يشهد سوق العمل العالمي تحولات هيكلية عميقة في ظل التوجه المتسارع نحو الاقتصاد الأخضر، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على أنماط التوظيف وسبل كسب العيش، فبينما تتراجع بعض القطاعات التقليدية، وعلى رأسها الصناعات المرتبطة بالوقود الأحفوري، تشهد قطاعات أخرى توسعًا ملحوظًا، مثل الطاقة المتجددة، والنقل الكهربائي، والاقتصاد الدائري، في تحول من المتوقع أن يؤثر على ما يتراوح بين 10% و20% من حجم الاقتصاد.
فرص عمل مستدامة
وأكدت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي أن التحول الأخضر يمثل أحد المحاور الأساسية ضمن السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، باعتباره داعمًا رئيسيًا للنمو وخلق فرص العمل المستدامة، موضحة أن هذا التحول لا يقتصر فقط على تقليل الانبعاثات الكربونية، بل يسهم أيضًا في تعزيز الكفاءة الاقتصادية، ودعم التقدم التكنولوجي، والحد من المخاطر المرتبطة بالتغيرات المناخية.
اتساع فجوة الاستثمارات
وأظهرت البيانات اتساع الفجوة بين الاستثمارات الموجهة إلى مشروعات الطاقة النظيفة وتلك المخصصة للوقود الأحفوري، لا سيما منذ عام 2016، في ظل تزايد توجه الحكومات والمؤسسات الدولية نحو دعم مشروعات الاستدامة، وتشير تطورات الاستثمارات الأجنبية وتمويل الصفقات الدولية خلال الفترة من 2011 إلى 2022 إلى نمو واضح في حجم الاستثمارات بقطاع الطاقة المتجددة مقارنة بتراجع التمويل الموجه للأنشطة المعتمدة على الوقود الأحفوري، وفقًا لبيانات مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «الأونكتاد».
الوظائف الخضراء تتفوق
وتنعكس هذه التحولات الاستثمارية بشكل مباشر على سوق العمل، حيث يؤدي تراجع الاستثمارات في الوقود الأحفوري إلى انخفاض الطلب على الوظائف المرتبطة به، في مقابل زيادة متسارعة في الطلب على الوظائف الخضراء، وتشير البيانات إلى أن معدل نمو الوظائف الخضراء على أساس سنوي تجاوز معدل نمو التوظيف الإجمالي منذ عام 2021، ما يعكس تحولًا ملموسًا في هيكل الطلب على العمالة.
ورغم أن النقاشات السابقة حول التحول الأخضر ركزت في الأساس على التكنولوجيا والبنية التحتية والتمويل، فإن الاهتمام بدأ يتزايد بالبعد البشري لهذا التحول، بما يشمله من وظائف مفقودة وأخرى مستحدثة، والمهارات المطلوبة، والتأثيرات الاجتماعية المصاحبة، ويأتي ذلك في ظل إدراك متنامٍ لدى الحكومات، وشركاء التنمية، والقطاع الخاص، والمنظمات العمالية، بأهمية الاستثمار في رأس المال البشري وبناء المهارات الخضراء لضمان انتقال عادل وشامل نحو الاقتصاد المستدام.
















0 تعليق