لبنان يطلق مشروع قانون الفجوة المالية لاسترداد 85% من الودائع بأربع سنوات

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لبنان .. تعد مسودة مشروع قانون "الانتظام المالي واسترداد الودائع" التي أعلنت عنها الحكومة اللبنانية برئاسة نواف سلام، نقطة تحول جوهرية في مسار الأزمة المالية التي تعصف بالبلاد منذ عام 2019. يأتي هذا المشروع ليس فقط كأداة تقنية لمعالجة فجوة مالية هائلة تُقدر بنحو 72 إلى 80 مليار دولار، بل كإطار سياسي وأخلاقي يسعى لإعادة صياغة العلاقة بين الدولة، والمصارف، والمودعين.

​فلسفة القانون: من الإنكار إلى المواجهة

​لسنوات طويلة، عانى النظام المالي اللبناني من حالة "إنكار الخسائر"، حيث استمرت المؤسسات في التعامل مع الأرقام الدفترية دون الاعتراف بالواقع المرير. المشروع الجديد يكسر هذه الدائرة، مؤكداً أن الخطوة الأولى للحل تبدأ بالاعتراف بحجم الانهيار وتحديد المسؤوليات.

​أولاً: خارطة طريق استرداد الودائع

​وضع القانون تصنيفات دقيقة تهدف إلى حماية الطبقات الأكثر تضرراً:

  • حماية صغار المودعين: يركز المشروع بشكل أساسي على الشريحة التي تمتلك ودائع تقل عن 100 ألف دولار. هذه الفئة تشكل نحو 85% من إجمالي المودعين، وسيتم استرداد مبالغهم بالكامل ضمن جدول زمني يمتد لأربع سنوات، مما يعيد الأمان المالي لمئات آلاف الأسر.
  • التعامل مع الودائع الكبرى: بالنسبة للمبالغ التي تتخطى سقف الـ 100 ألف دولار، يقدم القانون حلاً مركباً؛ حيث يتم دفع الـ 100 ألف الأولى نقداً، بينما يتم تحويل المبالغ المتبقية إلى سندات مالية قابلة للتداول أو أدوات استثمارية مرتبطة بأصول مصرف لبنان وعائدات استثمارية مستقبلية، وهو ما يضمن عدم ضياع الحقوق تماماً مع مراعاة السيولة المتاحة.

​ثانياً: مبدأ المساءلة واستعادة "الأرباح غير المشروعة"

​لعل أبرز ما يميز هذا المشروع هو إدراج بند المساءلة المالية. القانون لا يكتفي بتوزيع الخسائر، بل يسعى لاسترداد الأموال من الجهات التي حققت مكاسب غير عادلة خلال فترة الأزمة، ويشمل ذلك:

  1. ​من استفادوا من "الهندسات المالية" المثيرة للجدل التي أجراها مصرف لبنان سابقاً.
  2. ​الأفراد والجهات التي استغلت نفوذها لتحويل أموالها للخارج في وقت كان فيه عامة الشعب يواجهون قيوداً مشددة.
  3. ​المستفيدون من الفروقات الهائلة في أسعار الصرف المتعددة التي شهدتها الأسواق.

​ثالثاً: إعادة هيكلة المصارف والاعتراف الدولي

​يهدف القانون إلى إنهاء ظاهرة "الاقتصاد النقدي" (Cash Economy) التي جعلت من لبنان بيئة خصبة للمخاطر المالية. من خلال تقييم أصول المصارف وإلزامها بإعادة الرسملة، يطمح القانون إلى خلق قطاع مصرفي "نظيف" وقادر على استقطاب الودائع الجديدة وتمويل المشاريع الإنتاجية.

​كما يمثل هذا التشريع "جسر عبور" نحو الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي. فبدون قانون واضح للانتظام المالي، تظل المساعدات الدولية معلقة، ويظل لبنان معزولاً عن النظام المالي العالمي.

​التحديات والآفاق المستقبيلة

​على الرغم من الطموحات الكبيرة للمشروع، إلا أن التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ السياسي. سيعرض المشروع على مجلس الوزراء يوم الاثنين، وسط ترقب وشكوك حول قدرة القوى السياسية على التوافق على بنود تتضمن "مساءلة" قد تطال بعض المحسوبين عليها.

الخلاصة: إن مشروع "الانتظام المالي" هو محاولة لترميم العقد الاجتماعي المكسور في لبنان. فإذا نجح، سيضع البلاد على سكة التعافي التدريجي، وإذا تعثر، فإنه ينذر باستمرار حالة الاستنزاف المالي والاجتماعي إلى أجل غير مسمى.

هل ترغب في أن أقوم بتحليل مقارن بين هذا المشروع وبين خطط التعافي السابقة التي طُرحت في لبنان؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق