تعيش مدينة الأبيض بولاية شمال كردفان في السودان واقعًا إنسانيًا معقّدًا، فرضته الحرب المستمرة وجرائم ميليشيا الدعم السريع التي دفعت بآلاف المدنيين إلى النزوح نحو المدينة، لتتحول من مركز تجاري وخدمي مهم إلى ملاذ مزدحم يرزح تحت ضغوط إنسانية واقتصادية متزايدة.
وتشهد الأبيض، التي ما زالت تحافظ نسبيًا على حد أدنى من الاستقرار الأمني مقارنة بمناطق أخرى، تدفّقًا واسعًا للنازحين القادمين من القرى والبلدات المتأثرة بالاشتباكات والانتهاكات التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في أجزاء واسعة من كردفان ودارفور.
واقع إنساني جديد
هذا النزوح المكثف خلق واقعًا إنسانيًا جديدًا، حيث امتلأت المدارس والمساجد والمنازل بالأسر الفارة من العنف، في ظل إمكانيات محدودة وخدمات شحيحة.
ويؤكد مواطنون أن الضغوط المعيشية تصاعدت بشكل غير مسبوق، مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية ونقص الوقود والدواء، بينما تعجز الأسواق عن تلبية الطلب المتزايد. وعلى الرغم من استمرار الحركة التجارية جزئيًا، إلا أن القدرة الشرائية للمواطنين تراجعت بشدة، في وقت يعتمد فيه كثير من النازحين على المساعدات المجتمعية والتكافل الشعبي لسد احتياجاتهم اليومية.
نظام صحي على حافة الانهيار
في الجانب الصحي، تعاني المستشفيات والمراكز الطبية في الأبيض من اكتظاظ حاد ونقص في الكوادر والأدوية، نتيجة تدمير المنشآت الصحية في مناطق أخرى ونهبها على يد ميليشيا الدعم السريع، ما أدى إلى انتقال العبء الصحي إلى المدينة.
ومع تزايد أعداد المرضى، تبرز مخاوف حقيقية من انتشار الأمراض والأوبئة، خاصة في مراكز الإيواء التي تفتقر إلى المياه النظيفة والصرف الصحي.
وتكشف المشاهد الإنسانية في الأبيض عن قصص مؤلمة لأسر فقدت منازلها ومصادر رزقها، وأطفال حُرموا من التعليم، ونساء يتحملن أعباء مضاعفة في ظل غياب المعيل وانعدام الأمن. ويشير ناشطون محليون إلى أن ما يجري هو نتيجة مباشرة لسياسات العنف والترهيب التي تنتهجها ميليشيا الدعم السريع، والتي لم تكتفِ بإشعال الحرب، بل لاحقت المدنيين في أرزاقهم وكرامتهم.
تماسك مجتمعي في مواجهة الجرائم المنظمة
ورغم قسوة الواقع، يبرز تماسك المجتمع المحلي كخط دفاع إنساني أخير، حيث تنشط المبادرات الشعبية ولجان الأحياء في تقديم الغذاء والمأوى والدعم النفسي للنازحين، في محاولة لاحتواء الأزمة. غير أن هذه الجهود، بحسب متابعين، لا يمكن أن تحل محل دور الدولة والمجتمع الدولي، في ظل أزمة تتجاوز قدرات الأفراد والمجتمعات المحلية.
تحذير من استمرار جرائم ميليشيا الدعم السريع واتساع رقعة النزوح
ويحذر مراقبون من أن استمرار جرائم ميليشيا الدعم السريع واتساع رقعة النزوح سيجعل من الأبيض نقطة اختناق إنساني، ما لم يتم وقف الانتهاكات وتأمين طرق الإغاثة ودعم المدينة بالخدمات الأساسية.
اقرأ أيضا













0 تعليق