تجد بعثة الاتحاد الأفريقي لدعم الاستقرار في الصومال (أوصوم) نفسها أمام اختبار صعب قد يحدد مستقبل الأمن في البلاد، مع تفاقم التحذيرات من فجوة تمويلية تهدد قدرتها على مواصلة مهامها في مواجهة حركة الشباب، فبينما تعول مقديشو على الدعم الإقليمي والدولي لتعزيز استقرارها الهش، يلوح خطر تراجع الموارد المالية كعامل قادر على تقويض ما تحقق من مكاسب ميدانية خلال السنوات الماضية.
فجوة تمويل تعيد الصومال إلى مربع الخطر
التحذير الأبرز جاء من أوغندا، أحد أكبر المساهمين العسكريين في الصومال، حيث شدد الرئيس يوويري موسيفيني على أن البعثة تحتاج إلى 15 مليون دولار شهريا لاستمرار عملياتها بفعالية.
ونقلت رئيسة الوزراء الأوغندية روبينا نابانجا خلال القمة السابعة للاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي في لواندا، أن نقص التمويل يهدد بعودة نفوذ حركة الشباب وتراجع سيطرة الدولة، بعد سنوات من التقدم التدريجي.
يرتبط القلق الأوغندي بتجربة سابقة، فبعثة أتميس التي سبقت "أوصوم" انهارت فعلياً بسبب متأخرات مالية ضخمة وصلت إلى 96 مليون دولار، ما يدفع كمبالا إلى التحذير من تكرار السيناريو نفسه.
قرار أممي لم يُفعّل بالشكل الكافي
يرتكز الحل المنتظر على قرار مجلس الأمن 2719 الصادر عام 2023، الذي ينص على تغطية الأمم المتحدة لما يصل إلى 75% من ميزانيات بعثات السلام الأفريقية، إلا أن آليات تنفيذ القرار ما زالت متعثرة.
ويتزامن ذلك مع تخفيض محتمل بنسبة 25% في ميزانية مكتب دعم الأمم المتحدة في الصومال، ما يفتح الباب أمام مزيد من الانكشاف الأمني.
ويحذر موسيفيني من أن أي خلل في أداء البعثة قد ينعكس على الأمن البحري والتجارة العالمية، خصوصا مع احتمال عودة القرصنة التي كلّفت الاقتصاد الدولي أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً في ذروتها.
أوغندا.. لاعب مركزي يحذر من فراغ أكبر
منذ 2007، احتفظت أوغندا بالدور الأكبر في البعثات العسكرية بالصومال عبر أكثر من 6000 جندي ضمن "أميصوم"، وحالياً تشارك بـ 4500 جندي في "أوصوم" إلى جانب وحدات شرطية.
هذا الحضور الطويل رسّخ شعورها بمسؤولية دفع القوى الدولية لتقديم تمويل مستدام، خصوصاً مع تصاعد هجمات حركة الشباب وقدرتها على تهديد المدن الكبرى.
قمة لواندا.. دعم سياسي بلا ضمانات مالية
اختتمت القمة الأفريقية الأوروبية في لواندا بتأكيد متبادل على تعزيز التعاون، لكن البيان الختامي حمل مؤشرات على فجوة بين الطموحات والموارد.
فبينما تحاول أوروبا تأمين وصول مستقر للمعادن الحيوية ودعم جهود مكافحة الهجرة غير النظامية، تحتاج أفريقيا إلى استثمارات تنموية ضخمة لخلق الوظائف وتعزيز الاقتصاد، غير أن القمة لم تقدّم التزامات مالية قوية تعالج التحديات الأمنية في الصومال بصفة مباشرة.
خلفية التحول من “أتميس” إلى “أوصوم”
في ديسمبر 2024، قرر مجلس الأمن إنهاء بعثة "أتميس" واستبدالها بـ"أوصوم" اعتبارًا من يناير 2025، ويركز التفويض الجديد على:
دعم القوات الأمنية الصومالية.
تنفيذ خطة تطوير قطاع الأمن.
مكافحة حركة الشباب بشكل مشترك.
تعزيز قدرات الحكومة على بسط سيادتها.
ورغم حصولها على دعم من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يبقى التمويل أقل من مستوى احتياجات العمليات، خصوصًا مع اتساع رقعة تهديدات حركة الشباب.
تهديدات تتجاوز حدود الصومال
أي تراجع في أداء "أوصوم" سيترك أثراً إقليمياً، لأن حركة الشباب لا تستهدف الصومال وحده، بل تمتلك طموحاً للتوسع نحو كينيا وإثيوبيا وحتى البحر الأحمر. كما أن ضعف الاستقرار قد يعيد تنشيط شبكات التهريب والقرصنة التي تهدد خطوط التجارة العالمية.
الأزمة المالية التي تواجه "أوصوم" ليست مجرد مشكلة ميزانية، بل تهديد فعلي لمعادلة الأمن التي بُنيت خلال 17 عامًا، الصومال يقف أمام لحظة فارقة، إما تدفق دعم مستدام قادر على تعزيز قدرات الدولة، أو انزلاق نحو فراغ أمني يعيد المنطقة إلى سنوات الفوضى.










0 تعليق