مهرجان القاهرة الذي أحبه مثلما أحببت ملجا

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

اسدل الستار على فعاليات الدورة ال ٤٦ لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي وأعلنت جوائز جميع مسابقات المهرجان (الكثيرة ) في ظل اندهاش كثيرين من بعض الجوائز وفرحة اخرين بالنتائج والتي تعتمد في المقام الأول على شيئين.. اولًا توجه وذائقة لجنة التحكيم والتي تختلف بطبيعة الحال من لجنة لأخرى فاللجان تتشكل من أفراد والأفراد مختلفون في نشأتهم ومشاربهم وذائقتهم وهذا ما يميز هذا عن ذاك وتلك اللجنة عن غيرها وبالتالي تحصل الأفلام على تقدير لجنة أفرادها يرون ذلك العمل افضل من غيره والعكس كان ممكنا ان تشكلت اللجنة من أفراد آخرون.. وبالتالي لا يوجد فيلم افضل من الآخر في العموم بل من وجهة نظر وذائقة تلك اللجنة التي تختلف حتما عن غيرها.

والشيء الثاني هو: مستوى إنتاجات العام على مستوى العالم.. فالتحكيم يقيم ما قدم له من أعمال وليس من دوره خلق او إعدام عمل ما.. التحكيم يعمل على ما هو مطروح أمامه وما قدم اليه.. فان كانت إنتاجات العام قوية الأمر يكون سهلا على اللجان.. أما ان تختار الافضل من المتاح قليل الجودة فهو ليس بالشيء الهين.

و إنتاجات العام في العموم وعلى مستوى العالم لم تكن كما عهدناها في سنوات سابقة وتظل هنالك أعمال جيدة وأخرى تجتهد وتزاحم -و ان على استحياء - وأعمال لا ترقى وتظل الكلمة الفصل واليد العليا للذائقة والتوجه.. ويعتقد البعض ان كثرة اللجان والمسابقات تتيح فرصا اكبر للأعمال الجيدة وهو امر غير صحيح من وجهة نظري فالجوائز تتفرق بين الإنتاجات وكثرة الجوائز تفقدها قيمتها وتفردها بل وتتعدد الجوائز في نفس الفرع فنجد جائزة لافضل فيلم عربي والتي حصل عليها فيلم ( كان يا ما كان غزة ) وهو فيلم يستحق جائزة ولكنه حصل على أربعة منها.. في حين حصد فيلم عربي آخر جائزة مسابقة (افاق السينما العربية ) وهو الفيلم اللبناني ( كلب ساكن ) فأي من الفيلمين اذًا هو الأفضل ؟!

أم أنهما في ذات المستوى ؟ وان صح ذلك فالجائزة كانت لابد وان تكون مناصفة بينهما ؟ اليس كذلك ؟ وهذا مثال سردته والأمثلة عديدة وهذا ما جعل لجنة (التحكيم الرسمية ) بعد صعودها على خشبة المسرح تقول نصًا أمام الحضور في المسرح ( واخيرا سنعلن النتائج) ( وكأن باقي اللجان فرعية غير رسمية وبلا قيمة او في منزلة اقل ) وبالتالي تكون جوائزها ايضا اقل قيمة !! وتظل القيمة لجوائز تلك اللجنة الرسمية فما حال بقية اللجان وما جدواها وما هي منزلتها او بعبارة ادق في اي مرتبة او منزلة يمكن تصنيف او وضع جوائزها ؟!

اعلم ان مهرجان القاهرة مهرجانا كبيرا بل ويكبر ويتقدم بمرور الايام والسنين ويود الجميع المشاركة والفوز فيه..في حين ان مجرد المشاركة في المهرجان العريق هي فوز أكيد وبالتالي لا داعي في اعتقادي وليس هنالك ضرورة في وجود لجان تضخ جوائز قد تتشابه بل وتتعارض في بعض الأحيان اما عن النتائج والتي جاءت -و كما أوضحت - مخيبة لامال البعض او مسيسة او لترضية اكبر شريحة ممكنة فقد كانت المحصلة هو اندهاش وذهول كثيرين ( جمهور ونقاد ) من تجاهل فيلم تحدث عنه كثيرون بإعجاب واندهاش يصل إلى حد الغضب من تجاهله تماما من ماراثون الجوائز التي أمطرت غالبية الأفلام.. ففيلم ( زنقة مالجا )

والذي سأكتب عنه مقالا موضوعيا لأنصفه كما نصفه جمهورا عريضا ونقادا غيري والانحياز للفيلم من الجمهور قبل النقاد او معهم يعني انه حصل بالفعل على اكبر وارفع جائزة من الممكن ان يحصل عليها فيلما شارك في حلبة السباق وهي نسبة المشاهدة والإقبال والحب التي تعني ( جائزة الحبيب يوسف شريف رزق الله ) وهي ( جائزة الجمهور ) التي يمنحها الجمهور لفيلم أحبه وأسعده دون ان تتدخل السياسة او اي اعتبارات أخرى في النتائج فجائزة الجمهور.

 و مع كامل احترامي وتصديقي ايضا لآلية التصويب ونزاهتها هي ما ينطق به الجمهور الذي سمعته بنفسي وهو يهتف ( لا يهمس فقط ) باسم فيلم ( زنقة ملجا ) في كل مرة كانت تقف لجنة من اللجان المعنية لتعلن أسم الفيلم الفائز في مسابقتها.. فان ينطق الجمهور باسم فيلم كان في المسابقة في قلب المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية في حفل ختام مهرجان سينمائي ليس لديه عندي سوا معنى واحد وهو منح الجمهور جائزته للفيلم الذي كان يستحق ايضا من وجهة نظري جائزتين آخرتين وهما اولًا جائزة ( احسن ممثلة ) للممثلة الإسبانية الكبيرة ( كارمن ماورا) البالغة من العمر ٨٠ عاما وقامت بأداء دور الأم في هذا الفيلم الملهم المبهج الذي ينتصر للحياة والذاكرة والإنسان والمكان والعمر ( الذي هو مجرد رقم )

 ولا شيء غير ذلك..فالبطلة الأم في الفيلم تبلغ ( ٧٩ عاما ) وهي تيمة نجدها في افلام كثيرة مؤخرا وظهرت ايضا في فيلم افتتاح المهرجان واقصد الفيلم البرازيلي الرائع ( the blue trail) وبطلته التي تبلغ من العمر ٧٧ عاما وذهبت في رحلة ومغامرة لاكتشاف الحياة فالعمر حقا مجرد رقم لا يستطيع هزيمة الحياة او هزيمة المرأة التي ارادت الحياة واختارتها واختارت ان تحياها كما تحب وتريد كذلك جائزة السيناريو والتي كانت حتمًا تليق ويليق بها فيلم ( زنقة ملجا ) ثالث افلام المخرجة المغربية ( مريم توزاني) التي تشارك بفيلمها لأول مرة في مهرجان القاهرة كما شارك رفيق رحلتها ( المخرج المغربي الفذ نبيل عيوش ) بفيلمه الأول ( مكتوب ) في فعاليات مهرجان القاهرة العريق منذ اكتر من ٢٠ عاما.. فالقاهرة لم تضن من قبل على مبدع لتضن اليوم على (مريم ) المخرجة والسيناريست التي انتصرت لوطنها وجذورها في شمال المغرب وعلاقة المكان الوطيدة باسبانيا والتمازج بين الحضارتين دون انبطاح او انسحاق بل بإنسجام وتناغم وانصهار في بوتقة ثرية متدفقة.. فلماذا إذا ومن مصلحة من ان يضام فيلم أحبه الجمهور والنقاد ؟! 

فيلم ينتصر للحياة وللمرأة وللعمر وللذاكرة وللمكان ؟! السينما لم تظلم يومًا لتظلم.. السينما لا تعرف الظلم بل تعرف الإنصاف السينما لا تعرف الإظلام بل الإشراق دومًا وقد أشرق علينا بالفيلم الثري بنوره الأخاذ الذي لم يزغلل أبصارنا بل جعلها تحدق لترى الحلا والبهاء مجسدا على شاشة سينما جذبت لها جمهورا عريضا منح جائزته شفاهيا وبأعلى صوت للفيلم المبهج حتى وان تجاهلته اللجان او تعالت عليه موغلة في خية ينزلق فيها كثيرون عنوانها الكبير هو ( هوس العمق ) و( ان تعاف الجمال وكل ما هو مشرق كي لا تتهم بالسطحية او الانحياز لشباك التذاكر )

 فالناجح عند هؤلاء هو من يجذب اليه القلة ! اما ان تصدر الكثيرين فهذا يعني لديهم بالضرورة ان العمل الإبداعي تجاري وسطحي لا يرقى لمستوى المهرجانات والجوائز !!عجبًا حقًا للمنطق المعوج الذي حتما يكره السينما بل وبكره الحياة ونحن نحب السينما ونحب المهرجان العريق وننتصر لهما وننتصر للحياة ما استطعنا اليهم سبيلا.. والسينما هي السبيل وهي المبتغى واحد السبل التي توصلنا للحياة المكتملة التي نتوق اليها بكافة تجلياتها ومعانيها البسيطة والعميقة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق