من المترو إلى أم كلثوم.. كيف يصنعون المعارك الوهمية؟

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الخميس 18/ديسمبر/2025 - 02:07 م 12/18/2025 2:07:00 PM

إنها سوشيال ميديا بلا بوصلة.. تتحول فيها التفاهة إلى قضية رأى عام.. ففى مشهد بات مألوفًا ومكررًا تستيقظ السوشيال ميديا عندنا كل يوم على قضية جديدة لا علاقة لها بحجم الأزمات الحقيقية التى يواجهها المواطن ولا بعمق التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التى تحيط بالدولة. قضايا تنتشر فجأة وتستنزف فيها ساعات النقاش والجدل العقيم ثم تختفى كما ظهرت بلا أثر سوى المزيد من التشويش وغياب الأولويات.
آخر هذه النماذج ما عرف بمشادة الرجل العجوز مع فتاة جلست واضعة رجلًا فوق رجل داخل المترو.. مشهد عابر كان يمكن أن يُقرأ فى سياقه الطبيعى.. اختلاف أجيال.. تصادم قيم.. أو حتى سوء تقدير لحظة إنسانية.. لكنه تحول فى ساعات إلى معركة أخلاقية وقضية جدلية وانقسام مجتمعى وكأن مصر لا تواجه تضخمًا ولا ضغوطًا معيشية ولا تحديات إقليمية على حدودها.
ثم ننتقل سريعًا إلى معركة أخرى أكثر غرابة.. فيلم «الست» عن كوكب الشرق أم كلثوم.. هل هو عمل فنى جيد أم مؤامرة مكتملة الأركان لتشويه الفن المصرى.. هل أخطأ فى السرد أم تعمد الإساءة لأهم قوة ناعمة عرفتها مصر.. أسئلة فنية مشروعة كان مكانها الطبيعى صفحات النقد المتخصص لا ساحات الاتهام والتخوين ولا تحويلها إلى معركة هوية وانقسام وطنى.
المشكلة هنا ليست فى مناقشة فيلم ولا فى الجدل حول سلوك فردى داخل المترو.. بل فى تضخيم التفاهة وتحويل الحدث الهامشى إلى حدث مركزى والخبر العابر إلى خبر مصيرى نتقاتل من أجله. السوشيال ميديا لم تعد مرآة للمجتمع بل أصبحت فى كثير من الأحيان مكانًا تدار فيها المعارك السهلة، لأن القضايا الكبرى مرهقة ومعقدة وتحتاج وعيًا ومعرفة وليس منشورًا غاضبًا أو فيديو مجتزأ.
الأخطر أن هذا النمط المتكرر يطرح سؤالًا لا يمكن تجاهله.. هل ما يحدث عفوى فعلًا أم أن هناك صناعة مقصودة لأحداث صغيرة تلقى فى الفضاء الإلكترونى لإلهاء المواطن وصرف انتباهه عن أسئلة أكثر إلحاحًا تحتاج إجابات واضحة؟.. إلى متى سنظل نعانى من ارتفاع الأسعار؟.. كيف نواجه الضغوط الاقتصادية؟.. وما هو مستقبل الطبقة الوسطى؟.. ماذا عن الأعداد المهولة من اللاجئين من معظم الدول العربية المجاورة؟ ماذا نفعل لمواجهة تردى أوضاع المدارس تعليميًا وأخلاقيًا وغياب الضمير؟
حين ينشغل الرأى العام بجدل حول وضعية جلوس أو بتخوين عمل فنى قبل رؤيته بعين نقدية هادئة، فإننا نكون أمام أزمة وعى لا أزمة محتوى فقط.. أزمات تجعل من التفاهة مادة يومية ومن القضايا المصيرية ضيفًا ثقيلًا مؤجلًا.
هل نحن مَن يصنع هذه التفاهة بإرادتنا؟ أم أنها تُصنع لنا بإتقان كى لا ننظر طويلًا إلى ما يؤلمنا حقًا؟

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق