كنتُ أخوضُ معركةً كبرى مع جماعاتِ العنفِ الديني في مصر، ولم تكن تلك أكبرَ مشاكلي، ولكن المشكلةَ الكبرى عندما اكتشفتُ صفقةً كبرى بين هؤلاء وبين أجهزةِ الدولة، وجاء مانشيتُ جريدةِ الأهالي وقتها، عام 1998، صادمًا:
«صفقة بين الحكومة وجماعات العنف».

وتوالت الصدماتُ والحلقاتُ والمانشيتات، لألتقي بالعظيمِ ميلاد حنّا في منزله بالمهندسين، وبرفقتي الصديقُ المرحوم الدكتور جمال إسماعيل؛ بادرني الرجلُ بالسؤال: لماذا لم تُصدر كتابًا عن المعركة التي تخوضها الآن وتفاصيلها؟ فالتأريخُ لها بات واجبَ اللحظة.
وبعد مناقشاتٍ طويلةٍ ومستفيضة، خرجتُ من عنده لأعودَ إليه في اليوم التالي، وقد أنهيتُ الفصلَ الأول من كتاب «المخاطرة في صفقة الحكومة وجماعات العنف».
وبعد انتهاء الكتاب، بدأت رحلةُ البحث عن ناشرٍ لديه الجرأة لإصدار هكذا عنوان؛ وامتنع البعض، واعتذر آخرون، فالموضوعُ حساسٌ وخطير، والمعلوماتُ التي تحملها سطورُ الكتاب، والتحليلُ الذي يذهبُ إليه، يُنبئ بمعركةٍ كبرى قد تُطيح بالمؤلف والناشر في آنٍ واحد.
ويُشير عليَّ أحدُهم بدار نشرٍ حديثةٍ ناشئة بجوار مكتبي في شارع سليمان باشا، ونلتقي أنا ومحمد هاشم للمرة الأولى في دار ميريت، صيفَ عام 1998. ويتحمّس هاشم، كعادته، للكتاب، ويتحدث مع العبقري أحمد اللبّاد ليقوم بتصميم الغلاف. وتدور ماكينةُ الطبع، ويخرج الكتابُ إلى النور، ويحدث ما كنتُ أتوقعه: يتم القبضُ على محمد هاشم، وتُصادر النسخُ الأولى من الكتاب.
ولكن نسخًا أخرى كانت قد سُرِّبت لعددٍ من الصحفيين، أصدقاء هاشم، ويتوالى النشرُ داخل وخارج مصر، فيُفرج عن هاشم والكتاب، وأخرجُ أنا ببعض التهديدات، وحرق سيارتي أمام منزلي بشارع 9 بالمقطم.
وتبدأ علاقةُ دمٍ بيني وبين هاشم، شهد عليها الكبار: أحمد فؤاد نجم، وسيد حجاب، وأسامة أنور عكاشة، وآخرون.
كان آخرُ شواهدها اللقاءَ الذي جمعني به في زيارتي الأخيرة للقاهرة؛ جلسنا في منزلي بالعجوزة، ومعنا محمد سعيد، ومحمد فرج، قادة التجمع، ومحمود حامد، والدكتور يسري عبد الله، وتامر أفندي، وعازف الناي الشهير إدوارد، لنروي بعضًا من تاريخ مصر، تاريخنا وتاريخ اليسار، ونرتشف ما تبقّى من قهوة الروح، بينما إدوارد يعزف لنا بالناي:
طلعت يا محلى نورها شمس الشموسة..
وأنا هويت وانتهيت..
وأنا المصري كريم العنصرين..
وينتهي اللقاءُ على وعدٍ بلقاءٍ آخر، يبدو أنه سيكون هناك، حيث أبو النجوم، وعمّنا سيد حجاب، وأسامة أنور عكاشة، والفنان الكبير صلاح السعدني، وآخرون جمعتنا معهم جلسات ميريت، وسهرات الجريون، وأرصفة ومقاهي وسط البلد.
إلى اللقاء يا هاشم.











0 تعليق