ما تكشفه معطيات تقريرٍ دولي حديث أعدّته "شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة"، واطّلع عليه "لبنان24"، أنّ "موسم الشحّ" الشتوي هذه المرّة قد يكون أشدّ وطأة لأن الضغوط تتزامن بدل أن تتعاقب، وأهمّها، ارتفاع مصاريف التدفئة الذي يزاحم الإنفاق على الغذاء، وضعف الإنتاج الزراعي المحلي الذي لا يتيح للأسواق متنفساً يخفف موجات الغلاء. هنا يصبح الشتاء، عملياً، مرحلة يُعاد فيها ترتيب الأولويات قسراً، وتبدأ من تدفئة أقلّ، طعام أقلّ تنوعاً، وديون أكثر.
تتصدر مناطق الشمال والبقاع المشهد من زاوية مزدوجة. من جهة، شحّ الأمطار وتراجع رطوبة التربة يضغطان على الموسم الزراعي الشتوي ويؤخران نتائجه، ما يعني فرص عمل موسمية أقل ودخلاً أضعف للعمالة الزراعية، ومن جهة ثانية، أي صدمة إضافية، سواء كانت ارتفاعاً جديداً في كلفة النقل أو اضطراباً في الحركة، تنعكس أسرع على هذه المناطق لأن شبكة الأمان فيها أضعف أصلاً.
الأخطر في التقرير ليس فقط تشخيص الفقر، بل وصف "آلية التكيّف"، حيث أن الاعتماد يتزايد يوميا على الاستدانة، والتحويلات، ومساندة العائلة، مع ميلٍ إلى تقليل الكميات والتنوع الغذائي. هذا سلوك نجاة، لكنه أيضاً إنذارٌ طويل الأمد، إذ إنّ المجتمع يعيش على الدَّين في الشتاء، وسيدخل الربيع وهو أكثر هشاشة، وأقل قدرة على التعافي من أي صدمة لاحقة.
في صلب هذا الوضع الذي يضرب فئة كبيرة جدا من اللبنانين، تبقى المساعدات التي تقدمها مختلف الجهات، على رأسها المنظمات والجمعيات والأحزاب العامل المساعد الابرز، إذ لا تزال مستمرة على نطاق واسع، لكن مع هواجس مرتبطة بالتمويل قد تُفضي إلى تذبذب في التغطية أو القيمة. وأي خفض في ميزانية المساعدات، يترجم مباشرة على موائد الناس. وهنا يبرز السؤال: إذا كانت المساعدات تتأرجح، والزراعة تتعثر، والأسواق تحت ضغط الاستيراد والكلفة، فمن أين يأتي "هامش الأمان" الذي يمنع الشتاء من التحول إلى أزمة غذائية أعمق؟
في المحصلة، لا خوف من أي أزمة عميقة وخطيرة ستضرب لبنان على مستوى الامن الغذائي، إنّما ما يحصل هو تآكلٌ بطيء لقدرة العائلات على الحياة الطبيعية. فشتاء لبنان ليس صقيعاً فقط… بل معركة ميزانية، يحاول اللبناني أن ينجو خلالها بأقل الخسائر الممكنة.














0 تعليق