الحد الأدنى للأجور.. صرخات عمالية تفضح أصحاب الشركات والأمل في حملات التفتيش

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

رغم الجهود المكثفة التي تبذلها الدولة لتطبيق الحد الأدنى للأجور وفقًا لـقانون العمل الجديد الذي دخل حيز التنفيذ في سبتمبر 2025، لا تزال بعض المنشآت الخاصة في مصر تواجه تحديات كبيرة في الالتزام به، وهو ما دفع وزارة القوى العاملة إلى إطلاق حملات تفتيشية موسعة على مستوى المحافظات المختلفة، تهدف إلى التأكد من التزام الشركات بحقوق العمال، وضمان دفع الحد الأدنى للأجور، مع فرض غرامات مالية مشددة على المخالفين قد تصل إلى مئات الآلاف من الجنيهات، بالإضافة إلى تحرير محاضر للعمالة الأجنبية غير المسجلة أو غير المرخصة.

تأتي هذه الحملات في إطار جهود الدولة لتقنين سوق العمل وتقليل العمالة غير الرسمية وتحسين بيئة العمل، بحيث تشمل التفتيش على صحة عقود العمل، التحقق من تراخيص المؤسسات، وضمان تسجيل جميع العمال في المنظومة القانونية، مع التركيز على حماية حقوق العمال وتأمين بيئة عمل عادلة ومستقرة.

وعلى الرغم من هذه الإجراءات، ما زالت بعض الشركات لا تلتزم بالقانون، وهو ما أكدت عليه بيانات وزارة القوى العاملة، فقد أسفرت الحملات التفتيشية خلال الفترة من سبتمبر إلى نوفمبر 2025 عن تحرير آلاف المحاضر لمخالفات عدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور، إضافة إلى مخالفات تشغيل العمالة الأجنبية بدون تراخيص، مع فرض غرامات متصاعدة عند تكرار المخالفات.

وقد شملت هذه الحملات معظم القطاعات، من شركات التأمين الكبرى والمؤسسات الصناعية إلى شركات التوصيل وشركات إعلامية، حيث تم رصد عدد من الحالات التي تعكس تجاهل بعض الشركات للقانون وعدم مراعاتها لحقوق العمال.

3000 جنيه مرتب "منال" الشهري في شركة تأمين.. و1700 جنيه لموظف آخر 

وللتأكد من حجم المشكلة على أرض الواقع، تواصلنا مع بعض العاملين في هذه القطاعات، والذين أبدوا معاناتهم اليومية؛ بسبب عدم التزام بعض الشركات بالقانون الجديد، فقالت منال أحمد من سكان القاهرة والتي تعمل في إحدى شركات التأمين الكبرى، إنها تتقاضى 3000 جنيه شهريًا فقط، دون الحصول على إجازات سنوية أو تأمين صحي، رغم الالتزامات القانونية الواضحة تجاه العمال. 

أما عمر سمير، موظف في إحدى الشركات الكبرى التي يمتلكها رجل أعمال شهير، فأوضح أنه يعمل 10 ساعات يوميًا مقابل 5000 جنيه فقط، وهو مبلغ يقل عن الحد الأدنى للأجور القانوني، وليس لديه وقت يكفي للعمل في وظيفة جانبية، ولا يجرؤ على ترك عمله خوفًا ألا يجد بديله ولا يستطيع نهائيًا الإنفاق على طفليه وزوجته.

ولم تكن هذه الحالات الوحيدة، فقد تواصلنا أيضًا مع أحد العاملين في مؤسسة إعلامية كبيرة يدعى محمد سمير- اسم مستعار - يعمل بها منذ ثماني سنوات وما يتقاضيه شهريًا فقط لا يتعدى 1700 جنيه شهريًا وهو المبلغ الذي لا يكفي لشراء 3 كيلو من اللحم، وهو مثال صارخ على استمرار بعض المؤسسات في مخالفة القانون وتجاهل حقوق موظفيها على الرغم من الخبرة الطويلة التي يمتلكها العامل.

وتشير هذه الحالات الواقعية إلى أن بعض الشركات الكبرى والمتوسطة ما زالت تتجاهل تطبيق القانون، ما يخلق فجوة واضحة بين نصوص القانون على الورق وبين الواقع الفعلي في السوق، وهو ما يستدعي استمرار الحملات التفتيشية المكثفة لضمان حماية العمال وتحقيق العدالة في سوق العمل وتفاؤل العاملين في هذه الأماكن أن تطول مؤسساتهم ذلك التفتيش وينتج عنها تمتعهم بالحد الأدنى للأجور الذي وفرته لهم حكومتهم.

ويرى الخبراء، أن استمرار هذه الحملات، خاصة التفتيش المفاجئ والمتزامن مع حملات التوعية، يمثل نقطة تحول مهمة في سوق العمل، حيث تساعد على فرض الانضباط القانوني وتقليل العمالة غير الرسمية، كما أن تطبيق القانون بشكل صارم سيضمن للعمال حقوقهم المالية والصحية والاجتماعية، ويعزز من قدرتهم الشرائية، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني ككل.

حملات تفتيش مستمرة

وتشير بيانات الوزارة، إلى أن هذه الحملات أثمرت عن تحرير آلاف محاضر المخالفات في مختلف المحافظات، ما يعكس إصرار الدولة على ضبط سوق العمل وتقنينه، مع ضمان حقوق العمال وتحقيق توازن بين مصالح الشركات والعمال، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030، وبينما ما زالت بعض المؤسسات تتجاهل القانون، تبقى حملات التفتيش والتوعية خطوة أساسية لإعادة الانضباط لسوق العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهو ما يمنح العمال الأمل في تحسين ظروفهم ورفع مستوى معيشتهم خلال المرحلة المقبلة.

إذ أنه خلال الفترة من 10 سبتمبر إلى 7 أكتوبر 2025، تم التفتيش على 1035 منشأة وتم تحرير حوالي 7000 محضر مخالفة، منها 493 منشأة لم تلتزم بالحد الأدنى للأجور وتم تغريمها بغرامات تتراوح بين 20 ألفًا و100 ألف جنيه، بالإضافة إلى محاضر لعمالة أجنبية غير مسجلة أو بدون تراخيص، وفي حملات أخرى نفذت في نوفمبر 2025، تم التفتيش على 1273 منشأة وتم تحرير 439 محضر مخالفة لعدم الالتزام بالحد الأدنى للأجور، ومنح 727 منشأة مهلة لتوفيق أوضاعها، كما تم تحرير 136 محضر مخالفات لتشغيل أجانب بدون تراخيص، وقد توزعت المخالفات على معظم المحافظات، خاصة في القطاعات الصناعية والخدمية وبعض شركات التوصيل، مع تركيز التفتيش على المؤسسات الكبرى والمتوسطة التي توظف أعدادًا كبيرة من العمال.

ويشير مراقبون إلى أن الالتزام بالقانون لا يحمي العمال فقط، بل يساهم في تحسين سمعة المؤسسات نفسها، ويخلق بيئة عمل أكثر استقرارًا وإنتاجية، ويحد من أي مشكلات قانونية مستقبلية، بينما استمرار بعض الشركات في تجاهل القانون، كما يظهر من الحالات الواقعية، يؤكد الحاجة إلى تصعيد الحملات التفتيشية ومتابعة نتائجها بدقة لضمان أن يتحقق الهدف الأساسي للقانون: حماية العمال وتحسين بيئة العمل في مصر.

كيف عاقب القانون المخالفين؟

ويستند قانون الحد الأدنى للأجور في مصر لعام 2025 إلى قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 2594 لسنة 2025، وهو تعديل على القرار رقم 1627 لسنة 2019 المتعلق بتحديد الحد الأدنى للأجور للعاملين في أجهزة الدولة والهيئات العامة الاقتصادية، وينص القانون على ألا يقل الحد الأدنى للأجور عن 7000 جنيه شهريًا للعاملين في الدرجة السادسة، على أن يرتفع تدريجيًا حتى يصل إلى 13،500 جنيه شهريًا للدرجة الممتازة.

ويشدد القانون على إلزام أصحاب العمل في القطاعين العام والخاص بتطبيق الحد الأدنى للأجور، بحيث تشمل المستحقات كافة ضمن إجمالي الأجر، مع تفويض نواب الوزراء بصلاحيات مراقبة وتنفيذ تطبيق القانون لضمان التزام المؤسسات المختلفة. 

وفي حال عدم الالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور، يفرض القانون عقوبات صارمة تشمل تحرير محاضر مخالفة وغرامات مالية تبدأ من 20 ألف جنيه وقد تصل إلى 100 ألف جنيه أو أكثر حسب حجم وطبيعة المخالفة، كما يؤدي تكرار المخالفات إلى تصعيد العقوبات التي قد تشمل الغلق الإداري للمؤسسة المخالفة في حال عدم الامتثال، مع متابعة دورية وتنفيذ حملات تفتيش مفاجئة من وزارة القوى العاملة لضمان التطبيق الفعلي للقانون.

ويهدف القانون إلى حماية حقوق العاملين وتحسين أحوالهم الاقتصادية، والتقليل من التفاوت في الأجور، مع ضمان عدالة تطبيق الأجور في أجهزة الدولة والقطاع الخاص، ويشكل هذا الإطار القانوني جزءًا من جهود الحكومة لتحسين بيئة العمل وتحقيق استقرار اقتصادي واجتماعي أفضل في مصر.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق