قال محمود أحمد عبد الله، مدير عام الإدارة العامة للشئون القانونية بوزارة العمل، إن الوظيفة في مصر لم تعد تُشترى، وإن السفر للعمل في الخارج لم يعد مغامرة يرتبط بها كثير من الوعود الكاذبة، حيث أن قانون العمل الجديد رقم 14 لسنة 2025 لم يقتصر على إعادة صياغة العلاقة بين العامل وصاحب العمل، بل تجاوز ذلك إلى إعادة هيكلة السوق التي تُشغّل الناس في الأساس، ولأن أخطر منافذ التلاعب والاستغلال كانت دائمًا مرتبطة بملف التشغيل في الداخل والخارج، فقد توقف المشرع أمام هذا الملف طويلًا، ووضع له تنظيمًا دقيقًا ومتكاملًا وشفافًا.
وفي إطار هذا التنظيم، أشار "عبدالله" في تصريحات لـ"الدستور"، إلى أن القانون وضع قاعدة أساسية مفادها أن مزاولة نشاط إلحاق العمالة أو الوساطة في التشغيل باتت مشروطة بالحصول على ترخيص رسمي من الجهة المختصة، ويشمل ذلك كل من يعمل في مجال توفير فرص العمل داخل مصر أو خارجها، سواء كان مكتبًا أو شركة أو فردًا يعمل بشكل مستقل، حيث لم يعد مسموحًا لأي جهة بالتحرك خارج الإطار القانوني أو دون الخضوع لإشراف الدولة، ولم يعد الترخيص وحده كافيًا، إذ يشترط القانون وجود مقر مناسب ومعلن، وإدارة مؤهلة ومسؤولة، وسجل إداري واضح تُدوَّن فيه بيانات المتقدمين وطبيعة الفرص المعلَن عنها، مع وجود نظام للتفتيش الفني والإداري الدوري، وكل ذلك ينظمه قرار واضح يصدر عن الوزير المختص.
وأشار إلى أن القانون الجديد شدد على تنظيم عملية الإعلان عن الوظائف، بعدما كانت الإعلانات غير المنضبطة، سواء على الإنترنت أو في الصحف أو عبر اللافتات، تمثل مدخلًا واسعًا للتلاعب، كما وضع المشرع شروطًا دقيقة لأي إعلان عن فرص العمل، أهمها أن يكون الإعلان صادقًا ومحددًا وواضح المعلومات، وأن يصدر فقط من جهات مرخصة، وألا يتضمن أي وعود مضللة أو شروط غير حقيقية، كما ألزم الجهات المعلِنة بإخطار الجهة الإدارية المختصة بنسخة من الإعلان لمراجعته وضمان صحته.
وأضاف أن أبرز قواعد التنظيم الجديد ما يتعلق بحقوق العامل، إذ أكد القانون بصيغة قاطعة أنه لا يجوز بأي شكل، مباشر أو غير مباشر، مطالبة العامل بدفع أي مقابل مادي للحصول على فرصة عمل، سواء داخل مصر أو خارجها، بما يشمل رسوم فتح الملف أو المصاريف الإدارية أو غيرها من المسميات، ووضع المشرع استثناءً محدودًا يسمح للجهات المرخصة بإلحاق العمالة بالخارج بتحصيل نسبة لا تتجاوز 1% من أجر العامل في السنة الأولى فقط كمصروف إداري، وهي نسبة لا تُحصَّل إلا مرة واحدة وتخضع لإشراف وزارة العمل لمنع أي تجاوز.
ولفت مدير عام الإدارة العامة للشئون القانونية بوزارة العمل، إلى أن أهمية هذا التنظيم تأتي من واقع سنوات طويلة انتشرت خلالها مكاتب غير مرخصة تستغل أحلام الشباب، وتفرض عليهم مبالغ مالية مقابل وعود بلا أساس، ما أدى إلى ضياع الحقوق وتوقيع عقود وهمية، ووصول بعض الحالات إلى نهايات مأساوية خارج البلاد دون حماية قانونية، أما اليوم، فيؤكد القانون الجديد أن من يقوم بالتشغيل يخضع للقانون، ومن يبحث عن فرصة عمل فهو محمي بالقانون.
وأوضح أن القانون الجديد يحمل رسالة واضحة مفادها أنه لا يستهدف أصحاب مكاتب التوظيف الملتزمين، بل يوفر لهم بيئة تنافسية نظيفة ويعزز مصداقيتهم أمام العامل والدولة، ويمنحهم إطارًا قانونيًا واضحًا لممارسة نشاطهم، وفي المقابل، يغلق الباب أمام السماسرة والوسطاء غير الرسميين الذين طالما استغلوا الشباب.
وقال إن طريق الوظيفة اليوم أصبح قائمًا على الحق وليس على المال، ومن اللحظة التي يبدأ فيها الفرد البحث عن فرصة عمل داخل مصر أو خارجها، فإن القانون يقف إلى جانبه، ويبقى على العامل ألا يوقع على أي ورقة دون فهمها، وألا يدفع مقابل وظيفة، وألا يثق في أي إعلان مجهول، فقد وضع التنظيم الجديد العامل في صدارة اهتمامه، كصاحب كرامة وقيمة، ومواطن له قانون يحميه.









0 تعليق