سعاد العامري.. سيرة المكان والذاكرة في مواجهة الاحتلال

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تمثل الكاتبة الروائية والمعمارية الفسطينية سعاد العامري، والتي فازت مؤخرا بجائزة نوابغ العرب 2025"، عن فئة العمارة والتصميم، تقديرًا لإسهاماتها الممتدة في صون التراث المعماري الفلسطيني، نموذجًا فريدًا في الثقافة الفلسطينية المعاصرة، حيث تتقاطع العمارة مع السرد، ويتحوّل المكان إلى بطلٍ للذاكرة في مواجهة محاولات المحو والاقتلاع.

انشغلت العامري على مدار عقود بتوثيق الجغرافيا الفلسطينية، وحراسة ذاكرتها، سواء عبر مشاريع الترميم أو عبر الكتابة الأدبية. 

سيرتها الأولى

ونشأت العامري بين عمّان ودمشق وبيروت والقاهرة، قبل أن تستقر في رام الله، وهو الترحال المبكر الذي أسهم في تشكيل وعيها المركّب بالهوية والمكان. درست الهندسة المعمارية في الجامعة الأميركية في بيروت، ثم واصلت دراساتها العليا في جامعتي إدنبرة وميشيغان، قبل أن تعود إلى فلسطين أستاذةً للعمارة في جامعة بيرزيت، حيث درّست في دائرة الهندسة المعمارية بين عامي 1982 و1996.

“الدستور” يستعرض في السطور التالية أعمال سعاد العامري الأدبية، وهي كالآتي:

284.jpg

«شارون وحماتي»: الحصار بعيون الحياة اليومية

ودخلت سعاد العامري عالم السرد الروائي عبر كتابها الأشهر «شارون وحماتي – يوميات الحرب في رام الله»، الذي كُتب خلال الاجتياح الإسرائيلي للمدينة عام 2002. لا يقدم الكتاب رواية سياسية مباشرة، بل يوميات شخصية كتبت بلغة ساخرة وفكاهة سوداء، ترصد تفاصيل العيش تحت الحصار، حيث وجدت الكاتبة نفسها محاصرة في منزلها مع حماتها البالغة من العمر 92 عامًا، في وقت كانت فيه قوات الاحتلال تطوّق المدينة وتحاصر مقر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

تكشف العامري، من خلال التفاصيل الصغيرة وثرثرة الجيران ومفارقات الحياة اليومية، عبثية الواقع تحت الاحتلال، واختلاط الخوف بالضحك، والمأساة بالسخرية. وقد تُرجم الكتاب إلى أكثر من عشرين لغة، ونال عددًا من الجوائز الأدبية، ليغدو أحد أبرز النصوص التي وثقت تجربة الحصار من زاوية إنسانية حميمة.

وهذا ما تؤكده الكاتبة أن الكتاب لم يكتب بنيّة التأريخ أو مخاطبة الأجيال، بل جاء كفعل مقاومة يومي، ووسيلة للبقاء، في ظل الإغلاق والحواجز والحرمان من أبسط حقوق التنقل والعمل.

280.jpg

 

«دمشقي»: حنين المدن الأولى

في روايتها «دمشقي»، الصادرة عن دار «المتوسط» والمترجمة عن أصلها الإنجليزي My Damascus بترجمة عماد الأحمد، تعود العامري إلى طفولتها وذاكرتها الأولى، مستحضرة دمشق القديمة، مدينة والدتها الفلسطينية-السورية. تُقرأ الرواية بوصفها سيرة ذاتية حميمة، تنسج خيوط الحنين إلى المدن والعلاقات التي مزّقتها الحروب والحدود.

 

تتنقل الرواية زمنيًا بين عامي 1947 وبدايات الخمسينيات، وتغطي يافا واللد والرملة وعددًا من القرى الفلسطينية، كاشفةً تفاصيل الحصار، وتحولات الأحياء العربية، وفرض منع التجول، وتشتت العائلات، والبحث المضني عن المفقودين. في «دمشقي»، تكتب العامري عن فقدان المكان بوصفه جرحًا مفتوحًا، وعن استحالة العودة إلى ما كان.

 

«بدلة إنجليزية وبقرة يهودية»: السيرة بعيون ساخرة

 

في أحدث أعمالها «بدلة إنجليزية وبقرة يهودية»، تواصل سعاد العامري مشروعها القائم على تداخل السيرة الذاتية بالتاريخ والذاكرة. يعتمد الكتاب على أسلوبها الساخر والمفارِق، لتفكيك سرديات الهوية والمنفى والاحتلال، من خلال حكايات شخصية وعائلية تتقاطع مع تحولات كبرى في التاريخ الفلسطيني. لا تكتب العامري هنا عن الحدث السياسي المباشر، بل عن أثره في التفاصيل اليومية، وفي الأجساد والبيوت والملابس والرموز الصغيرة، مؤكدة أن السرد الشخصي يمكن أن يكون شكلًا آخر من أشكال المقاومة.

 

بين العمارة والأدب

 

إلى جانب الكتابة، أسهمت سعاد العامري في العمل الثقافي والمؤسسي، فكانت عضوًا في مجلس PalFest، وشاركت في فريق المفاوضات الفلسطينية في واشنطن بين عامي 1991 و1993، كما شغلت منصب وكيل عام وزارة الثقافة، وتولت سابقًا منصب نائب رئيس المجلس.

يذكر ان في عام 1991، أسست العامري مؤسسة «رواق»، وهي مؤسسة غير حكومية تُعنى بالحفاظ على التراث المعماري والثقافي الفلسطيني، من خلال توثيق وترميم وإعادة إحياء المراكز التاريخية، خصوصًا في الريف الفلسطيني. وتمكن «رواق» من توثيق آلاف المباني والمواقع الأثرية، ليصبح أحد أهم المشاريع الثقافية الفلسطينية. 

وقد حاز المركز عدة جوائز دولية مرموقة، من بينها جائزة الآغا خان للعمارة (2013)، وجائزة كاري ستون للتصميم (2012)، وجائزة الأمير كلاوس (2011)، إضافة إلى جائزة قطان للتميز (2007).

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق