وبحسب الموقع، "أعلن نتنياهو، يوم الأربعاء، في بيان مصوّر من القدس، ومن دون حضور أي مسؤولين مصريين، موافقته النهائية على الصفقة، وبحضور وزير الطاقة إيلي كوهين، أشاد نتنياهو بالاتفاقية البالغة قيمتها 35 مليار دولار، واصفاً إياها بأنها مكسب تاريخي من شأنه أن يعزز مكانة إسرائيل كقوة إقليمية عظمى في مجال الطاقة. وأعطت مصر موافقتها الضمنية على الشروط في تموز الماضي، وسارعت إلى التقليل من شأن الاتفاق بعد إعلان نتنياهو، مشيرة إلى أن الاتفاق "تجاري بحت" وخالٍ من أي "أبعاد أو تفاهمات سياسية من أي نوع". خلف الكواليس، كانت الولايات المتحدة حريصة على استغلال زخم الاتفاق لعقد قمة ثلاثية، حيث يُقال إن جاريد كوشنر، مستشار ترامب وصهره، يتولى زمام المبادرة. ويهدف هذا الاحتفال إلى أن يكون بمثابة جولة انتصار لنتنياهو، وبرهاناً على أن مكانة إسرائيل الإقليمية ما زالت راسخة رغم عامين من الحرب الضارية في غزة".
وتابع الموقع، "توقيت إعلان الأربعاء له دلالاته. فلم يكن هناك حفل استقبال في حديقة الورود، ولا مصافحة في شرم الشيخ، ووفقاً لصحيفة تايمز أوف إسرائيل، أوضح مسؤول مصري قبل أيام أن السيسي لن يلتقي نتنياهو إلا بعد تغيير جذري في سلوك إسرائيل. ورفض محمود مسلم، عضو مجلس الشيوخ المصري، الأمر بشكل علني، مشيراً إلى أن العلاقات "سيئة" وأن عقد قمة "مستحيل". في الواقع، لا يُعدّ هذا الوضع مفاجئاً. فبينما تتدفق كميات كبيرة من الغاز من حقلي تمار وليفياثان الإسرائيليين إلى مصر، مما يُسهم في استقرار أمنها الطاقي الهش، تقع أنقاض غزة المدمرة بينهما. وقد حوّل الصراع معاهدة السلام لعام 1979، التي لطالما كانت حجر الزاوية في استقرار الشرق الأوسط، إلى اختبارٍ حقيقيٍّ للسلام البارد القائم على المصالح المتبادلة بين القوتين الإقليميتين. ومارس المسؤولون الإسرائيليون، بمن فيهم كوهين، لعبة حافة الهاوية الفوضوية خلال الأشهر القليلة الماضية، إذ تراجعوا عن توقيع اتفاقية الغاز وشككوا علنًا في عدالة بنودها التجارية، وقد دفع هذا التحرك وزير الطاقة الأميركي كريس رايت إلى إلغاء زيارة مقررة إلى القدس في تشرين الأول على عجل".
وأضاف الموقع، "لكن الخلاف التجاري لم يكن سوى عرضٍ لعلاقةٍ وصلت إلى أدنى مستوياتها. ترفض القاهرة اعتماد السفير الإسرائيلي المُعيّن، ما جعل سفارتها بلا رئيسٍ طوال معظم العام الماضي، وانقطعت الاتصالات المباشرة بين القصر الرئاسي ومكتب رئيس الوزراء، ولم يبقَ سوى استياءٍ متبادلٍ صامت. وكان المسؤول الذي ورد ذكره في تقرير صحيفة تايمز أوف إسرائيل صريحاً، فالسيسي يرفض أن يكون مجرد أداة في مسرحية نتنياهو للبقاء السياسي. إن موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي محفوف بالمخاطر. ففي غزة، لم يتحقق بعد "النصر الكامل" الذي وعد به، بل أدى ذلك إلى عزل البلاد دبلوماسياً، أما في المحاكم المحلية، فيواجه اتهامات قديمة بالرشوة والفساد، والتي دفعته مؤخراً إلى اتخاذ خطوة استثنائية بالتقدم بطلب إلى الرئيس إسحاق هرتسوغ للحصول على عفو قبل صدور الحكم، بحجة أن "الواقع الأمني" و"المصلحة الوطنية" تبرر طلبه للحصانة القانونية".
وبحسب الموقع، "في ظل هذه الضغوط، ومع دخول إسرائيل عام الانتخابات، يحتاج نتنياهو إلى الظهور بمظهر رجل الدولة، لكن السيسي لا ينوي تصوير نفسه كطرفٍ ثانوي يُضفي الشرعية على المُتسبب الرئيسي في الدمار الذي يحدث على عتبة داره. وعلى الحدود بين مصر وغزة، تطالب إسرائيل بفتح معبر رفح في اتجاه واحد فقط، للخروج، رافضةً دخول الفلسطينيين أو عودتهم. من جانبها، ترفض مصر ذلك، معتبرةً إياه محاولة أخرى لتهجير سكان غزة. وأبدى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي موقفاً حازماً حيال هذه القضية، متهماً إسرائيل بارتكاب "إبادة جماعية"، ومؤكداً أنها تسعى إلى إحداث تغيير ديموغرافي لن تقبله مصر. في المقابل، يتهم مسؤولون إسرائيليون مصر بالتغاضي عن تهريب الأسلحة، محملين القاهرة مسؤولية صمود حماس. من جانبها، تتوق واشنطن بشدة إلى تحقيق اختراق دبلوماسي يمكنها استخدامه لعرض التقدم المحرز في جهودها للسلام في غزة، وهي حريصة للغاية على التقاط صورة تذكارية بين القادة الذين لم يلتقوا وجهاً لوجه منذ عام 2018".
