أظهرت دراسة أُجريت مؤخرًا أنّ نسبة كبيرة بين فئة الشبان المسلمين (من عمر 15 إلى 24 عامًا) في فرنسا تؤيد أن تُطبّق الشريعة الإسلامية في بلدان غير مسلمة.
ردّ رسمي: تقرير حكومي يحذّر من تآكل العلمانية
الدراسة، التي أجرتها مؤسسة استطلاع فرنسية لصالح مجلة مختصة، أشارت إلى أن 59% من هؤلاء الشباب أبدوا رغبة في تطبيق الشريعة، بينما تتراجع النسبة إلى نحو 46% عند النظر إلى جميع المسلمين بغض النظر عن العمر.
ومع أن بعض محلّلي الرأي يعنون إلى أن هذه النتائج قد تعبّر عن ميل رمزي أو احتجاج على التهميش أكثر من رؤية تنفيذية واقعية، إلا أن صعود هذا الميل يثير قلقًا واسعًا داخل الأوساط السياسية، خاصة في ظل ما يصطلح عليه في تقارير رسمية بـ"الإسلام السياسي" الذي يُنظر إليه كتهديد للتماسك الوطني.
في 2025، عرضت الحكومة الفرنسية بتكليف من وزير العدل تقريرًا رسميًا تحذر فيه من النفوذ المتنامي للجماعات المرتبطة بـ "الإسلام السياسي"، مثل الإخوان داخل الضواحي والمجتمعات المسلمة.
التقرير يشير إلى أن اختراق جماعات بهذا النفوذ للمجالس البلدية والجمعيات المحلية والعمل الاجتماعي والثقافي يمكن أن يُفضي إلى تغييرات تدريجية في القوانين المحلية، بما قد يتعارض مع مبادئ الجمهورية العلمانية.
ردود الفعل السياسية شملت دعوات من أحزاب مختلفة إلى تشديد الرقابة على الجمعيات الدينية، تحديد التمويل الأجنبي، وإجراءات لمنع ما يُسمى "التسلل الإسلامي" إلى مؤسسات الدولة، في محاولة للحفاظ على “قيم الجمهورية” ووحدة الهوية.
من البرلمان إلى الكرسي.. الكحول على نفقة الدولة يثير جدلاً أخلاقياً
في 5 نوفمبر 2025، نشرت صحيفة فرنسية أن تقريرًا برلمانيًا يوصي بوقف بيع الكحول داخل مقر (البرلمان الفرنسي)، وليس فقط ذلك، بل بمنع تغطية تكاليف الكحول من ميزانية الدولة التي يدفع منها الضرائب.
التقرير، الذي أعدّه نائب من الجناح البيئي/اليساري، وصف استمرار توفر الكحول للنواب في مكان العمل بأنه "رمز لامتياز غير مبرّر"، خاصة في وقت يُطلب فيه من المواطنين العاديين تشديد مصروفاتهم.
الحجة الأخلاقية هنا أن النواب يجب أن يكونوا نموذجًا للمواطنين، وليس أن يستفيدوا من الترف أثناء تأدية مهامهم. ورغم أن بعض النواب دافعوا عن "التقاليد الثقافية" — لا سيّما في بلد يُعرف بثقافة النبيذ — فإن التقرير أثار نقاشًا واسعًا حول المسؤولية والشفافية في استخدام المال العام.
صدام قيم: العلمانية والهوية والدين وإعادة تعريف الجمهورية الفرنسية
التلاقي بين ما تشكّله نتائج استطلاعات الشباب الإسلامي من ميل متزايد إلى التشدد الديني، وبين ما يكشفه عن الكحول داخل البرلمان من ضعف في مبادئ المسؤولية والنموذج، يضع فرنسا اليوم على مفترق ثقافي وسياسي.
من جهة، هناك ضغط رسمي لمحاربة ما يُسمى "الإسلام السياسي" ومنع تأثيراته على القوانين والهوية. ومن جهة أخرى، هناك نفوذ قديم لثقافات — منها عادة الاستهلاك الكحولي — حتى داخل أعلى مؤسسات الدولة.
هذا الصدام يعكس أزمة هوية عميقة: هل تظل الجمهورية العلمانية المبنية على المواطنة المتساوية؟ أم أن تغيّرات دينية واجتماعية وثقافية قد تعيد تشكيل ملامح المجتمع الفرنسي؟
فرنسا على مفترق تاريخي
تشير المعطيات الأخيرة إلى أن فرنسا تعيش مرحلة تحوّل مركّب، بين خوف من تزايد التشدد الديني بين الأجيال المسلمة، وبين نقد داخلي لممارسات بعض نوابها التي تبدو منافية لرؤية الدولة العلمانية.
ما يحدث اليوم ليس مجرد جدال سياسي أو اجتماعي، بل معركة على نفسية الهوية والقيم داخل الجمهورية.
إذا لم تُستجب هذه الدعوات للإصلاح — سواء في مواجهة تأثير الجماعات الدينية أو في فرض نموذج مسؤول للبرلماني — فإن ما يُخشى أن تتحوّل فرنسا إلى ساحة صدام داخلي ثقافي طويل الأمد.
يبقى السؤال: هل ستختار باريس العلمانية المتجذّرة… أم الانزلاق نحو المزيد من الانقسام والهوية المضطربة؟












0 تعليق