مع كل عام، يمر القطب الشمالي بلحظة دقيقة يتوقف فيها عن عكس أشعة الشمس ويبدأ في امتصاصها بصمت، لا يُلاحظ هذا الحدث إلا عبر الأقمار الصناعية التي ترصد انخفاض امتداد الجليد البحري، لتبدأ الدراسات العلمية في مقارنة البيانات واستخلاص مؤشرات غير مطمئنة، فبحلول أواخر الصيف، يتقلص الجليد بشكل واضح، ليكشف عن سطح كان يعكس ضوء الشمس ويبرد المحيط، ومع اختفائه، تبدأ المياه في الاحتفاظ بالحرارة بهدوء، ما يعزز مخاطر تغيرات جوية عالمية.
حجم الذوبان وتأثيره على فصل الشتاء
أظهرت سجلات الأقمار الصناعية أن ذوبان الجليد هذا العام كان أسرع من المعتاد، حيث انخفضت مساحات الجليد في بعض المناطق بمئات الآلاف من الكيلومترات المربعة مقارنة بالعام الماضي، ما يضع القطب في وضع ضعيف مع اقتراب موسم الشتاء، كما أن سمك الجليد الحالي أقل من السابق، مما يجعله أكثر هشاشة وسرعة في الذوبان حتى خلال الفترات الباردة، وهذا ما يقلل من قدرة القطب على تشكيل طبقة جليدية جديدة صلبة تعزز استقرار الطقس.
لماذا يسخن المحيط المتجمد الشمالي؟
يعمل الجليد البحري كدرع عاكس، يعيد جزءًا كبيرًا من ضوء الشمس إلى الفضاء، بينما تمتص المياه الداكنة المفتوحة معظم الطاقة الشمسية، فتتراكم الحرارة قرب سطح المحيط، ما يعيق تجمد الجليد لاحقًا ويخلق حلقة مفرغة تعرف باسم "تأثير البياض"، حيث يؤدي قلة الجليد إلى مزيد من ارتفاع درجات الحرارة، وما ترتفع الحرارة إلا ويقل الجليد أكثر.
تأثير ذوبان الجليد على الدوامة القطبية
تضعف الحرارة الزائدة الفرق بين درجات حرارة القطب وخطوط العرض الأدنى، ما يؤدي إلى اضطراب الدوامة القطبية، تلك الحلقة من الرياح السريعة التي تحافظ على الهواء البارد محصورًا في الشمال، وقد يتسبب ضعف الدوامة في اندفاع الهواء القطبي البارد جنوبًا وارتفاع الحرارة شمالًا، كما شهدت الفصول الشتوية الماضية موجات برد قاسية في أوروبا وأمريكا الشمالية بعد انخفاض الجليد.
لماذا يراقب العلماء هذا الشتاء؟
يتزامن انخفاض الجليد البحري مع ارتفاع حرارة المحيط وظهور أنماط جوية غير مستقرة، وهو ما يزيد القلق من شتاء قاسٍ محتمل، فمع ذوبان الجليد، يفقد القطب الشمالي استقراره ويصبح أكثر تقلبًا، وتتسرب هذه التغيرات تدريجيًا إلى خطوط العرض الدنيا، لتظهر آثارها على الطقس العالمي لاحقًا، ما يجعل مراقبة القطب الشمالي أمرًا بالغ الأهمية لفهم الشتاء القادم.


















0 تعليق