شددت أوكرانيا، الخميس، على رفضها التخلي عن أي من أراضيها لصالح روسيا، بموجب مقترح السلام الأمريكي الذي قدمه الرئيس دونالد ترامب، أو أي اتفاق آخر.
وذكرت مجلة "ذي أتلانتيك" الأمريكية أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، يعتزم في المرحلة المقبلة من المحادثات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، رسم "خط أحمر"، عند القضية الأكثر إثارة للجدل على الطاولة وهي مطالبة روسيا بالأراضي السيادية لأوكرانيا.
ونقلت المجلة عن كبير المفاوضين الأوكرانيين أندريه يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني، قوله إن "الرئيس لن يوافق على التخلي عن أراض لروسيا مقابل السلام".
وأضاف أنه "طالما ظل زيلينسكي رئيسًا للبلاد لن يتنازل عن أراض لروسيا. ينبغي ألا يعوّل أحد على تخليه عن أراض. فهو لن يتنازل عن أراض هذا ما أخبرني به عبر الهاتف من كييف".
وقال يرماك، الذي شغل منصب رئيس الأركان والمفاوض الرئيسي والمساعد الأقرب للرئيس طوال الحرب مع روسيا: "لن يوقع أي شخص عاقل على وثيقة للتخلي عن الأراضي. الدستور يحظر ذلك. لا يمكن لأحد فعل ذلك إلا إن أراد مخالفة الدستور الأوكراني والشعب الأوكراني".
وبحسب المجلة، فإن "الموقف الأوكراني للجولة القادمة من المحادثات، والذي تناوله يرماك، لأول مرة، سيُضيّق بشدة المجال المتاح للمفاوضين للتوصل إلى اتفاق سلام".
وتقول المجلة إن ذلك يأتي في وقت "لم تُبدِ روسيا أي استعداد للتراجع عن مطلبها بالأراضي الأوكرانية، بما في ذلك أجزاء من البلاد لا تسيطر عليها القوات الروسية".
ورغم أن المفاوضين أحرزوا تقدمًا نحو التوصل إلى اتفاق في الأيام الأخيرة، إلا أنهم ما زالوا متباعدين بشأن مسألة الأراضي الحاسمة، حيث يبدو من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، التوفيق بين الموقفين الروسي والأوكراني، وفق المجلة.
واستولت روسيا، لأول مرة، على أجزاء من أوكرانيا عام 2014، عندما ضمت شبه جزيرة القرم في عملية استيلاء سريعة وغير دموية تقريبًا.
وفي سبتمبر 2022، خلال العام الأول من العملية الشاملة، زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن 4 مناطق إضافية في جنوب وشرق أوكرانيا - دونيتسك، ولوغانسك، وزابوريجيا، وخيرسون، والتي تُشكل حوالي 15% من أراضي البلاد - ستكون "إلى الأبد" جزءًا من روسيا.
وبعد ذلك، نظمت الرئاسة الروسية "الكرملين" استفتاء للموافقة على ضم هذه المناطق وتعريفها باعتبارها أراضٍ روسية بموجب الدستور الروسي، مما جعل من الصعب سياسيًا على بوتن عكس مطالباته الإقليمية.
ورأت المجلة أن "مشكلة بوتين تكمن في أن أوكرانيا لا تزال تسيطر على أجزاء كبيرة من دونيتسك وخيرسون وزابوريزهيا"، لافتة إلى أن "الجيش الروسي يقاتل منذ نحو 4 سنوات للسيطرة على جميع هذه المناطق بالقوة، وتتركز أعنف المعارك حول دونيتسك، وهي جزء من قلب أوكرانيا الصناعي".
وتحصنت القوات الأوكرانية للدفاع عن مناطق دونيتسك التي لا تزال تسيطر عليها، فبنت تحصينات ونشرت أسلحةً نجحت في صد القوات الروسية. وحاول بوتين استعادة السيطرة على تلك المنطقة عبر المفاوضات، عارضًا وقف الهجوم الروسي إذا تخلت أوكرانيا عنها دون قتال.