وتابع الموقع، "من الواضح أن إدارة ترامب ترى في المحور المصري الإسرائيلي السبيل الوحيد لإعادة إحياء اتفاقيات أبراهيم، فهي تسعى إلى حشد الدعم لـ"قوة الاستقرار الدولية" التي حظيت بموافقة الأمم المتحدة لفرض الأمن في غزة بعد "اليوم التالي"، حتى في الوقت الذي يُبدي فيه مسؤولو الإدارة استياءً شديداً إزاء انتهاكات إسرائيل لوقف إطلاق النار. لكن فريق ترامب يُسيء فهم الوضع، فهو يتجاهل أحداث قمة غزة للسلام في تشرين الأول، حين وجّه ترامب دعوة في اللحظات الأخيرة، ليجد قائمة المدعوين تتلاشى. وهدد رئيس الوزراء العراقي بالمقاطعة، بينما أفادت التقارير أن طائرة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حلّقت فوق البحر الأحمر حتى تلقى تأكيدات بأن نتنياهو لن يحضر. وفي مواجهة قاعة فارغة، سحبت القاهرة دعوة نتنياهو، بينما استشهد مكتب الأخير بعطلة سيمحات توراة اليهودية كسبب لغيابه. باختصار، يُعدّ لقاء علني مع نتنياهو أمراً بالغ الخطورة سياسياً بالنسبة لقادة المنطقة، إذ لا تزال شعوبهم تعاني من آثار صور الموت والدمار والمجاعة التي وردت من غزة خلال العامين الماضيين".
وأضاف الموقع، "بالنسبة لمصر، يُعدّ مشروع الـ 35 مليار دولار وما يجلبه من مليارات الأمتار المكعبة الإضافية من الغاز مرغوباً للغاية، لكن الواقع أن القاهرة تمتلك أيضاً نفوذاً. فالاتفاقية الجديدة، التي تتضمن توسيع حقل ليفياثان، ستجعل مصر لا تقتصر على كونها مستهلكة فحسب، بل مركزاً لتسييل الغاز الإسرائيلي في محطتي إدكو ودمياط لإعادة تصديره إلى أوروبا المتعطشة للغاز. وهذا ما دفع واشنطن إلى السعي لإتمام الصفقة. فبالنسبة للبيت الأبيض، يُعدّ ذلك مكسبًا على جبهات متعددة: إذ تحصل أوروبا على شريان حياة للطاقة من خارج روسيا، وتضمن شركة شيفرون الأميركية عقدًا مربحًا واستراتيجيًا، والأكثر تفاؤلًا، أن المسؤولين الأميركيين يراهنون، كما يفعل نتنياهو، على أن تعزيز التكامل في مجالي الطاقة والاقتصاد قد يُسهم في تهدئة التوترات الإقليمية وإخراج إسرائيل من عزلتها. لكن مصر، منذ أن أعطت موافقتها الضمنية في تموز، تمتعت برفاهية كسب الوقت، وسد الفجوة بالغاز الطبيعي المسال القطري الذي تم شراؤه في السوق الفورية بينما تضغط على نتنياهو للحصول على تنازلات بشأن غزة".
وبحسب الموقع، "يجسد هذا المأزق ما وصفه المحللون منذ زمن طويل بـ"سلام بارد" بين الطرفين. فعلى مدى عقود، حافظت النخب الأمنية على هذه العلاقة في الخفاء، بمعزل عن تقلبات الشارع، لكن حرب غزة حطمت هذا الترتيب. ويستمر التنسيق الاستخباراتي، لا محالة، لكن الحاجز السياسي قد زال، وحتى التنسيق الأمني الروتيني بات الآن محفوفاً بالشكوك. ويطالب السيسي، تماشياً مع الإجماع الإقليمي والدولي، بأفق سياسي للفلسطينيين. فهو بحاجة إلى كيان فلسطيني في غزة يتمتع بالاستقرار الكافي للحفاظ على هدوء الحدود وضمان بقاء اللاجئين المحتملين على الجانب الفلسطيني منها. أما حكومة نتنياهو، التي لا تزال خاضعة لأحزاب اليمين المتطرف التي تحلم بالتهجير الدائم لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة، فلا تقدم مثل هذا الأفق، ونتيجة لذلك، يتفاقم الوضع المتوتر".
وتابع الموقع، "مع ذلك، ورغم هذه التوترات، كان إبرام صفقة الغاز حتميًا، حتى قبل أن يوقع نتنياهو على العقد. فقد رُصفت خطوط الأنابيب بالفعل في أعماق البحر الأبيض المتوسط، وبدأ الغاز بالتدفق، لكن المشهد السياسي الذي يتوق إليه نتنياهو وترامب وكوشنر يبدو بعيد المنال في الوقت الراهن".













0 تعليق