أيام الصلاة الأقباط في "صوم الميلاد".. تسابيح وقداسات وخلوات روحية حتى العيد

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تستعد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لبدء صوم الميلاد لعام ٢٠٢٥، الذى يبدأ فى ٢٥ نوفمبر الجارى، وينتهى ليلة عيد الميلاد المجيد فى ٦ يناير ٢٠٢٦.

وخلال فترة الصوم، تقيم الكنائس فى مختلف الإيبارشيات أكثر من قُداس يوميًا، لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من المصلين للمشاركة فى قداسات الصوم والاحتفال بهذه المناسبة الروحية السنوية.

ويترأس البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، قداس ليلة عيد الميلاد المجيد، في كاتدرائية «ميلاد المسيح» بالعاصمة الإدارية الجديدة، بحضور كبار رجال الدولة والوزراء وأعضاء البرلمان، إلى جانب قيادات الكنيسة القبطية.

وكشفت مصادر كنسية عن برنامج تحركات البابا تواضروس الثانى، خلال فترة الصوم، مشيرة إلى أنه سيقضى خلوته الروحية بين القاهرة والإسكندرية ودير الأنبا بيشوى فى وادى النطرون، وفق التقليد المتبع لدى بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية، على أن يتزامن ذلك مع إغلاق الأديرة القبطية أبوابها أمام الزوار مع بدء الصوم، لإتاحة الفرصة للرهبان لقضاء فترة الخلوة الروحية.

تزيين «شجرة الميلاد» فى كنيسة القيامة لأول مرة منذ اندلاع الحرب فى غزة

قال أديب جودة الحسينى، أمين مفتاح كنيسة القيامة فى القدس، إن كنيسة القيامة وسائر كنائس المدينة المقدسة تستعد لاستقبال صوم الميلاد المجيد بأجواء من الرجاء والامتنان، خاصة بعد توقف الحرب وعودة الهدوء النسبى إلى القدس.

وأضاف «الحسينى»: «كما جرت العادة، يُحتفل بعيد الميلاد المجيد فى كنيسة المهد ببيت لحم، ليلة ٢٤ من ديسمبر. فيما تُفتح أبواب كنيسة القيامة فى القدس، صباح يوم ٢٥، عند الساعة الثامنة بدلًا من الرابعة فجرًا، لتقام الصلوات والقداديس فى هذا اليوم المبارك».

وواصل: «هذا العام يحمل طابعًا مميزًا، إذ يأتى بعد ثلاث سنوات لم تُزين خلالها شجرة عيد الميلاد بسبب ظروف الحرب، لكن مع انتهائها تستعد المدينة المقدسة لإعادة تزيين الشجرة، وإحياء الاحتفالات الدينية والصلوات، فى أجواء من الفرح والسلام».

وفيما يتعلق بنظام القداسات خلال صوم الميلاد فى القدس، بيّن «الحسينى» أن الصلوات تُقام وفق تقاليد كل طائفة، حيث تحتفظ كل كنيسة بنظامها الروحى والطقسى الخاص. 

وأوضح أنه فى الكنيسة الأرثوذكسية يبدأ الصوم فى ٢٨ نوفمبر، ويستمر حتى ٦ يناير. وتشهد الكنائس خلاله قداسات يومية وصلاة الغروب والتسابيح الخاصة، مع التركيز على الصلوات التأملية استعدادًا للعيد.

وفى الكنيسة الكاثوليكية، يبدأ زمن المجىء «الأدفنت» قبل ٤ أسابيع من عيد الميلاد. وتُقام خلاله قداسات صباحية ومسائية تتضمن قراءات من العهد القديم والإنجيل حول البشارة والميلاد. وتتكثف الصلوات فى الأسبوع الأخير قبل العيد.

وفى الكنيسة الأرمنية، يُحتفل بعيد الميلاد فى السادس من يناير، ويمتد الصوم حتى هذا التاريخ، حيث تشهد كنائسهم فى القدس، خاصة فى دير الأرمن بالحى الأرمنى، قداسات وصلوات تحضيرية يومية مع تلاوة الأناشيد الطقسية الخاصة، وفق «الحسينى».

واختتم بتأكيد أن كل الطوائف المسيحية تجتمع فى هذه الفترة بروح واحدة من الصلاة من أجل السلام، خاصة بعد توقف الحرب، ما يمنح هذا الصوم معنى أعمق من أى عام مضى.

خلاف بين الكنائس حول موعد الصوم

تبدأ الكنيسة الكاثوليكية فى مصر صوم الميلاد، يوم ١٠ ديسمبر ٢٠٢٥، الذى ينتهى ليلة عيد الميلاد المجيد فى ٢٤ من الشهر نفسه. ويترأس الأنبا إبراهيم إسحق، بطريرك الأقباط الكاثوليك، القداس الإلهى، مساء ليلة العيد، فى كاتدرائية «السيدة العذراء مريم» بمدينة نصر، بمشاركة أساقفة الكنيسة. 

وفى صباح يوم العيد، ٢٥ ديسمبر، يستقبل «إسحق» البابا تواضروس الثانى، بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية، على رأس وفد من الكنيسة الأرثوذكسية، لتقديم التهنئة بعيد الميلاد، فى مقر بطريركية الكاثوليك بكوبرى القبة.

وبالنسبة للكنيسة السريانية فى مصر، فيبدأ صوم الميلاد يوم ١٥ ديسمبر، ويستمر حتى ٢٥ من الشهر نفسه، حيث تحتفل بعيد الميلاد وفقًا للتقويم الغربى. 

وقال الأب فيلبس عيسى، راعى طائفة السريان الأرثوذكس فى مصر، إن هذا الصوم يمتد لـ١٠ أيام فقط، بعدما كان فى الأصل أربعين يومًا، ثم خُفف إلى خمسة وعشرين يومًا، قبل أن يقر مجمع حمص عام ١٩٤٦ تقليصه إلى عشرة أيام فى عهد البطريرك مار إغناطيوس أفرام الأول برصوم.

وأضاف «عيسى»: «هذا الصوم يُمارس استعدادًا لاستقبال ذكرى ميلاد الرب يسوع بالجسد، وتذكارًا لحالة البشرية قبل الميلاد من حزن الخطية وظلام الجهل وعبودية إبليس، حتى جاء المخلص وفدانا بتجسده».

وواصل: «الصوم لا يقتصر على الامتناع عن بعض الأطعمة والمشروبات، بل هو نظام روحى يشمل الجسد بكل حواسه، ويُعبر عن الطاعة لله وشرائعه، مع الالتزام بالصلوات الطقسية والفردية وأعمال الرحمة».

وأشار إلى ما ذكره العلامة ابن العبرى «١٢٨٦» بأن للصوم ثلاث درجات، الأول الصوم العام وهو الامتناع عن الطعام والشراب طوال النهار، والاكتفاء بالحبوب والبقول مساءً، مع الامتناع عن اللحوم ومنتجاتها، والثانى الصوم الخاص، وهو صوم المتوحدين، والثالث الصوم الخاص للغاية، وهو صوم الكاملين، حيث يقترن الامتناع عن الطعام بصوم الحواس والنفس عن الأفكار الرديئة.

أما كنيسة الروم الأرثوذكس، فبدأت صوم الميلاد فى ١٥ نوفمبر ٢٠٢٥، لمدة ٤٠ يومًا تنتهى بعيد الميلاد المجيد فى ٢٥ ديسمبر. ويترأس البابا ثيؤدوروس الثانى، بطريرك الروم الأرثوذكس، قداس العيد، فى كنيسة الروم الأرثوذكس بالظاهر. ثم يستقبل البابا تواضروس الثانى على رأس وفد من الكنيسة الأرثوذكسية للتهنئة بالعيد.

 

الصوم ظهر للمرة الأولى فى القرن الـ11.. ويستمر لمدة 43 يومًا عند «الأرثوذكس»

 

قال مرقس ميلاد، الباحث الكنسى، إن عيد الميلاد لم يبدأ كعيد مستقل قبل القرن الرابع الميلادى، وكان يسبقه «صوم البرامون»، الذى يمثل يوم الاستعداد بالصوم للعيد، مشيرًا إلى أن الاحتفال بهذا العيد انتشر فى الغرب أولًا، ثم انتقل إلى الكنائس الأخرى فى الغرب والشرق. وأضاف «ميلاد»: «صوم الميلاد فى الكنيسة القبطية رتبه البابا خرستوذولس، وهو البطريرك رقم ٦٦ للكنيسة، وكان ذلك فى القرن الـ١١ للميلاد، فقد قال فى قوانينه: كذلك صوم الميلاد المقدس يكون من عيد مار مينا خمسة عشر يومًا من هاتور إلى سبعة وعشرين يومًا من كيهك، وذلك على اعتبار أن الصوم الذى يسبق العيد هو (البرامون)».

وواصل: «أما البابا كيرلس الثانى، وهو البطريرك رقم ٦٧، فقد قال فى قوانينه: يجب على جماعة النصارى أن يصوموا الأربعين المقدسة (الصوم الكبير)، وصوم الحواريين (الرسل)، والميلاد، فى وقتهم دون تأخير. ذكر ذلك العلامة ابن كبر وابن العسال فى قوانينهما». وأكمل: «البابا جبريال الثامن، فى نهاية القرن الـ١٦ الميلادى، حاول أن يجعل الصيام فى قوانينه مدته شهر كيهك فقط، وذلك سنة ١٦٠٢، لكن بعد نياحته رجع الصوم إلى وضعه الطبيعى، ومدته ٤٣ يومًا».

وعن سبب صوم الميلاد، أفاد بأن آباء الكنيسة اليونانية فسروا هذا الصوم بقولهم: «كما صام موسى النبى ٤٠ يومًا على جبل سيناء لتسلم وحى الشريعة، فنصوم نحن أيضًا أربعين يومًا لاستقبال السيد المسيح».

وأشار الباحث الكنسى إلى ارتباط شهر كيهك بصوم الميلاد، الذى يعد من أصوام الدرجة الثانية، وتسمح فيه الكنيسة بأكل الأسماك، ومدته ٤٣ يومًا، تبدأ يوم ٢٥ نوفمبر من كل عام، وتنتهى يوم عيد الميلاد المجيد فى ٧ يناير. وأكد كيرلس كمال، الباحث الكنسى، أن أول نص قانونى فى الكنيسة القبطية حول صوم الميلاد كان فى قوانين البابا خرستوذولس، ونص على أن مدة الصوم حوالى ٤٣ يومًا، على أن يُحتفل بالعيد يوم ٢٩ كيهك.

وأضاف «كمال»: «قديمًا، وبعد فصل عيد الميلاد عن الغطاس، كان الصوم يومًا واحدًا، وهو يوم البرامون المقدس، ثم فى زمن الأسقف ساويرس بن المقفع، أى فى القرن العاشر الميلادى، ذكر أن هناك صومًا قبل عيد الميلاد، لكن لم يحدد مدته». وواصل: «من خلال كتابات ابن كبر، فى القرن الرابع عشر الميلادى، نجد إشارة إلى أن أهل مصر والوجه البحرى التزموا بما وضعه البابا خرستوذولس فى قانونه بخصوص صوم الميلاد. أما أهل الصعيد فكانوا يصومون صوم شهر كيهك فقط، ما يعنى أن صوم الميلاد ظل فترة قبل تثبيته فى الكنيسة القبطية فى الوجهين القبلى والبحرى».

هل يرتبط صوم الميلاد بأعجوبة نقل جبل المقطم؟

قال شريف رمزى، عضو اللجنة البابوية للتاريخ القبطى، فى دراسة تفصيلية، إن الأصل التاريخى لصوم الميلاد لا يرتبط بما يُعرف بأعجوبة نقل جبل المقطم. 

وأوضح «رمزى» أن القوانين القديمة، مثل «الدسقولية»، لم تذكر شيئًا عن صوم الميلاد، بل أشارت فقط إلى عيد الميلاد الذى بدأ الاحتفال به فى القرن الرابع، حيث رتبت الكنيسة أن يسبقه صوم ليوم واحد للاستعداد، وهو ما يُعرف بـ«البرامون». 

أما صوم الميلاد بصورته الحالية، فبين أنه لم يكن معروفًا فى الكنيسة القبطية قبل عهد البابا خرستوذولس، البطريرك الـ٦٦، فى القرن الحادى عشر، إذ نقله عن كنائس الغرب.

والأيام الثلاثة الأولى من صوم الميلاد، يربطها بعض المؤرخين المحدثين بمعجزة نقل جبل المقطم فى عهد البابا أبرام بن زرعة، البطريرك الثانى والستين، والخليفة المعز لدين الله الفاطمى فى القرن العاشر.

وقال «رمزى» عن ذلك: إن محاولات البحث المتكررة لم تقده إلى أى إشارة أبعد من تلك الواردة فى كتاب «الخريدة النفيسة» للراهب أفرام البراموسى، صاحب مجلة صهيون، وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام ١٨٩٢م، قبل أن يُرسم مؤلفه أسقفًا على دير البراموس باسم الأنبا إيسوذورس.

وأضاف: «هذا الكتاب رغم أهميته ظل محل انتقاد دائم، لافتقاره التحقيق العلمى وميوله إلى الأحكام المسبقة، فضلًا عن إشكالية التوثيق، إذ لا يُعرف على وجه التحديد المصادر التى اعتمد عليها الكاتب».

وواصل: «تناول الراهب البراموسى فى كتابه أعجوبة نقل الجبل بشرح وافٍ، مستهلًا حديثه بذكر مآثر البابا أبرام بن زرعة، البطريرك المعاصر للمعجزة، الذى أضاف ثلاثة أيام إلى صوم الميلاد بعد أن كان أربعين يومًا فقط، وجعلها تذكارًا للحادثة الشهيرة وفريضة لحماية الكنيسة من مثل هذه المحن مستقبلًا».

وأكمل: «للأسف، ترسخ هذا الاعتقاد فى الأوساط الكنسية حتى تسرب أخيرًا إلى السنكسار- وهو كتاب طقسى يحوى أعياد القديسين ومناسبات كنسية أخرى تُقرأ منه فصول يومية فى القداسات- فى نسخته المعدلة الصادرة عن اللجنة المجمعية للطقوس، طبعة دير السريان، وللمرة الأولى فى التاريخ أصبحت الكنيسة تحتفل رسميًا بتذكار معجزة نقل جبل المقطم فى ثالث أيام صوم الميلاد، بعدما أُدرجت المناسبة فى السنكسار المعدل تحت يوم ١٨ هاتور».

وتولت اللجنة المجمعية للطقوس تنقيح السنكسار بتكليف من البابا شنودة الثالث، عام ١٩٨٨، وأنهت عملها فى يونيو ١٩٩٠، غير أن النسخة المعدلة لم تُنشر إلا فى يوليو ٢٠١٢، بعد رحيل البابا شنودة.

«كيهك».. «الشهر المريمى» الذى تكثر فيه تراتيل العذراء

يعد كيهك أكثر الشهور روحانية وتقديسًا لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وتوافق بدايته يوم ٩ ديسمبر من كل عام، ويسمى بـ«الشهر المريمى»، نظرًا لما يشهده من كثرة صلوات التسبحة والتراتيل الخاصة بالسيدة العذراء مريم، التى خصصت لها الكنيسة كتابًا خاصًا، برئاسة عدد من كبار الأساقفة فى مختلف الكنائس.

وقال مرقس ميلاد، الباحث الكنسى، إن شهر كيهك من كل عام يعد مساحة مقدّسة، تحتضن قلوب المؤمنين فى رحلة انتظار المسيح، مضيفًا: «كيهك هو شهر التسابيح والرجاء، حيث تتزين الكنيسة بصوت المردات الكيهكية الطويلة، التى لا تُرهق الروح، بل تفتح لها بوابة نحو السماء».

وواصل الباحث الكنسى: «فى كيهك، يتجدد الوعى بأن الخلاص لم يكن فكرة، بل حدث دخل التاريخ، حين قبلت العذراء أن تكون مسكنًا للكلمة. كيهك هو شهر العذراء، بكل ما تحمله من طاعة، ونحن نقف أمامها لا لنُعطيها ما يفوق الطبيعة، بل لنرى فيها نموذج الإنسان الذى فتح قلبه لله بلا حساب».

وأكمل: «فى هذا الشهر، تذكّرنا الكنيسة بأن الإعداد للميلاد ليس زينة خارجية، بل تهيئة داخلية، فالقلب الذى ينتظر المسيح هو المذود الحقيقى، والنفس التى تتطهر بالتوبة هى الحظيرة التى يدخلها الراعى الصالح، لذا لا يمر كيهك كصفحة فى التقويم بل كمدرسة روحية، ندخلها لنتتلمذ على الاتضاع والرجاء والتسليم».

وتابع: «كل ليلة من ليالى كيهك، حين يرتفع صوت التمجيد، تبدو الكنيسة وكأنها تتدرّب على لغة السماء. حتى إذا جاء عيد الميلاد، لا نحتفل بمجرد ذكرى، بل بلقاء حىّ مع كلمة الله، الذى أشرق نورُه فى العالم، ليحوّل ظلمة القلب إلى فجر جديد».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق