أفيه يكتبه روبير الفارس "كوميديا طلوع الروح"

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

تحويل اللحظة الرهيبة التي يخشاها كل إنسان إلى حالة من السخرية اللاذعة والمتعة الشقية هو ما فعله بمهارة فائقة الأديب الكبير يوسف السباعي، عندما كتب القصة والسيناريو والحوار لفيلم "أم رتيبة" بطولة ماري منيب وحسن فايق وفؤاد شفيق وعبد المنعم إبراهيم، مع ضيوف شرف بمشهد واحد لكل من حسين رياض وفريد شوقي وأحمد مظهر، والنجم الكبير عماد حمدي الذي لم ينطق بكلمة في مشهده، بل عبّر صوتيًا عن رأيه في مذاق ماء المخلل.
هذه الكوكبة المبهجة قادها المخرج الفنان السيد بدير.
الفيلم أنتج عام 1959 في ظل حكم يوليو الديكتاتوري، الذي ترك متنفسًا واسعًا في الفن والأدب، فظهرت روائع في عدة مجالات ما زالت تنعش وجداننا حتى الآن.
وأنا أزعم بكل أريحية أن سيناريو هذا الفيلم إذا قُدِّم للرقابة الآن – هو وغيره من أفلامنا المدهشة – سوف يتم رفضه بسبب الكتلة الأصولية التي قهرت مجتمعنا بسلفية متحجرة، تحارب كل منافذ الإبداع والبهجة  بضراوة وشراسة وبكل غلّ وجهل.

الفيلم يدور حول أسرة بسيطة يتسلّط عليها الأخ الأكبر بالدجل والشعوذة وادعاء تحضير الأرواح، فيوهم شقيقه الأصغر أنه مريض بالقلب، ويرفض زواج شقيقته من باش خبير الطرشي "سيد بنجر"، طالبًا منه أن يحوّل نشاطه إلى باش خبير حلاوة أو حتى مصّاصة.
وفي ظل هذا الخط الدرامي البسيط يتسرب سيل من الأفيهات الطازجة التي تكسر تابوهات وخطوطًا حمراء وصفراء كثيرة.
فمثلًا عندما يتم تحضير روح أم الشيخ جاد، وهي سِت كانت تُوصف بالشَّلَق، يسألها ابنها: "ماشية في السماء إزاي يا أمه؟" فترد: "بالدراع يا روح أمك"، بل وتشتكي من أبوه الذي ما زال "تعبها" هناك كما كان في الأرض. وغير ذلك الكثير مما يصعب حصره.

ومن أجمل الأفيهات عندما تدعو "أم رتيبة "خطيبها "بنجر" ليحضر يوم الأربعين لوفاة شقيقها ليتكلم معه في موضوع زواجهما، فتقول: "يمكن الموت يكون عقّله".
أما قنبلة الفيلم فهي أغنية الختام لشكوكو التي تقلب كل موازين الحزن، وتحول الفراق إلى حالة من البهجة غير المعتادة عند المصريين، الذين العادي عندهم تحويل الأعياد إلى شكل كئيب، حيث الأساس عند أغلبهم – وخاصة في الصعيد والأرياف – هو زيارة الأموات صباح يوم العيد.؟!
هنا يكتب الشاعر الجميل فتحي قورة كلمات مقهقهة، فليلة الأربعين تفرح القلب الحزين. بل حتى حالة الترهيب من النار التي اعتمدت عليها الجماعات الجهادية لضم منتمين لها – خاصة في صحوة السبعينيات – كانت وقتها مجرد مزحة، فيقول:
"الكل جم يستقبلوه، والناس في غاية الانبساط.
باين عليه في النار خدوه، لأن فيه ريحة شياط."
وطبعًا من العادي أن يكون اللحن مبهجًا جدًا وراقصًا لأنه لمحمد فوزي.

تقول الأغنية:
الليلة ليلة الأربعين، تفرح القلب الحزين.
وربنا يتمم بخير، وبالرفاء والبنين.
الليلة ليلة الأربعين.
أهلا بروح عبد الصبور، مرحب بصاحبة الاحتفال.
آهي قربت ساعة الحضور، بس إن ما كانش كلام عيال.
إوعوا بقى تتلبشوا، وتخافوا منها وتختشوا.
صدق اللي قال يا طيبين، يكفيكوا شر المرحومين.
الليلة ليلة الأربعين.
الكل جم يستقبلوه، والناس في غاية الانبساط.
باين عليه في النار خدوه، لأن فيه ريحة شياط.
يا سلام وسلّم عندما، تجينا روحه من السما.
مين قدنا في الحتة مين، حزنا كل الميتين.
الليلة الليلة ليلة الأربعين.

هذا الفيلم، الذي لا يملّ منه المرء كلما شاهده، حوّل طلوع الروح إلى كوميديا، بينما حياتنا الخالية من المتعة هي قمة التراجيديا والنكد. كنا نفرح ونستمتع بكل نواحي أيامنا، فصرنا نتألم حتى في قمة أفراحنا.

أفيه قبل الوداع
– حضرتك باش خبير. أنا كنت فاكرَك حمار من الحمير اللي بنقابلها كل يوم.
– (فؤاد شفيق لخبير الطرشي حسن فايق)

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق