يشهد العالم حالة طوارئ مناخية غير مسبوقة، تحذر منها تقارير برنامج الأمم المتحدة للبيئة، والتي تؤكد أن الأوضاع الحالية تتطلب تحوّلًا عاجلًا في السياسات والممارسات البيئية العالمية، قبل أن تحدث تغيرات مناخية حادة تتجاوز 3 درجات مئوية، بجانب خفض الانبعاثات بنسبة 57% بحلول عام 2035 مقارنة بمستويات 2019، للحفاظ على هدف الحد الأقصى للاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية كما نصّ عليه اتفاق باريس.
وفي منطقة غرب آسيا، تبرز هشاشة شديدة جراء المناخ الجاف وشبه الجاف، إضافة إلى تحديات التوسع العمراني غير المستدام وسوء إدارة الموارد المائية، ما يجعلها من بين الأكثر تعرضًا لآثار التغير المناخي، من حرائق الغابات إلى موجات الحر والجفاف، تزداد حاجة المنطقة إلى تبني استراتيجيات بيئية متكاملة تدعم التكيف وتخفف من الأزمات البيئية العابرة للحدود.
في هذا السياق، يبرز دور برنامج الأمم المتحدة للبيئة في دعم الدول وتعزيز التعاون الإقليمي.
"الدستور" حاورت سامي ديماسي، المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا.
وإلى نص الحوار
في البداية.. كيف يقيّم برنامج الأمم المتحدة للبيئة خطورة الوضع المناخي الحالي على المستوى العالمي؟ وهل تجاوزنا مرحلة الخطر؟
يؤكد برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أنّ العالم يعيش حالة طوارئ مناخية، ويحتاج إلى تحوّل فوري في السياسات والممارسات الحالية، فقد أشار تقرير فجوة الانبعاثات 2024 إلى أنّ العالم بحاجة لتخفيض الانبعاثات بنسبة 42% بحلول عام 2030، و57% بحلول عام 2035، مقارنة بمستويات عام 2019، من أجل الحفاظ على هدف الحد الأدنى للاحتباس الحراري عند 1.5 درجة مئوية الذي نصّ عليه اتفاق باريس والذي التزمت الدول بالسعي إلى عدم تجاوزه لتفادي أسوأ آثار تغيّر المناخ.
إذا استمرت طموحات التخفيف كما تعكسها السياسات الحالية والمساهمات المحددة وطنيًا (NDCs)، فإنّ فرص الحدّ من الاحترار إلى عتبة 1.5 درجة مئوية تصبح شبه معدومة، وهنا يكمن دور برنامج الأمم المتحدة للبيئة المحوري في تقديم حلول علمية وتطبيقية متكاملة، مثل تشجيع التحوّل إلى انبعاثات منخفضة الكربون وخالية من الكربون في قطاعات الطاقة والنقل والصناعة، وتمكين المجتمعات من التكيّف من خلال بناء أسس بيئية مرنة، ودعم المشاركة العامة وتغيير السلوك من خلال الحملات العالمية والبرامج التعليمية، والتوجّه نحو استراتيجيات التكيّف مع المناخ والانبعاثات المنخفضة، ودعم أنظمة الرصد المبكر والاستجابة للكوارث المناخية، بالإضافة إلى العمل على دمج هذه الإستراتيجيات في السياسات الوطنية.
وتُظهر البيانات، أنّ الانبعاثات ارتفعت إلى 57.1 مليار طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون عام 2023، أي زيادة بنسبة 1.3% مقارنة بالعام السابق، ويحدّ سيناريو "استمرار جهود التخفيف التي تتضمّنها السياسات الحالية" (Business as usual) من ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي إلى حد أقصى يصل إلى 3.1 درجة مئوية على مدى القرن في حين لا يزال هناك احتمال بنسبة 10% أن يتجاوز الاحتباس الحراري 3.6 درجة مئوية.
وبالتالي، تتوقّف فرص عدم تجاوز الاحترار 1.5 درجة مئوية على الاستجابة لعاملين اثنين: تحقيق تخفيض أكبر للانبعاثات خلال السنوات القادمة، والاستمرار في السعي إلأى تحقيق أهداف صافي الانبعاثات الصفرية بحلول منتصف القرن وما بعده، لذلك فإنّ تجاوز أهداف المساهمات المحدّدة وطنيًا لعام 2030، أي خفض مستويات الانبعاثات في 2030 إلى ما دون ما تشير إليه المساهمات الحالية، وتقديم مساهمات جديدة وطموحة لعام 2035 يعدّان أمرين أساسيين للإبقاء على الاحترار قريبًا قدر الإمكان من 1.5 درجة مئوية.
