فى ظل تسارع التطورات، تتزايد الأسئلة حول مصير المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ وما إذا كانت إسرائيل تسعى فعلًا لإفشاله، خصوصًا مع اجتماع الوسطاء لبحث الخروقات الإسرائيلية التى جعلت الاتفاق يبدو ثابتًا على الورق لكنه هش فى الميدان.
وبينما تبذل الدبلوماسية جهودًا مكثفة لتثبيت وقف إطلاق النار، تواصل إسرائيل التصعيد العسكرى، ما يدفع مسار التهدئة إلى مرحلة شديدة الحساسية. وتتعمق التساؤلات بشأن الاتجاه الذى يسلكه الاتفاق، فى وقت يتواصل فيه التصعيد فى الضفة والتعطيل فى غزة ضمن مقاربة تبدو أقرب إلى محاولة للهروب من استحقاقات المرحلة المقبلة.
وهكذا يجد اتفاق شرم الشيخ نفسه معلقًا بين التعهدات المعلنة والوقائع الميدانية التى تشير بوضوح إلى تعطيل إسرائيلى لعملية الانتقال إلى المرحلة الثانية.
وفى لحظة سياسية حرجة، ينشغل الوسطاء والضامنون مصر وتركيا وقطر بمحاولة تهيئة مناخ سياسى وأمنى يسمح باستكمال تنفيذ الاتفاق، فيما تختار إسرائيل مجددًا مواصلة التصعيد، ولا سيما عبر عملياتها الواسعة فى الضفة الغربية.
هذا السلوك يطرح تساؤلات جدية حول النوايا الإسرائيلية ومدى التزام حكومة نتنياهو بالمسار التفاوضى، فى ظل استمرارها فى المناورة والمماطلة كما اعتادت فى محطات عديدة سابقة.
وقد شهدت الأيام الأخيرة اجتماعًا رفيع المستوى ضم وفودًا من مصر وتركيا وقطر، فى إطار مساعٍ متقدمة لتسريع تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق شرم الشيخ.
وركز الاجتماع على تعزيز التنسيق مع الولايات المتحدة لضمان التزام إسرائيل ببنود الاتفاق ودفع عملية التهدئة قدمًا باعتبارها شرطًا أساسيًا للانتقال إلى الخطوات اللاحقة.
ووفق مصادر مصرية مُطلعة، ناقش المجتمعون إزالة العراقيل التى تؤخر تنفيذ البنود المتفق عليها، وعلى رأسها إلزام الجانب الإسرائيلى بوقف الخروقات والالتزام بالتسلسل الزمنى المحدد.
كما جرى التأكيد على استمرار دعم الدور المحورى لمركز التنسيق المدنى العسكرى باعتباره الآلية الأساسية لرصد تطبيق إجراءات وقف إطلاق النار والتعامل مع أى خروقات محتملة.
وفى الوقت الذى تبذل فيه جهودًا دبلوماسية مكثفة لضمان استقرار الوضع الميدانى، نفذ جيش الاحتلال الإسرائيلى عملية عسكرية واسعة فى محافظة طوباس شمالى الضفة الغربية، فى خطوة تضاف إلى سلسلة طويلة من الانتهاكات التى تعرقل مسار التهدئة. هذا التصعيد يبعث برسائل سياسية واضحة مفادها أن إسرائيل تتصرف وكأنها خارج إطار الاتفاق وتواصل فرض وقائع جديدة على الأرض.
ورغم أن اتفاق وقف إطلاق النار يبدو من الناحية الشكلية ثابتًا، فإن الواقع الميدانى يكشف عن هشاشته. فإسرائيل توسع يومًا بعد يوم من عملياتها، وتحاول إطالة أمد المرحلة الأولى، فى حين يتسم التحرك الأمريكى بالبطء تجاه الضغط للانتقال إلى المرحلة الثانية.
أما إسرائيل، التى تستخدم كل الأوراق الممكنة لتعطيل استكمال الاتفاق، فتبرز من بين ممارساتها تشكيل وفود تفاوضية من التيار المتشدد بهدف إبطاء خطوات إعادة إعمار غزة.
وتراهن الحكومة الإسرائيلية على أن استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية، ولا سيما مع دخول فصل الشتاء، قد يدفع الفلسطينيين إلى القبول بخيارات قسرية مثل ما يسوق له تحت عنوان «التهجير الطوعى»، على غرار المحاولات السابقة لنقل المدنيين نحو مطار رامون وغيره.
ويبرز السؤال الأبرز، هل تعمل إسرائيل على استبدال الخطة المتفق عليها بالكامل؟ فالمؤشرات السياسية تشير إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يسعى للتملص من البنود التى قد تقود فى نهايتها إلى مسار سياسى يقترب من إقامة دولة فلسطينية وهو ما يعارضه بشكل صريح.
لذلك يحاول تأخير الانتقال إلى المرحلة الثانية بكل السبل الممكنة عبر إثارة عراقيل ميدانية وسياسية تتيح خلق واقع جديد يسمح له بالتحلل من التزاماته.
وتتضح هذه الاستراتيجية فى محاولة فرض واقع يقسم غزة إلى منطقتين منفصلتين ميدانيًا تمهيدًا لخلق ترتيبات أمنية طويلة الأمد تبقى السيطرة الإسرائيلية المباشرة أو غير المباشرة.
والمشهد الحالى يعكس معادلة معقدة تجمع بين جهود دبلوماسية حثيثة يسعى من خلالها الوسطاء إلى تثبيت وقف إطلاق النار، وبين سلوك إسرائيلى يتسم بالمراوغة والتصعيد.
وبينما يظهر الاتفاق ثابتًا على الورق، تعمل إسرائيل على تقويضه على الأرض عبر تأخير مراحل التنفيذ وفرض وقائع جديدة، ما يجعل المرحلة المقبلة مفتوحة على احتمالات متعددة تحمل معظمها مخاطر على الاستقرار الإقليمى وعلى مستقبل العملية السياسية برمتها.















0 تعليق