أكدت الدكتورة عائشة حسن، المستشارة السلوكية والتربوية ومؤسس مبادرة «100 مليون صحة نفسية»، أن الزيادة الملحوظة في معدلات جرائم قتل الزوج لزوجته لا يمكن تفسيرها بعامل واحد فقط، بل هي نتيجة تراكم معقد لعوامل اجتماعية ونفسية واقتصادية وأسرية، إلى جانب انتشار أفكار خاطئة ومعتقدات مشوهة تسهم في تغذية العنف وتبريره داخل المجتمع.
العوامل الاجتماعية والثقافية الخاطئة
أوضحت الدكتورة عائشة فى تصريح خاص لـ"موقع تحيا مصر"، أن نقص التوعية المجتمعية يعد من أخطر الأسباب، حيث تسيطر موروثات ثقافية غير صحيحة تعزز العنف وتبرره ضمنيًا.
ويضاف إلى ذلك:
ضعف مهارات إدارة الغضب والتواصل العاطفي وعدم القدرة على التعبير الصحي عن المشاعر.
التربية الجمعية القائمة على إضعاف الثقة بالنفس وقمع المشاعر.
نشأة بعض الأفراد في بيئات اعتادوا فيها رؤية العنف كوسيلة طبيعية لحل المشكلات.
وجود بيئة مجتمعية تميز بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات.
الابتعاد عن جوهر الدين أو الفهم الخاطئ للنصوص الدينية، بما يخدم السيطرة والتسلط بدلًا من الرحمة والمودة.
الضغوط الاقتصادية… محفز لا مبرر
شددت الدكتورة عائشة على أن الضغوط الاقتصادية تلعب دورًا مؤثرًا، لكنها ليست مبررا للعنف.
فهذه الضغوط:
ترفع مستويات التوتر والإحباط.
تكشف هشاشة الشخصية العنيفة الكامنة.
تُستغل أحيانًا كذريعة للسيطرة والإيذاء.
كما أشارت إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي والمسلسلات التي تروج لأنماط حياة غير واقعية، ما يخلق فجوة نفسية وضغطًا إضافيًا على بعض الأزواج، رغم أن هذه الأنماط تمثل فئة محدودة في الواقع.
الثقافة الذكورية المشوهة
تطرقت الدكتورة إلى خطورة الثقافة الذكورية الخاطئة، التي:
تزرع فكرة أن الرجل “يمتلك” زوجته.
تبرر الغضب والعنف تحت مسمى “الرجولة”.
تقلل من قيمة شكوى المرأة ومعاناتها.
تمنع الرجل من التعبير عن مشاعره أو إظهار الحب والتعاطف، بل وتحرمّه من تلقي الدعم العاطفي.
العنف الأسري… مسار تصاعدي خطير
بيّنت الدكتورة أن العنف الأسري غالبًا ما يبدأ بشكل نفسي ولفظي، وينشأ من تربية خاطئة تتأرجح بين الدلال الزائد أو القسوة المفرطة.
ويزداد الخطر عندما:
يتم تجاهل العنف من قبل الأهل أو التعامل معه بطريقة غير واعية.
يطلب من الزوجة “التحمل” حفاظًا على الشكل الاجتماعي للأسرة.
ومع الإهمال، يتصاعد العنف تدريجيًا وقد ينتهي في بعض الحالات بجريمة قتل.
ضعف الوعي القانوني وتشجيع العنف
أجابت الدكتورة عائشة بوضوح على سؤال حول دور الوعي القانوني، مؤكدة أن ضعفه يشجع على العنف، حيث:
لا يدرك بعض الجناة حجم العقوبة القانونية.
يعتقد آخرون أن “الخلاف الأسري” قد يخفف المسؤولية الجنائية.
تفتقر العديد من النساء للمعرفة بحقوقهن وآليات الحماية، ما يجعلهن أكثر عرضة للاستمرار داخل دائرة العنف.
وشددت على ضرورة تفعيل القانون بوضوح وحزم، إلى جانب التوعية المستمرة عبر الإعلام.
دور الأسرة والمجتمع في الوقاية
أكدت الدكتورة أن دور الأسرة والمجتمع محوري وأساسي في منع هذه الجرائم، ويتمثل في:
الأسرة: عدم تبرير العنف أو الضغط على الزوجة للتحمل والصمت.
المجتمع: كسر حاجز الصمت، وعدم اعتبار العنف الأسري شأنًا خاصًا.
الإعلام: تناول القضية بوعي ومسؤولية دون تبرير أو إثارة.
المؤسسات: توفير خطوط دعم فعالة، وتدخل نفسي مبكر للحالات المعرضة للخطر.
التقصير في التدخل المبكر
واختتمت الدكتورة حديثها بالتأكيد على وجود تقصير واضح في التدخل المبكر، يظهر في:
تجاهل الإنذارات الأولية مثل التهديد والإهانة والضرب.
غياب منظومة حقيقية لرصد العنف الأسري.
ضعف التنسيق بين الجهات النفسية والاجتماعية والقانونية.
قلة برامج الدعم النفسي الإجباري للحالات عالية الخطورة.
وأكدت أن مواجهة هذه الجرائم تتطلب رؤية شاملة تبدأ من التربية والوعي، ولا تنتهي عند القانون والعقاب، بل تشمل الدعم النفسي والاجتماعي المستدام.
















0 تعليق