحملات التطاول على مصر وقيادتها منذ هجمات السابع من أكتوبر- ولقد أدركت مصر ذلك وتعاملت مع الموقف باحترافية دولة عريقة، وبقيت عدة نقاط لرأب هذا الصدع فى جدار الشعور المصرى الوطنى الجماعى.
النقطة الأولى، أن يكون كل ما حدث هو حد فاصل بين مرحلتين، الأولى هى المرحلة المنتهية بما فيها، والثانية التى بدأت مع تطبيق مصر قوانينها والمضى قدمًا فى الطريق لنهايته مؤيدة بشعبها.
فى هذه المرحلة الثانية، وكما «نقول نقطة ومن أول السطر»، فيما يخص أداء أجهزة الحكم المحلى فى عموم مصر. فما زالت بعض المشاهد قائمة، وكلما حدثت واقعة نكتشف مصادفة أن هناك أنشطة خارج القانون المصرى يمارسها غير المصريين.
النقطة الثانية، المصريون فى انتظار حديث إعادة الدفء لتلك العلاقة التى أشرت إليها، أن يشعروا بأن موقفهم بمساندة دولتهم مساندة مطلقة فى هذا الملف رغم كل ما احتملوه هو محل تقدير واستحسان من تلك الدولة، مع وعد بأن تكون أبواب مصر مفتوحة فقط لمن يستحق طرقها.
النقطة الثالثة، أن تتم محاسبة مَن قصر من المسئولين التنفيذيين فى أى محافظة مصرية.
الأساس الثانى لطريق نجاة مصر من هزيمة الشرق، هو أن يستوعب المصريون الأسباب الحقيقية التى قادت إلى سقوط الآخرين فيحذروها اليوم وغدًا.
من استعراض أسباب سقوط الآخرين- كما أوضحت فى الجزءين السابقين- يبدو أن القاسم المشترك الأكبر فى هذه الأسباب هو الطائفية الدينية. لقد حمى الله مصر من وجود هذه المفردة بأن جعل شعبها المسلم ينتمى إلى مذهب واحد، وجعل شعبها المسيحى أيضًا بعيدًا عن صراع الطوائف الدينية.
لكن هذا لم يمنع من أن يكون الدين هو الذى تم استغلاله فى مصر لعقود سابقة فأرهقها كثيرًا. حين لم يجدوا مدخلًا طائفيًا صريحًا لاستغلاله فى مصر، قرروا خلق فكرة جديدة هى أن المصريين فى حاجة إلى إعادتهم إلى صحيح الدين، وأنفقوا مليارات الدولارات عبر عقودٍ- وبعضها أموال شرقية خالصة- من أجل نشر هذا الباطل؛ ليكون هو سلاح شق الصف المصرى وتمزيقه.
من دراسة تاريخ مصر فى العقود السابقة، يتضح أن الذين قاموا بذلك لم يكونوا جميعهم غير مصريين، وأن كثيرًا منهم كانوا ينتمون بالفعل لمؤسسات دينية مصرية استغلوا حالة التسامح المصرية فتوغلوا ونشروا أفكارهم بطريقة ناعمة حتى جنوا أخيرًا ثمار غرسهم المر، ومرت مصر بما نعلمه فى آخر أربعة عقود، وكانت ذروة نجاحهم فى ذلك الاشتباك المسلح ضد الدولة المصرية.
نجحت مصر فى المواجهة المسلحة وبدأت فى محاولة مواجهة الأفكار نفسها، لكن يبدو أننا على وشك إعادة المحاولات الناعمة. لذلك فمن أهم ما يجب أن تتنبه له مصر- وهى فى غمار إعادة ترتيب أوراقها- ألا تسقط فى الفخ الناعم مجددًا. أن تنتبه بكل صرامة لأى محاولات للسيطرة مجددًا على عقول الأجيال الجديدة من قبل من يعتنقون أيديولوجية خلط الدين بالسياسة بمحاولة السيطرة المجتمعية للمؤسسات الدينية على مفردات الثقافة والتربية والفنون.
من أبسط قواعد الفطنة والكياسة والتفكير المنطقى، أن ندرك أن الذين يريدون بمصر ذلك لن يجهروا صراحة به الآن، وأن نفس الكتالوج القديم سوف يتم تفعيله.. مصطلحات من قبيل إعادة القيم الأخلاقية عن طريق منح مساحات أكثر للمؤسسات الدينية، وسوف يكون التركيز بقوة على محاولة الحصول على موافقات للهيمنة على الصغار لتنشئتهم كما يريدون.
منذ أسابيع، كتب أحد الأصدقاء على صفحته عبارة مهمة منبهًا ومحذرًا: الأوطان تتآكل من الأطراف.. فرددت عليه متيقنًا بأن مصر لن تُؤكل لا من أطرافها ولا من قلبها.
لكن يقينى هذا لا يمنع أننى أتوقف أمام عدة مظاهر فى الطرف الجنوبى لمصر أو محافظتها الحدودية الجنوبية. هناك مظاهر غريبة مريبة تلقى بكومة من التساؤلات عن أداء بعض الأجهزة التنفيذية، وما ترتب على تراكمات هذا الأداء. فى ظاهرة ملفتة انتشرت فى بعض مدن وقرى محافظة مصر الجنوبية أنواع من المخدرات المدمرة لكل من يقترب منها، ولا أمل إطلاقًا فى التعافى منها وتحيل مَن يتعاطونها إلى وحوش آدمية بشكل يثير الرعب على مستقبل أجيال قادمة.
ترتب على تراكم هذه الظاهرة أن فقد بعض المواطنين الإحساس بالأمان فى بعض القرى والمدن، فقرروا القيام بما هو أخطر، أن يهاجموا بعض ما يعتقدون أنه أوكار لكبار التجار.
انتشرت فى مدينة أسوان، وهى مدينة سياحية حدودية، مظاهر فوضى مرورية غريبة، وكثرت حوادث استخدام الأسلحة البيضاء، وغيرها.. كثرت حوادث الاشتباك بالأسلحة البيضاء بين غير المصريين أحيانًا فى مناطق حيوية من المدينة.
شىء آخر حدث منذ أشهر أثار الدهشة، أكشاك شرطة السياحة التى كانت تنتشر أعلى شارع كورنيش النيل على طول امتداده عند مداخل مراسى الفنادق العائمة، هذه النقاط كانت لها أهمية قصوى فى تمتع السائحين بالإحساس بالحماية والتمتع بالتنزه آمنين فى أجمل شوارع المدينة.
فجأة ومنذ أشهر، فوجئنا بنقل هذه النقاط إلى أسفل الشارع عند مدخل كل فندق عائم دون سبب مفهوم.. أدى ذلك إلى عزوف الكثير من السائحين عن الخروج خارج الفندق.. وهذا أسوأ ما يمكن أن نفعله من دعاية عن واحدة من أهم مدن مصر السياحية.
أنا على يقين بأن مصر لن تُؤكل من أطرافها ولا من قلبها، وأن أهلها قادرون على حمايتها، سواء مؤسسات أو مواطنون. لكن هذا لا يمنعنى من الإشارة إلى أن ما يحدث يجب أن تكون له وقفة قوية من مؤسسات الدولة المصرية.
ومن تمام الحفاظ على الأطراف، أشير إلى هؤلاء الذين قاموا فى السنوات السابقة بمحاولات تهريب أعداد كبيرة من مواطنى إحدى دول الجوار عبر حدود مصر الجنوبية.. هل تم حصار أنشطتهم ومحاسبة من تورطوا؟! إن محاولة خلق فوضى على حدود مصر الجنوبية لا يقل خطرًا عن نفس المحاولة على حدودها الشرقية أو الغربية.
يجب أن يتم تدريس طلاب مصر مادة جديدة تمامًا اسمها «القومية المصرية»، وهى مادة معلوماتية تجيب عن تساؤل: مَن نحن؟، وما هويتنا الحقيقية؟، وما طموحنا لبلادنا؟
هذه المادة تحتوى- حسب تصورى- على خليط من عدة علوم إنسانية، أولها: موجز للتاريخ المصرى كاملًا، شاملًا مفردات الحضارة المصرية من علوم وفنون، وثانيها: مادة تثقيف سياسى تحيط أبناء مصر بما حدث على الساحة السياسية على الأقل منذ عام ١٩٤٨، وصولًا للآن، وبها فصل تفصيلى عما قام به المتطرفون الدينيون فى مصر منذ تأسيس جماعة الإخوان الإرهابية حتى اليوم، وأن يشمل هذا الفصل بكل وضوح وصراحة قائمة بأسماء كل من تورط فى تأييد الجماعات الإرهابية بالفتوى أو المشاركة الصريحة فى جرائم إرهابية من رجال الدين، حتى لو كانوا ممن ينتمون إلى مؤسسات دينية رسمية. قوائم سوداء صريحة دون تحرج تشمل من كانوا بمثابة آباء روحيين لجماعات إرهابية فى مصر، ومن أفتوا بالقتل، ومن برروا جرائم قتل.
وأعود لبداية حديثى فأقول: إن مصر- من زاوية إعادة ترتيب الأولويات- ليست ضعيفة وقادرة تمامًا على المواجهة والصمود شريطة ألا تخوض الدولة- أى المؤسسات- هذه المواجهات بمفردها، فالمصريون جميعًا مسئولون عن حماية بلادهم والخروج بها إلى آفاق جديدة تليق بها. وشريطة أن يعيد المصريون التفكير فيما مروا به فى العقود الأخيرة، خاصة فى العامين الأخيرين. فعليهم إعادة رسم اللوحة الكلية التى تشمل جميع المحيطين بهم بناء على المستجدات والمواقف. وشريطة أن يعملوا على استغلال أهم أسلحتهم- القوة البشرية- الاستغلال الأمثل.
مصر فى هذه المواجهة بهذه المفردات ليست محصورة وظهرها ليس للحائط، لكنها دولة قوية راسخة. يؤسفنى القول إن أضعف ثغور مصر هو بعض ثغورها الثقافية، سواء أشخاص أو مؤسسات. والثقافة التى أعنيها تشمل مؤسسات الثقافة التقليدية والإعلامية والفنية، وأفضل ما فى المشهد الثقافى المصرى وأقواه، هو كيفية ردود عموم المصريين على ما يقوم به أو يتخذه بعض المثقفين من مواقف.