ما أكثر المناطق هشاشة في غرب آسيا من حيث التأثر المباشر بالتغيّر المناخي؟ وما أسباب ذلك؟
تُعد منطقة غرب آسيا من مناطق العالم الهشّة تجاه تغيّر المناخ، وأبرز أسباب الهشاشة هي المناخ الجاف وشبه الجاف الذي يحدّ من القدرة على تخزين مياه الأمطار، والتوسّع العمراني والزراعي غير المستدام على حساب البيئة وانخفاض الاستثمار في البنى التحتية المائية وسوء إدارة الطلب على الموارد، وعدم وجود تعاون كافٍ لإدارة موارد المياه المشتركة بين الدول.
ووفق تقرير توقعات البيئة العالمية، التقييم الإقليمي السادس لمنطقة غرب آسيا GEO-6، من المتوقّع أن ينخفض هطول الأمطار بنسبة 20% في منطقة غرب آسيا خلال العقود المقبلة، فنحو 40 % من الأراضي في غرب آسيا مهددة بالتصحر، ويزيد ارتفاع درجات الحرارة من ضغط التبخر، مما يؤدي إلى التوسع في الصحاري وتراجع القدرة على الزراعة، وبين عامي 2014 و2024، شهدت المنطقة سلسلة من الكوارث المناخية، من بينها موجات حر غير مسبوقة وحرائق غابات وفيضانات مفاجئة، وعواصف مدارية، كشفت عن ثغرات في البنية المؤسسية والحوكمة البيئية.
هل تلاحظون تغيرًا في استجابة الحكومات تجاه قضايا البيئة خلال السنوات الأخيرة؟ أم أن التقدم لا يزال بطيئًا؟
شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في استجابة حكومات غرب آسيا للقضايا البيئية، مدعومًا بشراكات متنامية مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فقد عمل البرنامج مع دول المنطقة على مجموعة واسعة من الأولويات، شملت إدارة النفايات العضوية الصلبة، ومكافحة هدر الطعام، وتعزيز أنماط الاستهلاك المستدام مثل الأزياء المستدامة، ومكافحة التصحر وتدهور الأراضي، وتطوير سيناريوهات خفض الانبعاثات في قطاع الطاقة، كما نظّم سلسلة من الندوات الإقليمية ضمن عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم البيئية، لتعزيز تبادل المعرفة والخبرات.
وشهدنا أيضًا تقدّما في إيفاء الحكومات بالتزاماتها بالمواثيق والاتفاقات الدولية التي من شأنها تناول أزمة الكوكب الثلاثية وحماية التنوع البيولوجي والحد من تغير المناخ والتكيّف معه ومعالجة التلوّث والنفايات، ففي مجال تغيّر المناخ، يقدّم المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في غرب آسيا دعمًا فنيًا ومؤسسيًا للدول في تعزيز مساهماتها المحددة وطنيًا (NDCs)، وتطوير استراتيجيات التكيف، وتحقيق الحياد الكربوني، وتيسير الوصول إلى التمويل المناخي، وقد أحرزت عدة دول تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال.
إلا أنّ تقرير فجوة الانبعاثات 2024 يشير إلى أن المسار العالمي لا يزال بعيدًا عن تحقيق أهداف باريس، رغم تصاعد الاهتمام الرسمي، تبقى السياسات الحالية غير كافية ولا تعكس مستوى الطموح المطلوب، ويتخللها تباطؤ في التنفيذ على أرض الواقع، حيث يرى برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن دعم الدول يجب أن يكون من خلال زيادة التمويل المناخي، وتعزيز نقل التكنولوجيا، وبناء القدرات المؤسسية، وتحسين الوصول إلى البيانات والمعلومات المناخية، بما يعزز تنفيذ الخطط المناخية على المستوى الوطني والمحلي.
ما العلاقة بين التغير المناخي وازدياد ظواهر مثل التصحّر وحرائق الغابات في المنطقة؟
تغيّر المناخ هو عامل رئيسي في تفاقم ظاهرتي التصحر وحرائق الغابات، خاصة في المناطق الجافة وشبه الجافة مثل غرب آسيا، حيث يحد الارتفاع بدرجات الحرارة وزيادة فترات الجفاف من رطوبة التربة مما يؤدي إلى فقدان الغطاء النباتي، مما يسرّع تدهور الأراضي الزراعية.
ويشير تقرير توقعات البيئة العالمية، إلى أنّ نحو 40% من أراضي غرب آسيا معرضة لخطر التصحّر ما يؤثر على الإنتاج الغذائي والتنوّع البيولوجي، وتعزّزحرائق الغابات التعرية وتقلل من قدرة التربة على احتجاز المياه، ممّا يفاقم التصحر، في المقابل، تصبح الأرض المتصحرة والمفتقرة للغطاء النباتي أكثر عرضة لحرائق أشدّ وأوسع مساحة.
هذه الظواهر لا تحدث بشكل منفصل، بل تتفاعل وتتأثر بعضها ببعض، فعلى سبيل المثال، تؤدّي حرائق الغابات إلى إزالة الغطاء النباتي ممّا يزيد من مخاطر التعرية والتصحر، والعكس صحيح، إذ يمكن أن يؤدي التصحّر إلى ازدياد خطر اندلاع الحرائق.
إلى أي مدى يمكن أن تؤثر التغيرات المناخية في الأمن الغذائي والمائي لشعوب غرب آسيا؟
تشكل التغيرات المناخية تهديدًا خطيرًا ومتزايدًا على الأمن الغذائي والمائي في منطقة غرب آسيا، يُتوقع أن تزداد شدة التحديات المناخية، بما في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض معدل الهطولات المطرية بنسبة قد تصل إلى 20% بحلول عام 2050، فضلًا عن زيادة تواتر موجات الجفاف وارتفاع معدلات التبخر، ما سيفاقم الضغط على الأنظمة البيئية والزراعية والمائية في المنطقة.
تشهد معظم دول غرب آسيا مستويات ندرة مياه حرجة، حيث أن الاعتماد الكبير على المياه الجوفية غير المتجددة، وسوء إدارة الموارد المائية، ونقص الاتفاقيات بشأن المياه العابرة للحدود يعقّد مشهد الأمن المائي في المنطقة، على سبيل المثال، تدهورت نسبة المياه الجوفية في العراق بشكل كبير، وتواجه مناطق مثل اليمن والأردن عجزًا متزايدًا في المياه الصالحة للزراعة والشرب، ما يضع الأمن المائي في مواجهة خطر دائم.
أما على صعيد الأمن الغذائي، تعتمد معظم الزراعة في غرب آسيا على الأمطار (الزراعة البعلية)، ما يجعلها شديدة التأثر بالتقلبات المناخية، وقد أدى تغيّر توقيت المواسم الزراعية وتدهور التربة وانخفاض خصوبتها إلى تراجع الإنتاج الزراعي المحلي، وزيادة الاعتماد على استيراد الغذاء، كما تواجه بلدان "الهلال الخصيب" التقليدية (العراق، سوريا، الأردن، لبنان، وفلسطين) خطر فقدان خصوبتها الزراعية بشكل شبه كامل قبل نهاية هذا القرن نتيجة لتراجع الموارد المائية وتدهور الأراضي الزراعية.
ما الدور الذي يلعبه برنامج الأمم المتحدة للبيئة في التنسيق بين دول المنطقة بشأن الأزمات البيئية العابرة للحدود كالعواصف الرملية والتلوّث البحري؟
يقوم المكتب الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة في منطقة غرب آسيا بدور محوري في تنسيق العمل البيئي المشترك بين دول المنطقة، لا سيّما في مواجهة الأزمات البيئية العابرة للحدود مثل العواصف الرملية والتلوّث البحري وتلوّث الهواء وفقدان التنوّع البيولوجي، كما يعزّز التعاون مع المنظمات والهيئات الإقليمية النشطة في مجال التنمية المستدامة، مثل جامعة الدول العربية، ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، وهيئات المجتمع المدني.
ومن أبرز أدوات التنسيق التي يعتمدها البرنامج، عقد اجتماعات دورية رفيعة المستوى تجمع كبار المسؤولين البيئيين والممثلين الدائمين لدى برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى جانب ممثلي المنظمات الإقليمية والدولية، بهدف مناقشة السياسات، تبادل الخبرات، ومراجعة التقدم المحرز في إطار تنفيذ الاستراتيجيات المشتركة، ويقدّم المكتب مساحة استراتيجية لتوحيد المواقف العربية في المحافل الدولية، وتفعيل التعاون مع القطاع الخاص والمجتمع المدني، بما يسهم في دعم تنفيذ الأجندة البيئية الإقليمية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
من خلال جمعية الأمم المتحدة للبيئة التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، تمّ إعتماد قرارات دولية مهمة مثل قرار UNEA-2/21 2016 بشأن العواصف الرملية، وأُعيد تأكيد هذا الالتزام في دورة UNEA-6 (2024) بدعم خطة إقليمية للتنفي، كما يعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة على دعم الدول في المنطقة لتبني نهج الاقتصاد الأزرق المستدام، الذي يعزز التكامل بين حماية النظم البيئية البحرية والساحلية وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومن خلال مبادرة الاقتصاد الأزرق المستدام، يوفّر البرنامج إطارًا شاملًا للحكومات لتطوير سياسات واستراتيجيات قائمة على الحلول القائمة على الطبيعة، والتخطيط المتكامل للمناطق الساحلية والبحرية، بما يعزز القدرة على التكيف مع تغير المناخ ويحد من التلوث البحري .
في ظل التفاوت الكبير بين إمكانيات الدول، كيف يمكن تحقيق عدالة مناخية في المنطقة؟
يتطلب تحقيق العدالة المناخية في منطقة غرب آسيا الاعتراف بمبدأ المسؤوليات المشتركة ولكن المتباينة، وهو مبدأ أساسي في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (UNFCCC) واتفاق باريس، ينص هذا المبدأ على أن جميع الدول تتحمل مسؤولية مواجهة تغيّر المناخ، لكن بدرجات متفاوتة تتناسب مع قدراتها الاقتصادية والتقنية وظروفها الوطنية.
ويؤكد اتفاق باريس على أهمية دعم الدول النامية، لا سيّما تلك الأكثر عرضة لتأثيرات تغيّر المناخ، من خلال التمويل، وبناء القدرات، ونقل التكنولوجيا، بما يضمن مشاركة عادلة في الجهود العالمية، وفي هذا السياق، يعمل برنامج الأمم المتحدة للبيئة على تمكين الدول ذات الموارد المحدودة في المنطقة عبر دعم السياسات الوطنية، وتعزيز الوصول إلى التمويل المناخي، وتيسير التعاون الإقليمي والدولي لتحقيق انتقال عادل نحو اقتصاد منخفض الكربون.
وبحسب تقرير فجوة التكيف 2023 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن تكاليف التكيّف السنوية للدول النامية تُقدَّر بما بين 215 و387 مليار دولار بحلول عام 2030 ويُعد هذا الرقم أعلى بـ10 إلى 18 مرة من حجم التمويل العام المتاح حاليًا، مما يُظهر وجود فجوة تمويلية حرجة، لذلك، فإن تحقيق العدالة المناخية يتطلب التزامًا أقوى من الدول ذات الدخل المرتفع، لا يقتصر على التمويل، بل يشمل أيضًا نقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، وتقاسم المسؤولية الإقليمية لضمان انتقال عادل وشامل.
ويدعو برنامج الأمم المتحدة للبيئة، إلى زيادة التمويل المناخي الموجه للدول الأكثر هشاشة، لا سيما في مجالات التكيف، ونقل التكنولوجيا والمعرفة من الدول ذات الموارد الأكبر إلى الدول محدودة الإمكانيات، وتمكين المجتمعات المحلية من خلال إدماج البعد الاجتماعي في خطط المناخ، وتعزيز التعاون الإقليمي لتقاسم الموارد والخبرات وتخفيف الفجوات التنموية التي تزيد من أثار تغيّر المناخ.
كيف يمكن للدول الغنية في غرب آسيا دعم الدول الأقل قدرة على التكيف مع آثار التغير المناخي؟
يمكن للدول ذات الموارد الأكبر في غرب آسيا أن تلعب دورًا محوريًا في تعزيز القدرة الإقليمية والعالمية على التكيّف مع تغير المناخ من خلال دعم التضامن المناخي، ويشمل ذلك الدعم في بناء القدرات المؤسسية والفنية في الدول ذات القدرات المحدود، ونقل التكنولوجيا والخبرة من خلال تقديم التدريب والدعم الفني للمؤسسات الحكومية والمجتمعية في مجالات مثل إدارة المياه، والطاقة المتجددة، والإنذار المبكر.
كما ويمكن تعزيز التعاون عبر المنصات الإقليمية لتقاسم المعرفة والبيانات والموارد بين الدول وتوفير منصات رقمية مفتوحة لتبادل البيانات المناخية والنماذج التنبؤية، ويمكن أيضا تطوير برامج تبادل خبرات بين الجامعات ومراكز الأبحاث، لتعزيز البحث المشترك في التكيف المناخي، بالإضافة إلى الاستثمار في مشاريع خضراء مشتركة، مثل الطاقة المتجددة، والبنية التحتية المقاومة للمناخ، بما يسهم في تحقيق فوائد بيئية واقتصادية واجتماعية متبادلة.
أيضا، إدماج التكيف الإقليمي ضمن السياسات الوطنية فعلى الدول الغنية أن تنظر إلى دعم الدول المجاورة الأقل قدرة كجزء من استراتيجياتها المناخية من خلال تنظيم منتديات سنوية إقليمية تجمع صناع القرار والخبراء لمراجعة التقدم وتبادل الدروس المستفادة، فتغير المناخ لا يعترف بالحدود، وبالتالي فإن استقرار الدول الهشة يعزز الأمن المناخي الإقليمي للجميع.
ما هي التحدّيات التي تواجهونها في إقناع الحكومات بدمج البُعد البيئي في خططها التنموية والاقتصادية؟
من أبرز التحديات في غالبية دول المنطقة أنّ الأولوية تُمنح غالبًا للنمو السريع والمشاريع الاستثمارية، على حساب الاعتبارات البيئية، ممّا يؤدي إلى تأخر دمج معايير الاستدامة في السياسات والخطط الوطنية، يُضاف إلى ذلك ضعف التنسيق بين القطاعات المختلفة، كوزارات البيئة، والاقتصاد، والتخطيط، والطاقة، مما يُعيق تحقيق تكامل فعلي في تنفيذ السياسات البيئية.
كما أنّ الاعتماد الكبير على التمويل الخارجي يحدّ من استمرارية المبادرات البيئية، ويجعلها أكثر عرضة للتقلبات السياسية والاقتصادية، وأخيرًا، فإنّ ضعف أنظمة الرصد البيئي وصعوبة الوصول إلى بيانات دقيقة يؤثّر على قدرة الحكومات على اتخاذ قرارات مبنية على الأدلة.
هل ترى أنّ المنطقة قادرة على التحوّل إلى نموذج في الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة؟ وما العقبات الرئيسية لذلك؟
منطقة غرب آسيا تمتلك مقومات جيدة للانتقال نحو الاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، بما في ذلك فائض كبير من الطاقة الشمسية والرياح، إلى جانب نمو متزايد في استخدام التكنولوجيا منخفضة الكربون، كما حددت عدة دول في المنطقة أهدافًا طموحة لمزيج الطاقة: فالعراق مثلا حدّد هدفًا بأن تشكل الطاقة المتجدّدة 40% من الكهرباء المنتجة بحلول 2028، والأردن يسعى للوصول إلى 31 % بحلول 2030، والسعودية تخطط لإنتاج 58.7 جيجاوات من مصادر متجددة، فيما تهدف الإمارات إلى تأمين 50% من مزيج الطاقة من مصادر نظيفة بحلول 2050، منها 44% من الطاقة المتجددة و6% من الطاقة النووية، ويدعم برنامج الأمم المتحدة للبيئة حكومة الكويت في وضع استراتيجية الكربون المنخفض طويلة الأمد التي تسعى الى خفض الانبعاثات والاعتماد أكثر على الطاقات النظيفة.
وبحسب تقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة بعنوان "سيناريوهات تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية لقطاع الطاقة في غرب آسيا"، فإن التحوّل إلى أنظمة طاقة منخفضة الانبعاثات يمكن أن يوفّر ما يصل إلى 689 ألف وظيفة دائمة في التشغيل والصيانة بحلول 2050، ما يعزز فرص النمو الاقتصادي المستدام في المنطقة، لكن هذا التحوّل يتطلب خارطة طريق واضحة، وتكامل السياسات القطاعية، وتعزيز الابتكار ونقل التكنولوجيا لضمان انتقال عادل وشامل.
ما الدور الذي يمكن أن تلعبه المدن الكبرى في غرب آسيا في تقليل الانبعاثات وتحقيق أهداف الاستدامة البيئية؟
تستهلك المدن أكثر من 75% من الطاقة عالميًا وتنتج حوالي 70% من الانبعاثات الكربونية وفي غرب آسيا، هذا النمط أكثر وضوحًا بسبب النمو الحضري السريع، والنقل المعتمد على السيارات، والتوسع العمراني الذي يفتقد الى التخطيط، ويمكن للمدن أن تقود التحوّل الأخضر من خلال تعزيز أنظمة النقل العام المستدام الخاصة، وتحسين كفاءة الطاقة في المباني عبر تبنّي معايير البناء الأخضر واستخدام مصادر الطاقة المتجددة، وتوسيع المساحات الخضراء الحضرية.
كيف يؤثر تدهور البيئة على الصحة العامة في مجتمعات غرب آسيا، وخاصةً الأطفال وكبار السن؟
يساهم تغيّر المناخ في تفاقم المخاطر الصحية بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال زيادة تواتر الظواهر الجوية المتطرفة مثل موجات الحر والفيضانات والعواصف، وانتشار الأمراض المنقولة بالمياه والغذاء، إضافة إلى تأثيره على الأمن الغذائي والصحة النفسية، مما يهدّد التقدم المحرز في الصحة العالمية ويزيد من التفاوتات الصحية، خاصة في الدول منخفضة الدخل.
وتشير الدراسات أيضًا إلى عمق العلاقة بين تغيّر المناخ والصحة، إذ يزيد انتشار أمراض معدية حساسة للمناخ، مثل الليشمانيا والحمى النزفية ويؤثر على الأمراض المزمنة مثل أمراض الكلى والقلب والسكري.
إلى أي مدى ترى أن تغيّر المناخ سيكون عاملًا رئيسيًا في النزوح والهجرة داخل المنطقة خلال العقود القادمة؟
بحسب تقرير البنك الدولي (2021)، قد يُجبر تغيّر المناخ أكثر من 216 مليون شخص عالميًا على النزوح الداخلي بحلول عام 2050، إذا لم تُتخذ إجراءات مناخية جذرية، وتشير الأدلة إلى أن العراق، سوريا، واليمن من بين الدول الأكثر عرضة لهذا النوع من النزوح بسبب فقدان سبل العيش الزراعية، ونقص المياه، وزيادة الحرارة، وفي غرب آسيا، يساهم تغيّر المناخ في انهيار سبل العيش في المناطق الريفية، وارتفاع التوتر على الموارد في المناطق الحضرية، وتفاقم النزوح المرتبط بالنزاعات عندما يتداخل المناخ مع عوامل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي.
ووفقًا لتقريرالأمم المتحدة للبيئة "دمج السكان النازحين في السياسة والتخطيط الوطنيين لتغير المناخ" فإن التدهور البيئي وارتفاع درجات الحرارة ونقص الموارد يساهم في تفاقم النزوح، لا سيما في الدول التي تعاني من ضغوط متعددة مثل العراق وسوريا واليمن.
ويشير التقرير إلى أن السياسات المناخية الوطنية، بما فيها المساهمات المحددة وطنيًا وخطط التكيّف الوطنية غالبًا تُهمل إدماج البُعد الإنساني والنزوح ضمن خطط التكيف، مما يضاعف هشاشة المجتمعات النازحة، وعليه يدعو برنامج الأمم المتحدة للبيئة إلى إدراج السكان المتنقلين والنازحين ضمن التخطيط المناخي الوطني، لضمان الحماية ورفع قدرتهم على التكيف.
ما رسالتكم لمواطني المنطقة، لا سيما الشباب، حول أهمية التحرك الفردي والجماعي في مواجهة أزمة المناخ؟
العمل المناخي مسؤولية مشتركة، ومواجهة أزمة المناخ لا يقتصر على الحكومات والمؤسسات فقط بل يمتد إلى مستوى الأفراد والمجتمعات ولا يُمكن تحقيق التحوّل البيئي دون مشاركة نشطة من الأفراد، لا سيما الشباب، فالتغير المطلوب على مستوى أنماط الاستهلاك، وإدارة الموارد، والتنقل، يبدأ من قراراتنا اليومية.
الشباب في المنطقة يمثلون قوة ديموجرافية حيوية وهم في موقع يمكّنهم من قيادة التغيير الاجتماعي والمطالبة بسياسات عادلة مناخيًا، لذلك نشجعهم على تبني خيارات مستدامة في الغذاء والطاقة والنقل، والمشاركة في المبادرات البيئية المجتمعية، والضغط البنّاء من أجل إدماج العدالة البيئية ضمن السياسات الوطنية.

















0 تعليق