Advertisement
هذا التصنيف ليس حدثًا معزولًا. فلبنان لطالما عُرف بأنّه "مستشفى الشرق الأوسط"، كما ان تقارير دولية سابقة، من بينها دراسات نشرتها جهات مرتبطة بمنظمة الصحة العالمية ومجلات علمية مرموقة، وضعت النظام الصحي اللبناني في مراتب متقدمة على مستوى جودة الرعاية وإمكانية الوصول للعلاج، بين أكثر من 190 دولة حول العالم.
سرّ هذه المفارقة يكمن في بنية صحية متينة لكنها منهَكة. فالقطاع الصحي في لبنان شديد الخصخصة، إذ ان أكثر من 80 في المئة من القدرة الاستشفائية، أي عدد الأسرّة في المستشفيات، تعود إلى القطاع الخاص، فيما تسيطر المستشفيات والعيادات الخاصة على الجزء الأكبر من تقديم الخدمات، في مقابل قطاع عام محدود الإمكانات.
في المقابل، تمتد شبكة الرعاية الصحية الأولية على مساحة لبنان، مع أكثر من مئتي مركز، وبعض التقديرات تشير إلى أكثر من 240 مركزًا ضمن الشبكة الوطنية للرعاية الأولية، تعمل بالشراكة بين وزارة الصحة ومنظمات دولية ومحلية لتقديم خدمات مدعومة في الطب العام، اللقاحات، الأمراض المزمنة والصحة الإنجابية.
لكن خلف تصنيف "أفضل 50" أرقامٌ قاسية يعيشها المواطن. دراسات حديثة تشير إلى أنّ الإنفاق من جيب المريض قفز إلى مستويات تفوق 80 في المئة من مجمل الإنفاق الصحي بعد الأزمة، ما حوّل الاستشفاء إلى امتياز لمن يملك القدرة على الدفع، فيما باتت شريحة واسعة من اللبنانيين تؤجل العلاج أو تستغني عنه بالكامل.
أمام هذا الواقع، تحاول الدولة وشركاؤها تجنّب انهيار ما تبقّى. فقد وقّعت وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية مؤخرًا "استراتيجية التعاون 2026 – 2029"، وهي خارطة طريق جديدة تهدف إلى إصلاح النظام الصحي، تعزيز الرعاية الأولية، والتقدّم نحو تغطية صحية شاملة أكثر عدالة للفئات الأكثر هشاشة، مع ربط خطط الإصلاح بالاستجابة للأزمات الصحية والطوارئ.
في موازاة ذلك، تواصل بعض المستشفيات اللبنانية حصد اعترافات دولية، ما يساهم بإبقاء الزخم موجودا، على الرغم من الصعوبات. وعليه، بين تصنيفات عالمية تضع لبنان في نادي الدول المتقدّمة صحيًا، وواقع اجتماعي يئن تحت كلفة العلاج، يبقى السؤال: هل يستطيع البلد الحفاظ على مكانته كوجهة طبية في المنطقة إذا لم تُقفَل فجوة العدالة في الوصول إلى الخدمة؟
إلى أن يأتي الجواب، يواصل الأطباء والممرضون والعاملون في القطاع الصحي معركتهم اليومية… معركة إنقاذ الإنسان، في بلد يصرّ نظامه الصحي على البقاء حيًّا، رغم كل علامات المرض التي تصيب اقتصاده ومؤسساته.











0 تعليق