نعيش اليوم أمام حقيقة موجعة ومفزعة، لا يمكن تجميلها ولا تجاوزها بالإنكار.. الاعتداء الجنسى على الأطفال لم يعد حدثا شاذا يطفو على السطح بين الحين والآخر، بل أصبح ظاهرة آخذة فى التمدد، تقترب من بيوتنا ومدارسنا وأماكن من المفترض فيها أنها آمنة. لا يمكن أن ندعى أننا بخير بينما صغارنا، يتعرضون للانتهاك فى سن يفترض أن يكون للتعلم واكتساب المهارات، وقبل ذلك كله حب الحياة واكتشافها.
كل جريمة نسمعها هى صرخة لطفل، ولكنها فى الحقيقة صرخة مجتمع كامل فقد بوصلته. والمفارقة المؤلمة أكثر أن هذا النوع من الجرائم لا يرتكب لمرة واحدة عادة، بل يتكرر ويتكرر لأن الجانى يظل مطمئنا أن الطفل لا يملك صوتا، وأن المؤسسات لا تملك شجاعة المواجهة، وأن القانون سيتباطأ بما يكفى ليهرب.
نحن أمام جريمة مزدوجة: الأولى حين يعتدى على الطفل، والثانية حين يتم التعتيم على الجريمة، ودفنها تحت ركام الخوف والصمت والمحاذير الاجتماعية.
لا يعرف الأطفال كيف يشرحون الألم، ولا يملكون كلمات تكفى لاستيعاب ما حدث لهم. الطفل الذى يتعرض لتلك الجريمة، ينتزع من طفولته، وتهتز ثقته بالحياة وبالكبار، ويفقد إحساسه بالأمان، وهذا أخطر ما يمكن أن يواجهه إنسان فى هذا العمر المبكر.
تفاقم هذه الجرائم ليس صدفة. هو نتاج فراغ تشريعى، وضعف رقابى، ومجتمع لم يتعلم بعد ثقافة المواجهة. كم من طفل تعرض لجريمة ولم تكشف إلا بعد سنوات؟ وكم من مجرم تكرر فعله لأن أحدا لم يردعه منذ المرة الأولى؟
هذا يعنى شيئا واحدا: ما نعرفه ونعلمه قليل جدا، وما يختبئ خلف الأسوار أكبر وأقسى وأخطر.
المدارس والحضانات والمراكز التعليمية ليست مجرد أماكن للدراسة، بل مؤسسات تشكل هذه الأرواح الصغيرة. ورغم ذلك، فأن الكثير من العاملين فيها يدخلون بدون فحص نفسى، وبدون تدقيق جنائى، وبدون تدريب حقيقى على حقوق الطفل وحمايته.
ولأن الرقابة غائبة، يصبح الطريق مفروشا أمام كل من يملك ميولا منحرفة أو اضطرابا نفسيا.. ليقترب من الأطفال فى لحظات عزلتهم وضعفهم.
نحن بحاجة إلى قانون لا يهتز، ومواجهة سريعة لا تتأخر، وإجراءات لا تترك لتقدير البعض، بل تفرض قانونا على كل مؤسسة تتعامل مع الأطفال. وحتى لا يبقى الكلام عام أو إنشائى، فإن المواجهة الفعالة تبدأ من تشريعات حاسمة تمنع التكرار، وتغلق تماما إبواب الخطر، وتحمى الطفل قبل أن يتحول إلى ضحية جديدة.
أولا: نشر سجل وطنى للمجرمين المعتدين جنسيا على الأطفال.. يدرج فيه كل من تورط في جريمة ضد طفل، مع حرمانه نهائيا من أى عمل له صلة بالقصر، وإخضاعه لمراقبة نفسية وسلوكية إلزامية بعد الإفراج.
ثانيا: اجتياز فحص نفسى وكشف جنائى إلزامى لكل من يعمل مع الأطفال فى حضانة أو مدرسة أو أكاديمية رياضية، ويتم تحديثه كل ثلاث سنوات دون استثناء.
ثالثا: تخصيص محاكمات سريعة وفق قانون خاص لقضايا الاعتداء على الأطفال في حتى لا تنتظر شهورا وسنوات من خلال دوائر خاصة تحسم القضايا خلال 90 يوما على أقصى تقدير، وبلا أي صلح أو تنازل أو تدخل بشرى، يخفف من حق الطفل الطبيعي في العدالة.
رابعا: تخصيص كاميرات إلزامية في كل مؤسسة يدخلها أطفال فى الفصول والطرقات والممرات لمنع الجريمة قبل حدوثها، وكشف حقيقة الجريمة عند وقوعها.
خامسا: تجريم التستر بإخفاء أى جريمة اعتداء باعتبارها مشاركة في الجريمة نفسها. وتقنين عقوبة رادعة على كل فرد أو مؤسسة تخفى تلك الجرائم.
نقطة ومن أول الصبر..
إنقاذ الأطفال ليس محل اختيار وليس مجرد معركة إعلامية. إنه اختبار أخلاقى لمدى إنسانيتنا. إن أردنا مستقبلا صحيحا، فعلينا حماية هؤلاء الذين لا يملكون إلا براءتهم.
وإلى أن يحدث ذلك، سيظل كل طفل يتعرض للأذى وصمة عار فى ضمير مجتمع بأكمله… وصمة لا يمحوها الصمت، ولن يتجاهلها الزمن.










0 تعليق