ريال مدريد بين المجد والمال.. عندما صار القرار اقتصاديًا لا كرويًا

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

في ليلة من ليالي الأبطال الباردة طقسًا المشتعلة فنيًا على عشب السانتياجو برنابيو حيث يلاقي ريال مدريد، مانشستر سيتي، التقطت عدسات الكاميرات رئيس النادي فلورنتينو بيريز جالسًا بالمقصورة الرئيسية وعلى جانبيه شخصيتان لم يعرف عنهما الانخراط في دهاليز كرة القدم، لتشكف التقارير إبان هذه الأمسية أن الضيفين كانا عمدة مدريد ورئيسة مجتمع العاصمة، وللمصادفة هؤلاء الضيوف من طرحوا تعديلات ضريبية تستهدف جذب الاستثمارات الكبرى إلى مدريد بتقليل الضرائب – ما عرف بعدها بقانون مبابي -، ومن الظاهر أن عامل بوفيه السنتياجو برنابيو ماهر في صنع الشاي بالياسمين.

بعد هذه الأمسية التي انهاها ريال مدريد بثلاثية لكل فريق، ومع انتهاء أحداث ذلك الموسم أعلن الرئيس عن استقطاب حلم النادي الذي سعى لتحقيقه لسنوات، ففي صيف 2024، أصبح الحلم حقيقة مبابي بالبرنابيو والملعب مكتظ بالجماهير للتحية ورؤية خليفة كريستيانو رونالدو تداعب قدماه عشب السنتياجو، على ذكر كريستيانو فالنادي برئاسة بيريز دخل لتوه الحقبة الثالثة من الجلاكتيوس ومع جلب الفرنسي اكتملت القطعة الناقصة؛ لتدمير كل شيء في ريال مدريد.

ظهور فكرة "الجلاكتيكوس"

بدأت سياسة اقتناء النجوم مع تولي بيريز رئاسة النادي في عام 2000، ولكن حينها كانت وسيلة لتحقيق الأرباح المالية وإنقاذ النادي الغارق في ديونه.

التعاقد مع فيجو من الغريم التقليدي برشلونة، وزيدان وبيكهام والقائمة تطول لم يكن الهدف لدى بيريز وقتها تجميع فريق متوازن للسيطرة محليًا وأوروبيًا مع استدامة نجاحه الرياضي، يأتي مقترح بيريز في مرحلة ما مثالًا صارخًا على العقلية التي يدار بها النادي الإسباني، حيث اقترح بيريز أن يلعب بيكهام كظهير أيمن وزيدان كقلب دفاع لإفساح المجال لـ"جالاكتيكوس" آخرين، وهو مقترح لم يُعجب اللاعبين بشدة لأنه جعلهم يبدون كأصول تجارية أكثر منهم لاعبين كرة قدم لأنه كان واضحًا من البداية، الهدف الرئيسي استدامة الأرباح، حتى أنه في احدى المباريات قال زيدان للاعب الخصم "أننا نأخذ الراحة في أيام المباريات".

نجح بيريز في انتشال النادي من الضائقة المادية بل وأنعش خزائنه بفائض لم يحدث ولم يسمع أحد ذلك المصطلح داخل جدران ريال مدريد منذ زمن بعيد.

a679253290.jpg
ريال مدريد

لكن ما أغفله بيريز سهوًا أو عمدًا أنه لا يوجد نجاح رياضي إلا بالتوازن، حتى في فترات الكرة لمتأخرة خطتيًا وتكتيكيًا، إذ في تلك الفترة من 2000 إلى 2006، جمع الفريق 7 بطولات فقط بمعدل بطولة واحدة كل موسم في تشكيل أشبه بتاج الملك المرصع بالجواهر كل جوهرة أنفس من الأخرى، فالفكرة جنت ثمارها ماديًا واقتصاديًا، لأنه في تقرير صادر عن مجلة فوربس بعام 2024 صُنف ريال مدريد كأغنى نادي بالعالم بقيمة تقدر بـ6.6 مليار يورو، ولكن ماذا عن النجاح الرياضي!؟.

فلورنتينو بيريز يحتاج إلى الألقاب إذا كان يريد الحفاظ على ما يصفه بأنه "مشروع رياضي مذهل" إيان روجرز محرر رويترز.

فبعد أن تدهورت النتائج وازداد الوضع سوءًا بكم هذه النجوم والفريق يخرج بمواسم صفرية والخروج المتتالي من الأبطال ما سمي بعقدة ربع النهائي، الذي ظل الفريق يطارد شبح التأهل من هذا الدور، خرج بيريز على الجماهير ليقرر الاستقالة من رئاسة النادي الملكي، ويأخذ استراحة محارب حتمًا قد حارب وانهكته الحروب الاقتصادية التي خاض غمارها، ليعود في عام 2009، لمركزه مرة أخرى، وبدأت ثاني حقب الجالاكتيكوس مع ريال مدريد، بدأ في العودة للصيد من تلك البرك مرة أخرى، بالتعاقد مع كريستيانو رونالدو وكاكا، وبنزيما، ليعيد تشكيل فريق الأحلام من جديد ولكن كان هناك شيء ناقص قطعة ناقصة؛ حتى وصل البرتغالي جوزيه مورينيو.

كان وصول صاحب الثلاثية مع إنتر ميلان تحولًا استراتيجيًا في سياسة النادي، ما فعله بيريز مع من سبق البرتغالي في مدريد لن يقبله مورينيو، بدأ مورينيو في إرساء وتأسيس هوية لهذا الفريق الذي لا يعرف إلا الفوضى، وبدأ في إقحام العلم والتخطيط ليحل محل العشوائية والصفقات الرنانة والبراقة.

جلب البرتغالي مورينيو مواطنه لويس كامبوس، ليكون مسؤول الكشافة في ريال مدريد، في محاولة شبه يائسة للسيطرة أكثر على فريق كرة القدم وبنائه بشكل أكثر توازنًا، ولكن ليلة بروسيا دورتموند بنصف النهائي حالت أن يُستكمل هذا المشروع.

148.webp
مورينيو

بفضل فترة مورينيو كان الانفجار الذي ولد المجرة، حقق النادي من خلف هذه الفترة نجاحات رياضية هائلة منذ عام 2014 إلى عام 2024 حقق النادي الإسباني 5 ألقاب من ذات الأذنين من أصل 11، وتلك النجاحات الرياضية ألقت بظلالها على الجانب الإقتصادي؛ السؤال الأهم ما وجه التعارض بين النجاح الرياضي والنجاح الاقتصادي، أي ما وجه التناقض في بناء فريق متوازن قادر على اعتلاء منصات التتويج بالفشل الإقتصادي هل هذا موجود بالأصل.

دعنا نرجع للخلف موسمين سابقين أي في عام 2024، عندما كان ريال مدريد بطلًا لأوروبا، - الموسم الأخير للأبطال بشكلها القديم – نشرت صحيفة ذا جارديان تقريرًا أفاد بأن ريال مدريد يصبح أول نادٍ لكرة القدم يحقق إيرادات تزيد عن مليار يورو.

أصبح ريال مدريد أول نادٍ لكرة القدم يتجاوز مليار يورو، من حيث الإيرادات في موسم زاد فيه قوته المالية بشكل كبير على منافسيه الأوروبيين الرئيسيين، وإذا أمعنت التفكير في هذا التقرير فسترى أنه بفضل النجاح الرياضي الذي تحول إلى اكتساح اقتصادي لا نجاح فقط.

من الممكن الاستشراف الآن، أن النجاح الاقتصادي مقرونًا بالرياضي، وفي زمن الغرق بالتفاصيل والحلول وعدم ترك "سم" واحدًا بالملعب إلا بحساب من سيشغله، وتحرك الفرق كتلة واحدة كبيادق الشطرنج، هل ستنجح عشوائية أنشيلوتي، وقوة صداقة زيدان في مجاراة نلك الحقبة المعقدة من كرة القدم.

وليس هذه هي المشكلة الوحيدة داخل حنايا ريال مدريد، ولكن هل سينجح فريق يمتلك أفضل 3 أجنحة يسار بالعالم، ولا يمتلك مهاجمًا ولا لاعبًا بمثابة مايسترو لخط الوسط.

مشروع باريس.. وتغير أيديولوجي وضعهم على نصات التتويج

في ليلة من ليالي الشتاء الباردة، وفي بلد الموضة كان ناصر الخليفي رئيس نادي باريس سان جيرمان جالسًا في شرفة منزله يتطلع إلى قصر الإليزيه، ويقرأ نفس مقال رويترز للكاتب إيان روجرز والذي كان ينتقد به بيريرز وسياسته بقوة، ومن الواضح أنه قرر أن يأخذ بنصيحة ستيفن جرايسر أستاذ التسويق المتخصص في إدارة الرياضة في كلية هارفارد للأعمال في بوسطن عندما قال في تصريح مقتضب: "أنا لا أقترح أن نظام النجوم الذين يحصلون على رواتب عالية لا يمكن أن يكون نهجا ناجحا ولكن ما أقوله هو أنه ليس ضمانا للنجاح على أرض الملعب."

ونظر إلى فريقه الذي رأى به ميسي مبابي نيمار، والنجاحات تقتصر على تحقيق الألقاب المحلية، وهل نظرًا للقيمة التي ينفقها النادي الباريسي هل يعتبر البطولات المحلية في فرنسا إنجازًا؟

قرر الخليفي بأن يأخذ خطوة للخلف ويغير أيدولوجيته التي لن تسمن ولن تغني من جوع والتراجع عن كثرة النجوم لتي تثقل الفريق، فأخذ خطوة للخف وفكر في استنساخ الحقبة الأنجح في القرن الحالي، وهي حقبة ريال مدريد من 2014 – إلى 2024.

ac46b39889.jpg
باريس سان جيرمان

 

وبدأ يبحث عن أول لبنة في الصرح الباريسي الجديد، ولكن جوزيه مورنيو لم يعد كما سبق، وكان هناك ما يشبه الغصة في حلق الباريسيين اسم قد ذكرناه من قبل ألا وهو لويس كامبوس الذي حرم باريس من الحفاظ على لقب الدوري لعقد كامل عندما خطف ليل وموناكو لقب الدوري في مناسبتين كان كامبوس هو المدير الرياضي في إنجازات كلا الفريقين، وأخذ الخليفي يردد إن استعطت التغلب عليهم فانت مؤهل للانضمام إليهم.

