في تحول لافت بالسياسة النقدية، تلوح في الأفق ملامح مرحلة جديدة للاقتصاد المصري مع بدء تراجع أسعار الفائدة بعد فترة طويلة من التشديد النقدي، وهو ما يفتح الباب أمام تساؤل جوهري: هل تمثل هذه الخطوة نقطة انطلاق حقيقية لانتعاش الاستثمار الصناعي، أم أنها مجرد فرصة مؤجلة تصطدم بتحديات أعمق؟
الفائدة المرتفعة.. سنوات من الضغط على الصناعة
عانى القطاع الصناعي خلال الأعوام الماضية من ارتفاع تكلفة التمويل، حيث شكلت أسعار الفائدة المرتفعة عبئًا مباشرًا على المصانع، خاصة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي تعتمد بشكل أساسي على القروض البنكية لتمويل التوسعات وشراء الخامات.
ودفعت هذه الأوضاع العديد من المستثمرين إلى تجميد خططهم أو توجيه أموالهم نحو أدوات ادخارية قصيرة الأجل تحقق عائدًا سريعًا وأقل مخاطرة.
خفض الفائدة.. متنفس جديد للاستثمار
مع الاتجاه التدريجي نحو خفض أسعار الفائدة، تزداد جاذبية الاستثمار الإنتاجي مقارنة بالاستثمار المالي، حيث تنخفض تكلفة الاقتراض وتتحسن الجدوى الاقتصادية للمشروعات الصناعية طويلة الأجل.
ويرى خبراء أن هذه المرحلة قد تعيد توجيه السيولة من الشهادات البنكية والودائع إلى المصانع وخطوط الإنتاج، ما يدعم زيادة الطاقة التشغيلية وخلق فرص عمل جديدة.
الصناعة المحلية أمام فرصة ذهبية
يمثل خفض الفائدة فرصة حقيقية لتعميق التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل الصناعات الغذائية، ومواد البناء، والهندسية، والدوائية.
كما يساهم في تعزيز تنافسية المنتج المصري سواء في السوق المحلية أو التصديرية، في ظل انخفاض تكلفة التمويل وتحسن هوامش الربحية.
تحديات لا تزال قائمة
ورغم الإيجابيات المتوقعة، يؤكد خبراء الاقتصاد أن خفض الفائدة وحده لا يكفي لإحداث طفرة صناعية شاملة، إذ لا تزال هناك تحديات تتعلق بتوفير العملة الأجنبية، واستقرار أسعار الطاقة، وتبسيط الإجراءات الحكومية، وسرعة الإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج.
كما يظل استقرار السياسات الاقتصادية عاملًا حاسمًا في بناء ثقة المستثمرين على المدى الطويل.
هل نشهد انتعاشة صناعية قريبة؟
يتوقف مستقبل الاستثمار الصناعي في مصر على قدرة الدولة على استغلال لحظة خفض الفائدة ضمن حزمة متكاملة من الإصلاحات الداعمة للإنتاج، تشمل تحفيز الصادرات، وتقديم حوافز ضريبية، وتوسيع مبادرات التمويل الميسر للصناعة.
وإذا ما توافرت هذه العوامل، فقد يكون وداع الفائدة المرتفعة هو بالفعل بداية عهد جديد لانتعاش الصناعة المصرية وتعزيز دورها كقاطرة للنمو الاقتصادي.


















0 تعليق