في مثل هذا اليوم، 9 يونيو من عام 1921، وُلد أحد أبرز أعمدة الكلمة الغنائية في العالم العربي، الشاعر مرسي جميل عزيز، الذي تحوّلت كلماته إلى أغنيات تحفظها الأجيال وترددها القلوب قبل الألسنة، فهو شاعر جاء من قلب مدينة الزقازيق بمحافظ الشرقية ليصنع للكلمات مجدًا، ويتحول إلى وجدانٍ غنائي عابر للزمن.
في ذكرى ميلاده، نُبحر في محطات فنية بارزة شارك فيها مرسي جميل عزيز في صنع تاريخ الغناء العربي، من خلال تعاونه مع أصواتٍ صنعت المجد مثل عبد الحليم حافظ وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفيروز وغيرهم، فكانت كلماته هي الخيط الخفي الذي نسج أجمل لحظات الطرب في القرن العشرين.
عبد الحليم حافظ.. الشراكة الأطول والأعمق
كانت العلاقة الفنية بين مرسي جميل عزيز وعبد الحليم حافظ علاقة استثنائية، لا تشبه أي تعاون آخر في مسيرته، فقد غنّى العندليب من كلماته نحو 35 أغنية، تُعد بمثابة سجلٍّ عاطفيٍ طويل لحياة الحب والفقد والشجن.
بدأت هذه الشراكة بأغنية "مالك ومالي يا أبو قلب خالي"، وتوالت الأعمال التي لا تزال حيّة في ذاكرة الجماهير، مثل: "يا خلي القلب"، "بتلوموني ليه"، "نعم يا حبيبي"، "بأمر الحب"، و"في يوم في شهر في سنة"، وتميزت هذه الأغاني بعمق شعري وإنساني، وكان مرسي يكتب لعبد الحليم كما لو كان يكتب جزءًا من سيرته الشخصية، ما جعل العلاقة بين الكلمة واللحن والصوت في أوج اكتمالها.
أم كلثوم.. الثلاثية الذهبية مع بليغ حمدي
رغم قلة عدد الأغاني التي كتبها مرسي جميل عزيز لأم كلثوم، إلا أن قيمتها الفنية كانت عظيمة، فقد غنت له ثلاثًا من أشهر أغانيها في فترة التعاون مع بليغ حمدي، وهي: "سيرة الحب"، "فات المعاد"، و"ألف ليلة وليلة".
وقدّمت هذه الأغاني صورة متكاملة للحب والعاطفة بمعناها الواسع، وامتازت كلماته فيها بالإيقاع الداخلي والتوازن بين الشعر والموسيقى، مما جعلها جزءًا لا يتجزأ من ذاكرة الطرب الشرقي، وكان مرسي في هذه الأعمال شاعرًا يتحدث بلسان القلب، ويضع مفرداته في خدمة اللحن والصوت.
محمد عبد الوهاب.. قصيدة العمر الأخيرة
جاءت الأغنية الشهيرة "من غير ليه" لتُكلّل علاقة نادرة بين مرسي جميل عزيز والموسيقار محمد عبد الوهاب، واستغرق العمل عليها عامين كاملين بسبب اختلافات بين الشاعر والملحن على بعض مفرداتها، وكان من المقرر أن يغنيها عبد الحليم حافظ، إلا أن وفاته حالت دون ذلك، ليحتفظ بها عبد الوهاب ويغنيها بنفسه عام 1989.
كانت "من غير ليه" آخر ما كتبه مرسي جميل عزيز، وجاءت بمثابة وداع شعري راقٍ لحياته الفنية الغنية، حيث ظهرت فيها قدرته على التعبير الفلسفي عن الحب والنضج العاطفي.
فيروز.. استثناء مصري في صوت عربي
من المحطات اللافتة في مسيرة مرسي جميل عزيز، أن فيروز، صوت الشرق الأنيق، غنّت له قصيدة "سوف أحيا"، ليكون بذلك الشاعر المصري المعاصر الوحيد الذي تغنّت بكلماته، وجاءت الأغنية خلال زيارة فيروز والرحابنة إلى القاهرة، وسُجّلت في استوديوهات الإذاعة المصرية.
"سوف أحيا" لم تكن مجرد قصيدة غنائية، بل كانت عملًا وجدانيًا صادقًا، يحمل طاقة من التفاؤل والإصرار على الحياة، ما جعلها من الأغاني الأكثر تداولًا في الإذاعة المصرية لعقود.
فايزة أحمد.. الانطلاقة من قلب الشعر
كان مرسي جميل عزيز أحد أوائل من آمنوا بموهبة فايزة أحمد، وساعد في تقديمها عبر الإذاعة المصرية، فقد كتب لها مجموعة من الأغاني التي شكّلت ملامح شخصيتها الغنائية، منها: "تمر حنة"، "يامه القمر ع الباب"، "ليه يا قلبي ليه"، "حيران"، و"بيت العز".
وامتازت هذه الأغاني بطابع شعبي شاعري، يجمع بين بساطة التعبير وعمق الإحساس، وساعدت في ترسيخ فايزة كأحد أبرز الأصوات النسائية في عصرها.
شادية ومحرم فؤاد.. الأغنية تكتب الدراما
لم يقتصر إبداع مرسي جميل عزيز على الأغاني المنفصلة، بل كتب أغنيات لأفلام شكّلت جزءًا من الذاكرة السينمائية، فقد كتب أغاني فيلم "حسن ونعيمة"، الذي كان الانطلاقة السينمائية لـمحرم فؤاد مع سعاد حسني، وهو الفيلم الذي قدّم قصة حب شعبية بملامح ريفية أصيلة.
كما كتب لشادية بعضًا من أجمل أغنياتها، ومنها "على عش الحب" و"وحياة عينيك"، إلى جانب أغاني فيلم "الزوجة 13"، ما يؤكد قدرته على تطويع الشعر في خدمة الدراما والمزاج الكوميدي أو الرومانسي بحسب السياق.
أسماء لا تُنسى غنّت كلماته
امتد تأثير مرسي جميل عزيز إلى طيف واسع من نجوم الطرب في الوطن العربي، فتغنّى بكلماته كل من: وردة الجزائرية، فريد الأطرش، صباح، محمد قنديل، هاني شاكر، محمد ثروت، وغيرهم من الأصوات التي وجدت في كلماته مرآة صادقة لعاطفة الناس ومزاجهم الفني.