أحمد حمروش «1-3»

مع بدايات عطلة الصيف وجدتنى أعود إلى قراءة مذكرات تاريخية لشخصيات لعبت دورًا فى تاريخنا المعاصر. وأصدقك القول أيها القارئ الكريم، أنى- كمؤرخ- أُولى اهتمامًا خاصًا لمذكرات مَن نُطلِق عليهم الشخصيات الثانوية فى التاريخ، أو فى حقيقة الأمر شخصيات الظل، فهم من يشاركون فى صناعة الحدث التاريخى، ولكن من وراء ستار، حيث الأضواء مسلطة دائمًا، كما هو الحال فى السينما التقليدية، على البطل «التاريخى»، بينما فى حقيقة الأمر لا تُلقى الأضواء، ولا تتوجه الكاميرات إلى من يقف وراء البطل. ووجدتنى أتساءل: ماذا لو ألقينا بعض الأضواء على هذه الشخصيات التى تعيش فى ظل «البطل»؟ هل سنحصل على «لقطة» مختلفة، وصورة أكثر واقعية للحدث التاريخى؟ وربما خرجنا من عُقدة «البطل» التى تحكم نظرتنا وتصوراتنا حول التاريخ، ربما حتى الآن.

من المذكرات، أو فى حقيقة الأمر الذكريات المهمة والمفيدة فى هذا الشأن، ذكريات أحمد حمروش التى اختار لها عنوانًا لا يخلو من معنى: «نسيج العُمر». ولكن من منا يعرف من هو أحمد حمروش؟

ولد أحمد حمروش فى القاهرة فى حى شبرا فى عام ١٩٢١، وتوفى أبوه شابًا، وكان عمر أحمد حمروش لا يتجاوز العامين. وينتمى الكثير من أسرة حمروش إلى فئة علماء الدين؛ فوالده قاضٍ شرعى، وابن عمه هو شيخ الجامع الأزهر. ويروى حمروش ذكريات الطفولة، والصور المعلقة على جدران منزله، ومنها صورة الشيخ العطار والإمام محمد عبده، وهما من أئمة الإصلاح فى الأزهر. لكن الأقدار ستذهب بأحمد حمروش فى اتجاه آخر، حيث سينتمى إلى فئة «الأفندية المُطربشين» وليس «المشايخ المُعَمّمين»، هذا فضلًا عن انتمائه السياسى الذى سنتحدث عنه بعد قليل.

لن يسلك حمروش مسار التعليم الدينى، بل سيختار التعليم المدنى، وسيلتحق بمدرسة التوفيقية الثانوية الشهيرة.

وسيتعرف حمروش على الحياة السياسية وهو طالب فى المدرسة الثانوية، وفى خضم أحداث عام ١٩٣٥ المطالبة بعودة دستور ١٩٢٣. ويذكر حمروش انضمامه إلى جماعة «مصر الفتاة» الشهيرة آنذاك وزعيمها أحمد حسين، الجماعة ذات التوجه الوطنى «الفاشى»، ويذكر أيضًا انتشار هذه الدعوة بين تلاميذ المدرسة، ومنهم من سيصبح مثله من «الضباط الأحرار» وهو لطفى واكد. وهنا لا بد من وقفة قصيرة مع هذه الظاهرة، التى لن تقتصر على الحالة المصرية، بل سنشاهدها أيضًا فى المشرق العربى، وهى ظاهرة انتماء الطلاب وهم على مقاعد الدراسة الثانوية إلى الجماعات الأيديولوجية التى نشطت فيما بين الحربين العالميتين، بل وتوهجت أثناء الحرب العالمية الثانية، ثم دخول بعض هؤلاء الطلاب إلى المدرسة الحربية، وبالتالى تسييس الجيوش الوطنية فى مصر والمشرق العربى، لا سيما مع وجود الاحتلال الأوروبى، المتمثل فى إنجلترا وفرنسا.

وهنا لا بد من الإشارة إلى انتماء جمال عبدالناصر فى العام نفسه، ١٩٣٥، إلى جماعة مصر الفتاة، وربما هذا يفسر انتماء بعض الضباط الأحرار إلى الجماعات الأيديولوجية المتوهجة آنذاك، وأقصد بها مصر الفتاة، والجماعات الشيوعية والإخوان المسلمين.

سيساعد على ذلك توافق ظروف داخلية وعوامل خارجية على السماح ببداية إنشاء جيش وطنى فى هذه البلدان. ويفسر حمروش ذلك قائلًا: «كانت المدرسة الحربية قد فتحت أبوابها لدفعات كبيرة بعد عقد معاهدة ١٩٣٦، وتوتر الموقف الدولى، وقيام إيطاليا بغزو الحبشة (إثيوبيا) وهروب الإمبراطور هيلا سلاسى إلى بريطانيا».

وبالفعل سيدخل عبدالناصر والسادات المدرسة الحربية فى تلك الأثناء، ثم سيلتحق أحمد حمروش بالمدرسة الحربية فى عام ١٩٣٩، عام اندلاع الحرب العالمية الثانية. وسنشهد بعد ذلك ظاهرة تسييس الضباط الشبان، بل وتغير الانتماءات السياسية لبعضهم، حيث سيتحول- على سبيل المثال- انتماء أحمد حمروش من جماعة مصر الفتاة الوطنية الفاشية، إلى جماعة «حدتو» الشيوعية، وهو ما سنتحدث عنه فى الجزء الثانى فى المقال المقبل.

اشترك فى النشرة البريدية لتحصل على اهم الاخبار بمجرد نشرها

تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعى

السابق وكيل تعليم شمال سيناء يتابع الاستعدادات النهائية لامتحانات الثانوية العامة
التالى «جولة دبلوماسية جديدة».. وزير خارجية إيران يزور مصر ولبنان الأسبوع المقبل