من دعمٍ مشروط إلى صدام مباشر: عون والقوات عند مفترق سياسي

لبنان24 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يكن تصريح رئيس الجمهورية جوزاف عون عن "انكشاف لعبة من يروّج للحرب" مجرّد موقف عابر، بل بدا أقرب إلى توصيف سياسي مقصود لمسارٍ يتكرّس في الداخل اللبناني، حيث تحوّلت الحرب، أو التلويح بها، إلى أداة تعبئة واستثمار انتخابي لدى بعض القوى. وعندما يشير رئيس الجمهورية إلى أن "ثمّة من يعيش على نَفَس الحرب"، فهو يحمّل هذا الكلام دلالة سياسية مباشرة ويضع إصبعه على سلوك سياسي بات واضح المعالم، ويعكس في الوقت نفسه حجم التباعد بين رئاسة الجمهورية وجهة بعينها اعتادت رفع السقف إلى حدّ المغامرة بالاستقرار.

في هذا السياق، يصعب فصل هذا الموقف عن مسار العلاقة المتقلّبة بين عون و"القوات اللبنانية"، فالدعم الذي وفّرته "القوات" لوصول عون إلى سدّة الرئاسة لم يكن يوماً تفويضاً مطلقاً، بل جاء محكوماً بشروط سياسية ورهانات محدّدة على طبيعة الدور الذي يُفترض بالرئيس أن يلعبه. ومع انتقال عون إلى ممارسة صلاحياته الدستورية، بدأ التباين يظهر تدريجياً في جوهر المقاربة، حيث يرى عون موقع الرئاسة كمساحة إدارة توازنات دقيقة في مرحلة إقليمية شديدة الهشاشة، في حين تريد "القوات" أن يكون رأس الدولة في موقع الاشتباك المفتوح داخلياً وخارجياً.

هذا التباعد لم يأتِ من فراغ. فإصرار عون على اعتماد خطاب هادئ، ورفضه الانجرار إلى مواجهات مباشرة، ولا سيما في الملفات السيادية الحسّاسة، وحرصه على عدم تحويل الرئاسة إلى منصة استقطاب حاد، كلّها خيارات اصطدمت برؤية "القوات" التي دفعت باتجاه تصعيد سياسي دائم، معتبرة أن اللحظة مؤاتية لرفع السقوف إلى أقصاها. ومع الوقت، تحوّل الاختلاف في الرؤية إلى مصدر توتّر مكتوم، سرعان ما خرج إلى العلن عبر انتقادات مباشرة ومبطّنة وُجّهت إلى أداء الرئاسة، واتهامات بالرمادية والتساهل.

لكن ما استجدّ في الآونة الأخيرة هو انتقال هذا التوتّر من الإطار السياسي العام إلى مستوى أكثر حساسية، تمثّل في امتعاض واضح لدى كل من رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام من أداء وزير الخارجية يوسف رجي، المحسوب على "القوات اللبنانية". ووفق ما تشير إليه أوساط مطّلعة، فإن مواقف الوزير وتصريحاته في ملفات خارجية دقيقة، ولا سيما تلك المتصلة بإيران والعلاقات الإقليمية، بدت وكأنها تعبّر عن توجّه حزبي أكثر مما تعكس موقف الدولة اللبنانية، ما وضع الرئاستين أمام إشكالية تجاوز حدود الدور المفترض لوزارة الخارجية.

هذا الانزعاج المزدوج لا يمكن قراءته كحادثة معزولة، بل يأتي في صلب الخلاف القائم حول وظيفة السلطة وموقع الدولة في لحظة إقليمية مفتوحة على احتمالات خطرة. فمن جهة، يتمسّك عون بمقاربة تقوم على خفض منسوب التوتر، وتحييد لبنان قدر الإمكان عن ارتدادات الصراعات المحيطة، ومن جهة أخرى، تسعى "القوات" إلى إبقاء الاشتباك السياسي في أعلى مستوياته، سواء عبر الخطاب أو عبر توظيف المخاطر الأمنية في معركة الرأي العام والانتخابات.

من هنا، ترى المصادر أن تصريح عون الأخير يكتسب دلالته الأعمق. فهو ليس فقط إدانة ضمنية لمن يروّج للحرب، بل رسالة مباشرة بأن رئاسة الجمهورية لن تكون شريكاً في تسويق الخوف أو الاستثمار في الدم، ولن تنخرط في لعبة شدّ الحبال التي تهدّد السلم الداخلي. وفي المقابل، يبدو أن "القوات اللبنانية"، وفق المصادر نفسها، ماضية في خيارها التصعيدي، حتى ولو أدى ذلك إلى تعميق الشرخ مع رأس الدولة.

وما بين رئاسة ترى أن أولويتها منع الانفجار، وحزب يراهن على حافة الانفجار كأداة سياسية، يتكرّس الخلاف كصراع مقاربات. ومع اقتراب الاستحقاقات السيادية والانتخابية، يبدو هذا التوتّر مرشّحاً لمزيد من التظهير، في بلد لم يعد يحتمل ترف اللعب بالنار.

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق