أكد خبراء الاقتصاد، أن الاقتصاد المصري يشهد مرحلة جديدة من التحسن المتسارع مدفوعة بإصلاحات هيكلية وسياسات دقيقة أعادت الثقة للمستثمرين في الداخل والخارج، موضحين أن البيانات الأخيرة التي أعلنتها الحكومة تعكس مؤشرات قوية على انتقال الاقتصاد من حالة التباطؤ إلى مرحلة النمو المستدام، خاصة بعد التحسن الملحوظ في أداء القطاعات الإنتاجية وارتفاع مساهمة القطاع الخاص في الاستثمار.
وأضاف الخبراء، أن عودة الثقة الإقليمية والدولية في السوق المصري تُعد إحدى أهم الركائز التي دعمت هذا التحول، وهو ما ظهر بوضوح في تدفق الاستثمارات الخارجية، خصوصًا الخليجية منها، بما يعكس إدراك المستثمرين لقدرة الاقتصاد المصري على مواجهة التحديات وتوفير بيئة آمنة وواعدة للاستثمار.
وأشار عدد من الخبراء تحدثت معهم "الدستور" إلى أن قوة المؤشرات الاقتصادية لم تقتصر على الاستثمار فقط، بل امتدت إلى مجالات أخرى مثل ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي، وانتعاش تحويلات المصريين بالخارج، وتحسن النظرة الائتمانية لمصر من المؤسسات الدولية، إلى جانب قفزات مهمة في قطاعات الصادرات، والطاقة، والسياحة، وقناة السويس.
وأوضحوا أن الفترة الحالية تمثل نقطة تحول تعكس نجاح الدولة في تبني سياسة تعتمد على دعم الإنتاج الحقيقي، وتطوير البنية التحتية، وتحفيز القطاع الخاص، ما يمهد لمرحلة جديدة من النمو القائم على قاعدة اقتصادية أكثر صلابة واستدامة.
ثقة المستثمرين في السوق المصري
بداية، أكد الدكتور محرم هلال، رئيس الاتحاد المصري لجمعيات المستثمرين، أن مصر استطاعت خلال الفترة الأخيرة ترسيخ مكانتها كقبلة للمستثمرين الأجانب، بفضل ما اتبعته الدولة من سياسات اقتصادية متوازنة وإصلاحات هيكلية عززت الثقة في الاقتصاد الوطني، موضحًا أن حجم الإقبال المتزايد على السوق المصري يعكس قناعة المستثمرين بقدرة الدولة على توفير بيئة استثمارية مستقرة وواعدة، وقادرة على تحقيق عوائد مجزية مقارنة بالأسواق الإقليمية والدولية.
وقال هلال في تصريحات خاصة لـ "الدستور" إن ثقة المستثمرين في السوق المصري لم تعد مجرد توقعات أو وعود، بل تحولت إلى تدفقات استثمارية حقيقية على الأرض، أبرزها دخول استثمارات خليجية كبيرة من الإمارات والسعودية وقطر والكويت، وهي استثمارات وصفها بأنها تحمل رسالة واضحة مفادها أن مصر أصبحت شريكًا اقتصاديًا موثوقًا ومستقرًا، مؤكدا على أن هذه الدول لا تضخ استثماراتها إلا في أسواق تتمتع بدرجة عالية من الاستقرار السياسي والاقتصادي، ما يبرهن على قوة الاقتصاد المصري وقدرته على معالجة التحديات.
وأشار رئيس الاتحاد، إلى أن مؤشرات الاقتصاد المصري خلال العام الأخير شهدت قفزات إيجابية متتالية، في مقدمتها ارتفاع الاحتياطي النقدي الأجنبي إلى مستويات مطمئنة تعزز قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية ودعم استقرار سعر الصرف مضيفا أن تحويلات المصريين العاملين بالخارج شهدت انتعاشًا ملحوظًا، الأمر الذي يعكس تجدد الثقة في الاقتصاد المحلي ورغبة المصريين بالخارج في دعم بلدهم من خلال التحويلات والاستثمارات.
وأوضح "هلال" أن موجة التحسن لم تقتصر على المؤشرات النقدية فقط، بل امتدت لتشمل مؤشرات التصنيف الائتماني، حيث بدأت المؤسسات الدولية في استعادة ثقتها بمصر، من خلال تحسين النظرة المستقبلية أو تثبيت التصنيف مع توقعات إيجابية، واعتبر أن هذه الإشارات الدولية بالغة الأهمية لأنها تمثل مرجعًا رئيسيًا للمستثمرين العالميين لاتخاذ قرار الاستثمار، وتؤكد متانة الاقتصاد المصري وقدرته على النمو.
نمو حجم الصادرات المصرية
كما أشار إلى أن حجم الصادرات المصرية شهد ارتفاعًا واضحًا في عدة قطاعات، نتيجة السياسات الداعمة للتصدير وتحسن بيئة الإنتاج، موضحًا أن التوسع في دخول الأسواق الخارجية يعكس تنافسية المنتجات المصرية وجودتها وامتلاكها القدرة على النفاذ للأسواق الإقليمية والدولية، وقال إن زيادة الصادرات تمثل أحد أهم محركات النمو الاقتصادي المستدام، وتسهم في تعزيز الاحتياطي النقدي وتوفير العملة الصعبة.
وتناول الدكتور هلال في حديثه عودة النشاط الملحوظ لقناة السويس، مؤكدًا أن القناة تمكنت من تجاوز أزمة الملاحة في البحر الأحمر واستعادت جزءًا كبيرًا من مستوياتها الطبيعية، بل وبدأت تسجل تحسنًا في الإيرادات مع عودة حركة التجارة العالمية لمساراتها المستقرة موضحا أن قناة السويس تظل أحد أهم مصادر الدخل القومي، وأحد الأعمدة الرئيسية التي يستند إليها الاقتصاد المصري.
وأشار إلى أن القطاع السياحي شهد انتعاشًا واضحًا، حيث ارتفعت أعداد السياح القادمين إلى مصر في ظل تحسن الأوضاع الأمنية واستقرار السوق السياحي العالمي، إلى جانب الترويج السياحي الفعّال الذي تبنته الدولة في الأسواق الجديدة. وقال إن زيادة السياحة تمثل دعامة أساسية للاقتصاد، نظرًا لما توفره من عملات أجنبية وفرص عمل مباشرة وغير مباشرة.
وأكد الدكتور محرم هلال، أن مصر تقف اليوم على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة أكثر استقرارًا وجاذبية، قائلًا: "لدينا الآن مؤشرات إيجابية واضحة، وتدفقات استثمارية متزايدة، وثقة دولية تتجدد يومًا بعد يوم. مصر أصبحت بيئة واعدة للاستثمار، وقادرة على تحقيق نمو مستدام، وعلى كل مستثمر دولي يبحث عن فرصة حقيقية أن يضع مصر في مقدمة خياراته.
نشاط كبير بقطاع الاكتشافات البترولية
في نفس السياق، أكد الدكتور محمد سعد الدين، رئيس جمعية مستثمري الغاز المسال ورئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات المصرية، أن رسائل الدكتورة رانيا المشاط وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي بشأن أداء اقتصاد مصر خلال الربع الأول من العام المالي 2025/2026 تعكس تحولًا استراتيجيًا حقيقيًا في مسار الاقتصاد الوطني، وتبرز نجاح الدولة في الانتقال التدريجي من مرحلة التحديات والانكماش إلى مرحلة التعافي والنمو المدفوع بالقطاعات الإنتاجية.
وقال سعد الدين في تصريحات خاصة لـ"الدستور" إن الأرقام التي أعلنتها الوزيرة، وعلى رأسها تسجيل معدل نمو 5.3% لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة أعوام، تعد مؤشرًا واضحًا على أن مصر بدأت تجني ثمار الإصلاح الاقتصادي والمالي وهيكلة القطاعات الحيوية.
وأوضح سعد الدين، أن أحد أبرز المؤشرات اللافتة في بيانات الربع الأول هو تراجع وتيرة انكماش قطاع الاستخراجات نتيجة الاكتشافات الأخيرة في حقول الغاز والبترول، مؤكدًا أن قطاع الطاقة – وخاصة الغاز الطبيعي – يُمثل قاطرة أساسية للنمو الاقتصادي.
وقال: مع كل اكتشاف جديد، لا تعود الفائدة فقط على إنتاج الطاقة، بل تمتد إلى قطاعات الصناعة والتصدير والكهرباء والبتروكيماويات، ما يخلق تأثيرًا مضاعفًا ينعكس على الناتج المحلي الإجمالي مضيفا أن تعزيز قدرات مصر في استكشاف الغاز وزيادة الإنتاج يعزز مكانتها كمركز إقليمي للطاقة، ويمنح الاقتصاد ثباتًا أكبر في مواجهة التقلبات الدولية.
وأشار إلى أن الأداء الإيجابي للناتج المحلي وتحسن القطاعات الإنتاجية يبرهن على صحة التوجه الاقتصادي للدولة، خاصة مع استمرار الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف رفع كفاءة منظومة الاستثمار وتسهيل إجراءات التشغيل، وتعزيز دور القطاع الخاص في التنمية.
مشاركة القطاع الخاص
ولفت إلى أن القطاع الخاص استطاع تسجيل معدل نمو لافت في الاستثمارات بلغ 25.9%، ليستحوذ على نحو 66% من إجمالي الاستثمارات الكلية، وهو تحول غير مسبوق يعكس استعادة الثقة في مناخ الاستثمار وعودة الشركات للتوسع وضخ رؤوس الأموال.
وأضاف سعد الدين، أن تسارع وتيرة النمو لا يأتي من فراغ، وإنما نتيجة تحسن ملموس في القطاعات الإنتاجية الحقيقية، وعلى رأسها الطاقة والصناعة والتشييد واللوجستيات، وهذه القطاعات هي التي تدعم النمو المستدام وتخلق فرص عمل وتزيد القيمة المضافة، وليس القطاعات الريعية التي تعتمد على ظروف خارجية.
وأكد أن ما حققته مصر في الربع الأول يمثل بداية قوية لعام مالي يتوقع أن يصل فيه معدل النمو إلى 5% بنهايته، وفق ما أشارت إليه الوزيرة، وهو معدل يعتبر جيدًا في ظل الظروف الاقتصادية العالمية.
وفي إطار تحليله لآفاق الاقتصاد المصري، قال رئيس لجنة الطاقة باتحاد الصناعات إن "الصورة أصبحت أكثر إيجابية مقارنة بالسنوات السابقة، خصوصًا مع استمرار الإصلاحات التي تعزز استقرار السياسات المالية والنقدية، إلى جانب الطفرات المحققة في البنية التحتية للطاقة".
وأوضح أن قطاع البترول والغاز سيظل أحد أعمدة الاقتصاد، ليس فقط لأنه يوفر إيرادات مباشرة، بل لأنه يدعم نمو الصناعات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، ويجذب الاستثمارات الأجنبية، ويعزز القدرة التصديرية للمنتجات المصرية.
وشدد سعد الدين، على أن نجاح الدولة في تعزيز دور القطاعات الإنتاجية يعد خطوة أساسية نحو بناء اقتصاد قوي وقادر على المنافسة، وقال إن المرحلة المقبلة تتطلب استمرار دعم الاستثمار في الطاقة، وزيادة الشراكات مع القطاع الخاص، وتوسيع برامج الاكتشافات النفطية والغازية، مؤكدًا أن مصر تمتلك جميع المقومات التي تجعلها قادرة على الحفاظ على مسار النمو المرتفع وتحقيق معدلات أعلى في الأعوام المقبلة.
عودة النشاط الاقتصادي
من جانبه، أكد الدكتور محمد باغة، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة قناة السويس، أن الدولة المصرية استطاعت خلال الفترة الأخيرة تجاوز مرحلة الانكماش الاقتصادي التي مرّت بها، وأن تحقق معدلات نمو إيجابية في عدد من القطاعات الحيوية، نتيجة حزمة متكاملة من السياسات والإجراءات الاقتصادية التي استهدفت تنشيط السوق الداخلي، وتحفيز الاستثمار، واستعادة الثقة في بيئة الأعمال.
وأوضح "باغة" في تصريحات خاصة لـ "الدستور" أن هذه المرحلة تمثل نقطة تحول مهمة، تعكس قدرة الاقتصاد المصري على التكيف والصمود رغم التحديات العالمية والإقليمية، خاصة ما يتعلق بتذبذب سلاسل الإمداد وارتفاع أسعار الطاقة والمتغيرات الجيوسياسية في المنطقة.
وأشار إلى أن أحد أبرز المؤشرات على تحسن الأداء الاقتصادي هو تراجع وتيرة انكماش قطاع الاستخراجات، لافتًا إلى أن الاكتشافات الأخيرة في حقول الغاز والبترول لعبت دورًا محوريًا في تقليص معدلات الانكماش التي عانى منها القطاع خلال الفترات الماضية، مضيفا أن ضخ استثمارات جديدة في الاستكشاف والتنقيب أسهم في تعزيز الإنتاجية، ورفع القدرة التصديرية، وتخفيف الضغط على الميزان التجاري، وهو ما ساعد هذا القطاع على العودة تدريجيًا إلى مسار النمو.
وأكد أن زيادة الاستثمارات العامة كان لها تأثير مباشر في تحريك عجلة الإنتاج وتحفيز القطاعات المرتبطة بالبنية التحتية، مشيرا الي إن الدولة ضاعفت من حجم استثماراتها في مشروعات الطرق والموانئ والطاقة، الأمر الذي دفع قطاعات مثل التشييد والبناء وتجارة الجملة والنقل والخدمات اللوجستية إلى تسجيل تحسن ملحوظ في الأداء خلال الربع الأول من العام، وأشار إلى أن نجاح هذه الاستثمارات لا يقتصر على تحقيق نمو سريع، بل يمتد ليؤسس بيئة تنافسية مستدامة تتيح للقطاع الخاص توسيع نشاطه وزيادة قدرته على التوظيف.
تحسن ايرادات قناة السويس
وفي إطار قراءة المشهد الاقتصادي، شدد الدكتور باغة على أهمية الإنجاز الذي حققته قناة السويس، التي نجحت في تخطي مرحلة الانكماش لتسجل نموًا بلغ 8.6% للمرة الأولى منذ ديسمبر 2024، وذلك بعد استعادة الاستقرار في منطقة البحر الأحمر وعودة حركة الملاحة العالمية إلى وتيرتها الطبيعية مشيرا الي أن هذا التحسن يشير إلى أن القناة ما زالت أحد أهم مصادر الدخل القومي، وأن قدرتها على التعافي السريع تعكس مرونتها الاستراتيجية رغم الظروف الجيوسياسية.
ولفت الخبير الاقتصادي، إلى أن قطاعات الوساطة المالية والتأمين والكهرباء والتشييد وتجارة الجملة واصلت تعزيز النمو خلال الربع الأول، وهو ما يؤكد اتساع نطاق التعافي الاقتصادي وعدم اقتصاره على قطاع واحد.
وأوضح أن قطاع الوساطة المالية استفاد من تحسن بيئة الاستثمار وتزايد الإقبال على الأدوات المالية، بينما سجل قطاع التأمين نموًا مدفوعًا بتوسع الأنشطة الاقتصادية وزيادة الوعي بأهمية التأمين. أما قطاع الكهرباء، فحقق تقدمًا ملموسًا بفضل الاستثمارات الضخمة في محطات الطاقة والتوسع في الربط الكهربائي مع دول الجوار، الأمر الذي عزز قدرته على تلبية احتياجات الصناعة والخدمات.
أكد "باغة" أن تجاوز مرحلة الانكماش لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة خطة اقتصادية شاملة اعتمدت على دعم الإنتاج الحقيقي، وتحسين البنية التحتية، وتعزيز قدرات القطاعات الاستراتيجية، مشدد على أن استمرار هذا الزخم يتطلب مواصلة الإصلاحات الهيكلية، وإتاحة مساحة أكبر للقطاع الخاص، وترسيخ الاستقرار المالي، بما يضمن تحقيق معدلات نمو مستدامة تدفع الاقتصاد المصري نحو مرحلة جديدة من التطور والتوسع.















0 تعليق