واستمرارًا لتغيير الأيدولوجية الإدارية لباريس سان جيرمان أتى لويس إنريكي مع صلاحيات كاملة لممارسة مهام وظيفته.

غير كامبوس أيدولوجية النادي الباريسي من عصر "البريق" واستبداله بشعار "لا يوجد لاعب أكبر من المؤسسة".

التخطيط الإداري، والنضح الفني، كجناحي طائر إن اكتملا ارتفع وإذا انكسر أحدمها سقط، والنتيجة؛ باريس سان جيرمان بطلًا لدوري أبطال أوروبا بسحقه إنتر ميلان بخماسية بالنهائي، كأكبر نتيجة بتاريخ نهائيات ذات الأذنين.

be8b01a463.jpg
كامبويس - إنريكي، جناحي الطائر الباريسي

ولكن هل هذا النجاح أتى بالمصادفة، فقد بدأ سبعة من تعاقداته ضد إنتر، منهم خمسةٌ تعاقد معهم كامبوس هذا العام، وكان هناك ثمانيةٌ آخرون على مقاعد البدلاء. كما غادر أربعون لاعبًا ملعب بارك دي برانس خلال السنوات الثلاث الماضية.

تعاقد كامبوس مع رويز وفيتينيا وجواو نيفيس لبناء خط وسط يتميز بالديناميكية والموهبة الفنية العالية في أوروبا؛ وكان ويليان باتشو، وهو لاعب غير معروف نسبيًا، أفضل مدافع في الدوري الفرنسي الموسم الماضي، وكان سبب الهدف الثاني لباريس سان جيرمان ضد إنتر ميلان؛ ثم هناك الموهبتان المحليتان: ديزيريه دويه وبرادلي باركولا.

ولأن النجاح الاقتصادي ليس بمعزل عن النجاح الرياضي فإيرادات باريس سان جيرمان عن الموسم لماضي فقط وصلت إلى ما يقرب من مليار دولار (976 مليون دولار)، وتتضمن الأرقام التي أصدرها النادي، 175 مليون يورو من إيرادات أيام المباريات سعة الملعب أقل من سعة ملعب ريال مدريد، و367 مليون يورو من الإيرادات التجارية، مع انضمام ستة شركاء جدد إلى النادي. 

 يذكر أن باريس سان جيرمان أحد القوة الحديثة بكرة القدم لا تمتلك قوة ريال مدريد الجماهيرة وحتى ملعبهم الذي جمع كل هذه الأرباح سعته أقل بكثير من سانتياجو بيرنابيو، كل هذه الإيرادات أتت بفضل النجاح الرياضي، الذي في الأساس تحقق بناءً على تخطيط محكم ووضع كل شيء في نصابه المدير الفني بصلاحياته، المدير الرياضي برؤيته وتنفذ، رئيس النادي على طاولة المفاوضات وبعيد عن الإدارة لرياضية، النتيجة هي استدامة رياضية وبالتابعية حتمًا ستكون استدامة اقتصادية أيضًا.

لكن في ريال مدريد يقع الاختيار على المدير الفني الذي سيذعن لأوامر الإدارة، ولا ترى الإدارة جدوى من دفع راتب لمدير رياضي، وماذا يعني كلمة توازن تكتيكي وفني التوازن الوحيد الذي تعرفه إدارة ريال مدريد هو توازن خزائن النادي.

في الأخير ما يحدث في ريال مدريد مهما حدث لن يجني ثماره ولن يلقي هذا الفشل الرياضي بظله على الجانب الاقتصادي وجمع الأموال والأرباح، على فلورنتينو بيريز وضع كل شيء في نصابه، وعلى بيئته لمحيطة إخباره أن كرة القدم دخلت في طور مختلف ووصلت إلى أوجها من حيث التطور، وأن رجل المالتي تاسكنج الذي يفعله سيضرب نهمه في جمع الأموال، بالمقام الأول، عليه ترك المدرب يعمل في صمت، والرجوع إلى الخلف ألف خطوة وترك الإدارة الرياضية الحديثة لمن يعلم كيف يدير، وعليه التعلم من خطأ الأمس والخروج بموسم صفري الموسم الماضي وموسم صفري آخر يلوح في الأفق، لأنه من لا يتعلم من خطأ الأمس يعيده بالغد ولكن بثمنٍ أغلى.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق