Advertisement
ما يبدو واضحاً هو أنّ السياسة التي ترسمها واشنطن في سوريا مرتبطة بلبنان حُكماً وبشكل مباشر، علماً أنَّ التقدم الذي تسلكه دمشق في أروقة البيت الأبيض يسبق بكثير التقدم الذي يُراد للبنان. وعملياً، يمكن أن تؤسس الرعاية الأميركية لدمشق مجالاً واسعاً لتكريس قوتها وبالتالي جعل لبنان مُلحقاً بها على صعيد السياسات انطلاقاً من قاعدة أن ما يحصل في سوريا يشملُ لبنان، أول المتأثرين.
تقول مصادر سياسيّة إنَّ السياسة الأميركية في سوريا تُلهم الكثير من المسؤولين اللبنانيين وتجعلهم يتوقون لرؤية المشهد نفسه على صعيد بيروت، مشيرة إلى أن أميركا لا تريد فتح أبوابها أمام لبنان بسهولة، باعتبار أن "حزب الله"، الخصم الأكبر لواشنطن، يؤثر على مسار البلاد سياسياً بشكل خاص، وذلك بمعزلٍ عن حديثه عن ترميم نفسه عسكرياً بعد حربه ضد إسرائيل عام 2024.
بشكلٍ أو بآخر، لم تعد واشنطن تتحدث اليوم عن "تحجيم حزب الله" عسكرياً، بل ذهبت أبعد من ذلك من الناحية الاقتصادية والمالية، وبات لزاماً على لبنان تقييد كل ما يمكن لـ"حزب الله" الاستفادة منه مالياً. وإذا صح القول، وفق المصادر، فإن أميركا تريدُ أن تضرب "حزب الله" في العمق من دون أن تفتح أزمة جديدة على جميع اللبنانيين، فالاستهداف هذه المرة سيكون موضعياً، فيما الوضع العام في لبنان يُعتبر مواتياً لذلك خصوصاً أنَّ القوة التي كان يمتلكها "حزب الله" سابقاً قد أصيبت بخلل بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وبات النظام السياسيّ خارجاً عن قبضته الكاملة.
لهذا السبب، تقول مصادر سياسية متقاطعة إنَّ أميركا تفتحُ الباب أمام تسهيلات كثيرة للبنان في مقابل مبادرة الأخير الى تطويق نفوذ "حزب الله" بوسائل اقتصادية وسياسية، بينما الورقة العسكريّة لها شأن آخر وقد تكون بمثابة عامل ضغط قد يدفع لبنان الداخلي للانتفاض على "حزب الله" أكثر والمطالبة بتقليص قوته وتمدّده وذلك في حال اندلعت حرب جديدة قد لا يكون لبنان قادراً على تحملها، خصوصاً إن طالت مقدرات الدولة اللبنانية وبنيتها التحتية.
فعلياً، يدخلُ "حزب الله" في مأزق شديد إزاء كل ذلك، فلبنان مُقبل على ازدهار شديد إن اتخذ خطوات فعلية على صعيد مكافحة الفساد وحصرية السلاح، ولكن في حال أصرّ "الحزب" على التمسك بأوراقه بشأن مسألة سلاحه، عندها ستتأخر الحلول وسيكون لبنان قد تخلّف تماماً عن الركب القائم في المنطقة.
الكلام هنا لا يعني أن يتنازل لبنان عن حقه بأرضه وحقه في الدفاع عن سيادته، في حين أن ذلك لا يعني الاستسلام، بحسب المصادر. وبعبارة أخرى، فإن ما هو مطلوبٌ أميركياً في لبنان، إن تم التدقيق بحيثياته، يتصلُ بفرض سلطة الدولة وتعزيزها. هنا، تقول مصادر سياسية إن "هذه المسألة إيجابية، فلماذا نكرانها؟"، وتضيف: "من هو ضد الدولة؟ أصلاً من الخاطئ تماماً الالتفاف على الدولة وانتقاص قيمتها، وإلا لن تكون هناك قيامة للبنان. وفي حال أردنا النهوض، فعلينا أن نطبق كل الشروط التي تنهي الممارسات غير الشرعية اقتصادياً ومالياً وعسكرياً، وهذا الأمر ينطبق أصلاً على دول أخرى وليس فقط على لبنان، وبالتالي المسألة ليست استهدافاً بقدر ما إنها تمثل تنظيماً حقيقياً لشؤون بلد".
إنطلاقاً من ذلك، تلفت المصادر إلى أن "المنحى الذي تسلكه المنطقة يعزز منطق الدولة في وجه الدويلات أو الأطراف الآحادية المسيطرة، وبالتالي فإن النظام العالمي ومؤسساته المالية والدولية، كلها أطراف لا تعمل مع جماعات مسلحة أو كيانات، بل مع دول تحكمها قيادات سياسية تأتي بأساليبَ ديمقراطية"،
وختمت: "هذا ما على لبنان تقبله وتفهمه، وتحديداً حزب الله، أما أي خيار آخر فسيعني بقاء في لبنان في المستنقع، وبالتالي استمرار الأزمات على اختلافها".







0 تعليق