"حزب الله" في المُقابل، يراقب ما يجري، وقد أعرب سابقاً عبر لسان أمينه العام الشيخ نعيم قاسم أنّ ضمّ مدنيين إلى "الميكانيزم" يمثل خطيئة، لكنه في الوقت نفسه لم يرفع سقف التحدي، بل حافظ على وتيرة معينة من الخطاب الذي يحمل سردية ثابتة وهي عدم المضي باتجاه مناقشة ملف تسليم السلاح قبيل وقف العدوان الإسرائيليّ على لبنان.
في الواقع، يقفُ "حزب الله" أمام مفترق طرق، فاكتفاؤه بـ"الكلام والموقف" تجاه رفضه لمبدأ ضم مدنيين في "التفاوض"، إنما فُهمَ على أنه "قبول على مضض" بما حصل، طالما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري قد وافق على مسار التفاوض بشكله الحالي. ضمنياً، ساهم رئيس المجلس في سحب ورقة الضغط المتزايد من يد "حزب الله" في ملف التفاوض، ولو كان بري غير موافق على المسار الحالي، لكانَت الأمور اتجهت في مسارٍ آخر، ولكان بري نفسه قد خاض انتفاضة جديدة ضدّ أيّ خطوة تؤدي إلى تفاوض مباشر مع إسرائيل على قاعدة التأسيس لاتفاقية سلام أو تطبيع.
تقولُ مصادر سياسية إنه "بسبب بري، قرر حزب الله الانكفاء عن التصعيد تجاه خطوة التفاوض التي يقودها سيمون كرم"، مشيرة إلى أنّ "الحزب، ورغم اعتراضه على وجود مدنيين، إلا أنه لم يرَ في ما حصل تجاوزاً لخطوط حمراء رسمها ووضعها"، وتضيف: "حالياً، يراقب الحزب ويرصدُ ما ستقوم به الدولة من خطوات، لكنه في الوقت نفسه يتحدث عن ترميم قدراته، وهو الأمر الذي يتعارض مع مفهوم تقوية الدولة الذي يتحدث عنه، الأمر الذي يجعل موقف الحزب متناقضاً في آن معا".
اليوم، يعيش "حزب الله" الضغط الداخلي في بيئته الشعبية حيث أن هناك أصواتاً باتت تميل إلى قبول التفاوض، بعدما وجدت أنَّ خيار الحرب لم ينفع، بل أدى إلى إقحام لبنان في أتون خسائر جمة وضخمة، ولم تنتهِ حتى الآن. في المقابل، لا يستطيع "حزب الله" ممارسة الضغوط في بيئته خصوصاً على أولئك الذين يؤيدون المسار الدبلوماسي والتفاوضي، إذ أن هذا الأمر سيصطدم بتساؤلات مشروعة يتحدث عنها مواطنون وهي: ما الذي أعطتنا الحرب غير الخسائر؟ ما البدائل عن التفاوض؟ وهل نحنُ قادرون على تحمل حرب أخرى؟
هذه التساؤلات وغيرها تضعُ "حزب الله" في مواجهة غير مباشرة مع بيئته، ولهذا السبب يُطلق الموقف من دون أن يُترجمه ميدانياً وعملانياً. لكن في مقابل ذلك، فإن "حزب الله" لا يستطيع أن يتبنى سردية الضعف والهوان، خصوصاً من ناحية السلاح وتمسكه به، ذلك أن هذا الخطاب سينقلبُ فوراً عليه ويؤدي إلى إضعافه من الداخل. لهذا السبب، يجد "حزب الله" في كلام "تعزيز القدرات" متنفساً له لتقوية بيئته التي ما زالت تعول عليه، لكنه في الوقت نفسه هناك من يفهم ذلك بأنهُ خطوة لجر إسرائيل نحو الانقضاض على لبنان مُجدداً، وهنا تكمن المفارقة الخطيرة.
بالنسبة لـ"حزب الله"، قد يكونُ من السهل عليه القبول بحربٍ كبيرة يؤدي فيها دوراً عسكرياً دفاعياً لإعادة "صقل صورته" أمام الرأي العام اللبناني، لكنه في المقابل، لا يستطيع ولا بأي شكلٍ من الأشكال أن يفتح الباب أمام سردية الضعف، ذلك أن بيئته لن تقبل بذلك، وهذا ما يقوله كثيرون مؤيدون لـ"حزب الله".
لذلك، يجدُ "حزب الله" نفسهُ أمام خيارات القبول بالوقائع والتماهي معها من دون تجاوز الخطوط الحمراء، بينما الضامن الأول والأخير بالنسبة له سياسياً هو رئيس مجلس النواب نبيه بري، حيث أن الأخير يمثلُ المفاوض السياسي الأبرز بالنسبة لـ"حزب الله" والحليف الوحيد الذي يؤتمن على ما يريده "حزب الله"، بينما يُعتبر الطرف الذي يمكنه محاورة الأطراف الدولية ونقل الرسائل إليها.
أمام كل هذا، يعتبر "حزب الله" أن مسار التفاوض والكلام الدبلوماسي هو الأنسب بالنسبه له في ظل هذه المرحلة إلا في حال قررت إسرائيل نسف كل هذه الخيارات بشن حرب جديدة سيتعامل "حزب الله" بضغطٍ هائل وصعوبات بالغة في ظل تقدم تكنولوجي وخروقات ما زالت مستمرة في صفوفه.
وإلى حين تبلور صورة الوضع، فإنّ خيارات "حزب الله"، وفق المصادر، هو التزام اطلاق المواقف لا أكثر ومراقبة ما ستؤول إليه مسارات التفاوض بإشراف بري، وبعد ذلك لكل حادث حديث.











0 تعليق