واجتمع مبعوثون من الولايات المتحدة وأوكرانيا، في جنيف، الأحد، لإعادة صياغة مقترح سلام أمريكي كان يميل بشدة لصالح روسيا.
وتضمنت الخطة مطالبة أوكرانيا بالتنازل عن أراضٍ في دونيتسك، حيث حقق الجيش الروسي تقدمًا بطيئًا وبطيئًا في الأشهر الأخيرة، متكبدًا خسائر فادحة في الأرواح، بحسب المجلة.
وفي ختام محادثات جنيف، حيث مثل وزير الخارجية ماركو روبيو الولايات المتحدة إلى جانب صهر الرئيس دونالد ترامب جاريد كوشنر ومبعوثه الخاص ستيف ويتكوف، استبعد المفاوضون المطالب الروسية الأكثر إرهاقًا على أوكرانيا.
وطلب فريق زيلينسكي لقاءً مع ترامب نهاية هذا الأسبوع لمناقشة المقترح، لكن الرئيس قرر إرسال ويتكوف أولًا إلى موسكو لمناقشة الشروط المُعدّلة لاتفاقية السلام مع "الكرملين".
وأشار وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، إلى أن موسكو ستتمسك بشدة بمطالبها الأساسية، والتي لطالما شملت مطالبتها الإقليمية في دونيتسك ومناطق أخرى في شرق وجنوب أوكرانيا.
وناقش ترامب شروط الكرملين للسلام في أغسطس خلال قمته في ألاسكا مع بوتين. وكان الزعيمان الروسي والأمريكي قد خططا في أكتوبر للقاء مجددًا في بودابست على أمل دفع عملية السلام قدمًا.
لكن ترامب ألغى تلك الخطط بعد أن أبدى لافروف موقفًا متشددًا خلال مكالمة تحضيرية مع روبيو، الذي نصح البيت الأبيض حينها بعدم المضي قدمًا في قمة رئاسية أخرى.
واستؤنفت محادثات السلام بشكل جدي هذا الشهر فقط، في الوقت الذي أضعفت فيه فضيحة فساد ضخمة مكانة زيلينسكي لدى الشعب الأوكراني وحلفائه في الغرب، كما ترى المجلة.
وفي 10 نوفمبر، كشف "المكتب الوطني لمكافحة الفساد" في أوكرانيا، عن تحقيق استمر 15 شهرًا، اتهم فيه عددًا من كبار المسؤولين الحكوميين وأحد شركاء زيلينسكي التجاريين السابقين بابتزاز وغسل حوالي 100 مليون دولار من الرشاوى.
ولم يُشر المحققون مباشرةً إلى تورط زيلينسكي أو يرماك في القضية. لكن الدعوات لاستقالة يرماك تزايدت وسط هذه الفضيحة.
ونقلت المجلة عن دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى قوله في وقت سابق من هذا الشهر: "على زيلينسكي أن يُنظف نفسه، وعليه أن يبدأ بيرماك".
وردّ يرماك، لأول مرة، عبر "ذي أتلانتيك"، بإسهاب على التحقيق والدعوات التي نتجت عنه للتنحي، قائلًا: "الضغط هائل، القضية صاخبة نوعًا ما، ويجب إجراء تحقيق موضوعي ومستقل بعيدًا عن أي تأثير سياسي".
بتعيينه لقيادة فريق التفاوض الأوكراني رغم الفضيحة، أوضح زيلينسكي للشعب الأوكراني أن يرماك لا يزال يحظى بثقته، على حد قوله.
وأضاف يرماك: "يرى شعب أوكرانيا أنني كنت إلى جانب الرئيس طوال هذه السنوات في أصعب اللحظات وأكثرها مأساوية وخطورة. لقد وثق بي في هذه المفاوضات التي ستقرر مصير بلدنا. وإذا أيد الشعب الرئيس، فسيكون ذلك بمثابة إجابة على جميع تساؤلاتهم".















0 تعليق