في أعقاب مؤتمر COP30، الذي لم يشهد تقدمًا كافيًا في ملف التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري واستمرار فجوة التمويل المناخي بين الدول، يقدّم التقرير حلولًا عملية ومسارات قابلة للتطبيق لمستقبل طاقي متجدّد وعادل وذي سيادة في شمال أفريقيا.
• مؤشر سيادة الطاقة يقدّم لأول مرة تقييمًا شاملًا لنقاط القوة والفجوات في أنظمة الطاقة في مصر والمغرب وتونس، ما يساعد على فهم فرص التطوير ومجالات التحسين.
• تواجه مشاريع الهيدروجين الأخضر والرياح والطاقة الشمسية الموجهة أساسًا للتصدير خطرَ تحولها الى "مناطق تضحية خضراء.
• يعرض التقرير مجموعة من الخيارات والسياسات العملية لضمان مستقبل طاقي أكثر عدالة واستقلالًا، مع تعزيز الشفافية وتوزيع المنافع على السكان المحليين.
أمن الطاقة إلي السيادة الطاقية
يُبرز التقرير الجديد "من أمن الطاقة إلى السيادة الطاقية" أنه، رغم استمرار اعتماد كل من مصر وتونس والمغرب على الوقود الأحفوري، فإن التحوّل نحو الطاقة المتجدّدة في هذه الدول ما يزال يتشكّل بدرجة كبيرة وفقًا لأولويات الاستثمارات الأجنبية والمؤسسات الدولية. ويشير التقرير إلى أن العقود الموجّهة للتصدير تمنح الأولوية للأسواق الأوروبية، ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذه المشاريع على تلبية الاحتياجات المحلية وتعزيز التنمية المستدامة في المنطقة.
وبعد مؤتمر المناخ COP30، الذي لم يُحرز التقدّم المطلوب في ملف التمويل المناخي للدول في الجنوب العالمي أو في وضع مسار واضح وعادل للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، يطرح التقرير مجموعة من الآليات القانونية والمالية التي يمكن أن تجعل التزامات العدالة المناخية والديون المناخية ذات طابع إلزامي، بدلًا من بقائها إجراءات طوعية يصعب البناء عليها.
يقيس تقرير غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجديد، باستخدام نسخة مُحَدَّثة من مؤشر سيادة الطاقة، مستوى السيطرة على الموارد الطاقية، ومن المستفيد الفعلي منها، وكيف تُقيَّد القرارات السياسية مسار التحول الطاقي في المنطقة. وقد سجّل المغرب 5.5، ومصر 4.5، وتونس 4.25 من أصل 10 نقاط.
ورغم اتفاق نتائج الدول الثلاث على وجود فجوة واضحة في سيادة الطاقة، فإن السياقات الوطنية تختلف في كل بلد. ففي مصر، يظل الغاز عنصرًا أساسيًا في مزيج الطاقة، مع إعطاء الأولوية له في ظل التزامات وإطار السياسات المرتبط ببرامج صندوق النقد الدولي. أما تونس، فتعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة، وتواجه تحديات مرتبطة بضعف التنفيذ والمساحة المحدودة للتوسع في الطاقة المتجدّدة. وفي المغرب، يستمر تحقيق تقدم ملموس في مشاريع الطاقة المتجدّدة، إلا أن الاعتماد على الفحم والأصول الطاقية المملوكة لجهات خارجية والموجّهة غالبًا للتصدير ما يزال من العوامل المؤثرة على استقلالية منظومة الطاقة.
قياس فجوات سيادة الطاقة وإمكاناتها
وعلّق جوليان جريصاتي، مدير البرامج في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على التقرير قائلًا:
"لأول مرة يمكننا قياس فجوات سيادة الطاقة وإمكاناتها في مصر والمغرب وتونس بشكل كمّي. ويُظهر المؤشر المُحدّث أن الطاقة الأنظف لا تعني بالضرورة طاقة أكثر عدلًا أو أكثر سيادة. فمع أن هذه البلدان تغيّر طرق إنتاجها للطاقة، تبقى السيطرة الحقيقية بلا تغيير. لا يمكن أن تتحقق إزالة الكربون في أوروبا على حساب سيادة الطاقة في شمال أفريقيا. فجوهر سيادة الطاقة يكمن في القدرة على تحديد كيفية استخدام الطاقة، وليس فقط كيفية إنتاجها."
يوصي التقرير بضرورة التخلص العادل والمنصف من الوقود الأحفوري، مع التأكيد على أن الملوِّثين التاريخيين لا يمكن أن يتخلوا عن مسؤولية الأضرار التي تسبّبوا بها.
وقال جريصاتي: "في مختلف أنحاء منطقة شمال أفريقيا، لا يجني السكان القاطنون بالقرب من مواقع استخراج الوقود الأحفوري سوى سنت إلى ثلاثة سنتات مقابل كل دولار من القيمة المُنتَجة.، بينما تبقى التكلفة الحقيقية لتأثيرات الصحة والتلوث والاضطراب الاجتماعي غير مدفوعة. ومع انتقالنا نحو الطاقة المتجددة، يجب أن نضمن أن يكون شعبنا هو المستفيد الأول من هذا التحوّل."
وفي الوقت نفسه، يشير التقرير إلى أنه رغم الحاجة الملحّة إلى انتقال عادل في المنطقة، فإن مشاريع الطاقة المتجددة المدعومة خارجيًا والموجهة أساسًا لتصدير الطاقة إلى أوروبا قد تنطوي على مخاطر تعكس تجارب سابقة، حيث تتحمّل المجتمعات المحلية الأعباء البيئية والاجتماعية مثل ندرة المياه ونزع الملكية، من دون الحصول على فوائد متكافئة.
تطوير أنظمة طاقة متجددة أكثر سيادة
ولتفادي أن يؤدي الانتقال الطاقي إلى إعادة إنتاج أنماط اقتصادية تعتمد على استخراج الموارد تحت مظلة “التحوّل الأخضر”، يقترح التقرير مسارًا لانتقال عادل ومنصف في الدول الثلاث. ويركز هذا المسار على تطوير أنظمة طاقة متجددة أكثر سيادة وقدرة على تلبية الاحتياجات المحلية، مع تبنّي آليات تمويل تستند إلى الديون المناخية المستحقّة على الملوِّثين التاريخيين وشركات النفط والغاز، وفقًا لمبدأ "الملوّث يدفع".
وضمن الآليات القانونية التي يقترحها التقرير، يشير إلى التقاضي الإستراتيجي المستند إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية عام 2025 والمتعلق الالتزامات المناخية.
كما يوصي التقرير، ضمن مجموعة من الأدوات الداعمة لسيادة الطاقة، بأن يتم تخصيص ما بين 15 إلى 25% من إنتاج مشاريع الهيدروجين والطاقة المتجددة المخصصة للتصدير لصالح الاستهلاك المحلي، وباعتماد آليات عوائد مجتمعية ترتبط بنسبة ثابتة من الإيرادات الإجمالية لهذه المشاريع. كذلك يلفت التقرير إلى أهمية إعطاء الأولوية لمشاريع الطاقة المتجددة اللامركزية، مثل أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح، بما يسهم في تعزيز الوصول العادل إلى الطاقة.
وعلق جريصاتي:"تقف شمال أفريقيا عند مفترق حاسم. فمع سعي أوروبا إلى استيراد الطاقة المتجددة والهيدروجين على نطاق واسع، ومع تأثير المموّلين الدوليين في تشكيل مسارات المشاريع، يتعيّن على المنطقة أن تقرّر ما إذا كانت ستتبنّى نموذجًا استخراجيًا جديدًا، ولكن هذه المرة مطليًا باللون الأخضر، أم ستُنفّذ انتقالًا طاقيًا متجددًا ذو سيادة ومتمحورًا حول المجتمعات يوفّر قدرة طويلة الأمد على الصمود وعدالة لشعوبها."
واختتم جريصاتي بقوله: "إن الانتقال العادل نحو الطاقة المتجددة يبدأ عندما يكون للمجتمعات دور حقيقي في تحديد كيفية إنتاج الطاقة ولمن تُوجَّه."
الخلاصات الأساسيّة مِن التقرير
1. وتيرة التحوّل التكنولوجي في المنطقة تتجاوز التغيّر في موازين القوة.
على الرغم من توسّع مشاريع الطاقة المتجدّدة في مصر وتونس والمغرب، ما تزال الملكية والأرباح والقرارات الاستراتيجية تتركّز في يد المستثمرين الأجانب والمؤسسات المالية الدولية، ضمن اتفاقيات موجَّهة أساسًا لخدمة أسواق التصدير. ويفرض هذا الواقع أن يجري "انتقال طاقي" من دون أيّ تغيير في من يمتلك السلطة الحقيقية.
2. الدول الثلاث تعاني فجوة واضحة في السيادة الطاقية.
بحسب مؤشر السيادة الطاقية، الذي تمَّ من خلاله تقييم الدول الثلاث في شمال أفريقيا بناءً على متوسّط نقاط من 10، سجّلت مصر 4.5 نقاط من 10، وتونس 4.25 من 10، والمغرب 5.5 من 10. وتعود نقاط الضعف الأساسية إلى محدودية السيطرة على الموارد وضعف الاستقلالية في وضع السياسات، مما يعكس مدى نفوذ الفاعلين الخارجيين في تحديد مسار الطاقة.
3. مشاريع الهيدروجين والطاقة المتجدّدة الموجَّهة للتصدير تهدّد بخلق "مناطق تضحية خضراء".
العديد من المشاريع الضخمة للطاقة الشمسية والرياح والهيدروجين، خصوصًا في مصر والمغرب، يتم تطويرها في الأساس لتلبية احتياجات الأسواق الأوروبية. وغالبًا ما تخسر المجتمعات المحلية أراضيها ومواردها المائية من دون أن تجني مقابلًا ماليًا يُذكر، ممّا يفاقم مخاطر إعادة إنتاج أنماط "الاستعمار الأخضر".
4. الاعتماد على الوقود الأحفوري لا يزال مهيمنًا رغم الإمكانات المتجدّدة الهائلة.
لا يزال الوقود الأحفوري يوفّر 94% من احتياجات الطاقة في مصر، و88% في تونس، و91% في المغرب. وفي ظلّ هذا الواقع، نجد أنّ مصر عالقة في الاعتماد على الغاز، وتونس في الاستيراد، والمغرب في الاعتماد على الفحم. لذا يُعدّ التنويع العميق لمزيج الطاقة شرطًا أساسيًا للمضي قدمًا في العمل المناخي وتعزيز السيادة.
5. الحلول الزائفة تعرقل مسار الانتقال الحقيقي.
يحذّر التقرير من نهج "الحلول المضلِّلة" مثل احتجاز الكربون وتخزينه، والهيدروجين الأزرق، وإعادة تموضع الشركات النفطية عبر حملات تسويقية. كما تُبقي نماذج التعاقد مثل عقود "الشراكة بين القطاعين العام والخاص" (PPP) و"البناء والتملك والتشغيل" (BOO) الأرباح في يد الجهات الأجنبية على حساب المنفعة العامة.
6. الفوائد المجتمعية من المشاريع الطاقية تكاد تكون معدومة.
لا تنال المجتمعات المحلية سوى 1 إلى 3 سنتات فقط من كل دولار من عائدات الوقود الأحفوري، فيما نادرًا ما تتيح مشاريع الطاقة المتجدّدة الضخمة أي فرص جدّية للملكية المحلية أو لتقاسم الأرباح أو لتحقيق مكاسب تنموية ملموسة ومستدامة.
7. السياسات الوطنية للطاقة تتشكّل إلى حدّ كبير وفق شروط صندوق النقد والتمويل الخارجي.
إصلاحات الدعم، هيكلة التعرفة، واستراتيجيات الهيدروجين في الدول الثلاث تخضع لتأثير واضح لبرامج صندوق النقد الدولي وأولويات الطاقة الأوروبية ومتطلبات الجهات المانحة، مما يقيّد قدرة هذه الدول على رسم سياسات طاقية مستقلة ترتكز إلى مصالحها الوطنية الفعلية.
8. الطاقة المتجدّدة اللامركزية والمملوكة من المجتمعات هي المسار الأكثر فاعلية نحو ترسيخ السيادة، لكنّها ما تزال مهمّشة.
تُقدّم أنظمة الطاقة الشمسية على الأسطح، والشبكات المصغّرة، والطاقة الشمسية الزراعية، والتعاونيات القروية، ونماذج الطاقة البلدية حلولًا واضحة تقوم على التحكّم المحلي والمشاركة المجتمعية. ومع ذلك، لا تحظى سوى بقدرٍ ضئيل من الاهتمام مقارنةً بالمشاريع العملاقة الموجّهة للتصدير.
9. تحقيق العدالة والسيادة يستوجب آليات مُساءلة مُلزمة، لا وعودًا فارغة.
اعتماد آليات واضحة وملزمة
كما يشدّد التقرير على ضرورة اعتماد آليات واضحة وملزمة، تشمل تحديد حدّ أدنى إلزامي للاستهلاك المحلي، وتوزيع أرباح مباشرة على المجتمعات، ووضع آليات لتقاسم العائدات، مثل تخصيص من %15 إلى 25% من إنتاج الطاقة للمستخدمين المحليين، وتمويل صناديق مجتمعية بجزء من إيرادات المشاريع.
و ضرورة وجود آليات قانونية ومالية تفرض الالتزام بديون المناخ من أجل انتقال عادل.
إن تطبيق مبدأ "الملوِّث يدفع"، واللجوء إلى التقاضي الاستراتيجي المستند إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية لعام 2025، وغيرها من آليات المُساءلة، يضمن محاسبة الدول والشركات التي تتحمّل مسؤولية تاريخية عن الأضرار المناخية.
على سبيل المثال، قام التقرير بحساب افتراضي لثلاث شركات دولية عاملة حاليًا في قطاع الوقود الأحفوري في مصر. ويقدّر المؤلفون أن فرض رسم إضافي بنسبة 0.1% على أرباح هذه الشركات كان من الممكن أن يحقق نحو 11 مليون دولار أمريكي خلال الفترة من 2021 إلى 2023، وهو مبلغ يكفي لتمويل 15–20 عيادة تعمل بالطاقة الشمسية أو أكثر من 2،500 مضخّة ريّ شمسية للمزارعين.











0 تعليق