وسط حرارة الصحراء ولهيب الحقول الممتدة فى عمق المواقع الإنتاجية، وفوق أبراج الحفر وفى محطات المعالجة، يقف الآلاف من العمالة المؤقتة واليد الفنية الماهرة ليؤدوا دورهم الحيوى فى استمرار الإنتاج وضمان دوران عجلة الاقتصاد، دون أن تتوافر لهم حتى الآن الحماية الوظيفية الأساسية التى كفلتها الدولة للعامل المصرى، هؤلاء هم أبناء قطاع البترول الحقيقيون الذين يشكلون عصب التشغيل اليومى، ولكنهم ما زالوا يقفون على هامش الحقوق رغم ثقل المسئوليات التى يحملونها على أكتافهم.
وفى الوقت الذى أقرت فيه الدولة المصرية، بتوجيهات مباشرة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، زيادة الحد الأدنى للأجور، ورفعت سقف الحماية الاجتماعية للعاملين، لا يزال الآلاف من العاملين المؤقتين فى قطاع البترول يتقاضون رواتب لا تتجاوز خمسة آلاف جنيه شهريًا، فى بعض المواقع النائية والحرجة داخل الصحراء الغربية، وهى مناطق تُعد من الأصعب فى ظروفها التشغيلية والبيئية، ومع ذلك لا تشملهم المظلة التأمينية، ولا يحصلون على الإجازات الرسمية، بل يغيب عنهم الحق فى الرعاية الطبية الأساسية أو بدل المخاطر.
هذه العمالة التى تصنف تحت بند «عمالة مقاول» أو «عمالة يومية» ليست فائضة عن الحاجة، بل هى من تتولى أعمال التشغيل الفعلى، من خطوط الأنابيب إلى الصيانة الميكانيكية، ومن تشغيل معدات الحفر إلى التوريد والتشغيل داخل مواقع الإنتاج، ووفقًا لتقارير غير رسمية من بعض شركات الإنتاج، فإن نسبة العمالة غير المثبتة تتجاوز فى بعض الأحيان ٤٠٪ من إجمالى قوة التشغيل فى المواقع.
الواقع يفرض تساؤلًا مُلحًا: كيف يمكن أن تظل هذه الفئة خارج سياق الحد الأدنى للأجور الذى أقرّته الدولة فى كل القطاعات الإنتاجية والخدمية؟ وكيف تتجاهل منظومة التشغيل فى قطاع حيوى مثل البترول دمج من أثبتوا جدارتهم، واستمروا لسنوات فى الميدان دون غطاء وظيفى واضح أو حقوق اجتماعية مستقرة؟
الأمر لا يتوقف عند فجوة الرواتب فقط، بل يمتد إلى غياب التأمين الصحى فى حالة الإصابة أو المرض، وعدم وجود برامج تدريبية حقيقية تفتح أمامهم آفاق الترقّى أو التطور المهنى، فضلًا عن غياب البدلات المرتبطة بخطورة المواقع وظروف العمل الخاصة. ويؤكد العديد من العاملين أن الشكوى لا تتعلق فقط بالوضع المالى، بل بالكرامة الوظيفية، حيث يشعرون بأنهم يُستخدمون دون أن يتم الاعتراف الرسمى بدورهم فى منظومة الإنتاج.
هذه الصرخة ليست موجهة ضد أحد، وإنما تُرفع بكل احترام إلى مكتب المهندس كريم بدوى، وزير البترول والثروة المعدنية، الذى يشهد له العاملون بإنصاته الجاد لمطالبهم، وسعيه منذ اليوم الأول لتسلم مهامه إلى بناء منظومة عادلة ومتوازنة تضمن استقرار القطاع وكرامة كل من ينتمى إليه.
إن دمج هذه العمالة ضمن المنظومة الرسمية للقطاع لم يعد مطلبًا فئويًا، بل أصبح ضرورة وطنية، فكيف نطمئن إلى استدامة الإنتاج واحترافية الأداء إذا كان من ينفذ المهام اليومية لا يحظى بالأمان الوظيفى؟ وكيف نضمن الحفاظ على الكفاءات إذا لم يشعر أصحابها بالانتماء الكامل لمنظومة تحترم عطاءهم وتكافئ إخلاصهم؟
لقد آن الأوان لأن تبدأ الوزارة، بالتنسيق مع الجهات ذات الصلة فى وضع خريطة دمج مرحلية تشمل أولًا العمالة الفنية التى أمضت سنوات من العمل المستقر فى المواقع، وأن يتم تضمينهم فى نظم التأمين الصحى، والتدرج الوظيفى، وتطبيق الحد الأدنى للأجور دون استثناء، فاستقرار قطاع البترول يبدأ من الإنسان، من العامل الذى يصحو قبل الجميع ويبيت فى قلب الصحراء لينير مصانعنا وبيوتنا.
إنها دعوة من الميدان، من قلب الحقول، نرفعها على مكتب الوزير، آملين أن تجد طريقها إلى التنفيذ لا التأجيل، فالعامل الذى يحمل أنبوبة الغاز لا يقل عمن يخطط أو يبرم الاتفاقيات، هو جزء من المنظومة، وحان وقت إنصافه.