اختتمت «ندوة العرب ومشكلة العقل» أعمالها بعد يومين من النقاشات الفكرية المكثفة في مؤسسة عبد الحميد شومان، بالاردن والتي أقيمت خلال الفترة من 19 وحتى 20 نوفمبر الجاري بالتعاون مع بيت الفلسفة في الفجيرة، بحضور نخبة من الباحثين والمفكرين العرب.
وقد تناولت الجلسات محور العقل العربي في سياقه التاريخي والمعرفي والمعاصر، مع التركيز على العوامل المؤثرة في طرق التفكير ودور الوعي النقدي والتحديات التي تواجه العقل في البيئة العربية.

وشهدت الجلسة الأولى نقاشات حول ماهية العقل وتجلياته في الفلسفة العربية الوسيطة والمعاصرة؛ حيث تبين وجود فجوة بين الإرث الفلسفي الغني وواقع التفكير الراهن.
أما المحور الثاني، فقد سلّط الضوء على عوامل التأثير في طرق التفكير، بما في ذلك الوعي الفردي والجمعي، العاطفة، البنى المعرفية التقليدية، والمرجعية الفكرية السائدة، مع التأكيد على ضرورة ترسيخ التفكير النقدي وتعزيز مهارات التحليل وفك الارتباط بين العقل والخطابات العاطفية التي تعيق ممارسته الحرة.
ترسيخ الفكر النقدي
أما الجلسة الثالثة فقد ركّزت على العقل والوعي والنقد والعقلانية، وأوضحت البحوث الحاجة إلى بناء عقل نقدي قادر على تفكيك الموروث وتجاوز القراءة التبجيلية للتراث. وتم التأكيد على أن العقلانية ليست نقيضًا للهوية، بل رافعة لها، وأن النهضة الفكرية لا تتحقق دون نقد معرفي صريح يواجه الإشكالات الراسخة في الثقافة العربية ويعيد صياغة العلاقة بين العقل والواقع.
وتناولت الجلسة الأخيرة، التحديات التي تواجه العقل في السياق العربي، وأبرزت محدودية دور التربية والتعليم في تنمية التفكير النقدي، وضعف الخبرة العملية والاحتكاك بالواقع في صياغة طرق التفكير، والحاجة إلى تحديث الخطاب الفلسفي وجعله أكثر اتصالًا بأسئلة العصر، بالإضافة إلى غلبة البنى التقليدية التي تحد من إمكانات العقل الحر المبدع.
توصيات
وفي ختام الندوة.. قدّم المشاركون عدة توصيات، جاءت كالتالي:
أوصت التوصية الأولى بتعزيز تعميم تدريس الفلسفة في الجامعات العربية والتعليم الثانوي لضمان التواصل الفلسفي بين الأجيال وإرساء ثقافة التفكير النقدي. كما تم التأكيد على أهمية إنشاء فضاءات عربية مشتركة، مثل مجلات إلكترونية، تجمع الفلاسفة والباحثين العرب للنقاش حول جدالات التفكير الفلسفي العربي وتمكنهم من التموقع في السوق الفلسفي العالمي.
دعم التفرغ العمل الفلسفي
وشدّد المشاركون على دعم التفرغ الفلسفي من خلال مشاريع تمنح الباحثين القدرة على إنتاج الفكر الفلسفي الفردي، نظرًا لطبيعته المستقلة التي تحتاج إلى دعم مؤسسي من الحكومات والقطاع الخاص.
وأوصى د. أنور بالاهتمام بدراسة تجارب النهضة الناجحة في دول كانت متخلفة عن الغرب ونجحت في القرن التاسع عشر، مثل اليابان والصين والهند والمكسيك والبرازيل وكوريا، ودراسة مسارات نهضتها والصراعات الفكرية التي واجهتها، من خلال الدرس والترجمة، ما سيساعد على فهم مواطن الخلل في التجربة العربية واستلهام الدروس المناسبة.
مركز فلسفي
كما اقترح المشاركون تأسيس دائرة أو مركز فلسفي داخل مؤسسة عبد الحميد شومان لدراسة الفلسفة العربية والتعاون مع المؤسسات الفكرية الأخرى، مع فتح حوار حول الفلاسفة العرب المعاصرين وتقديم مشروعهم الفلسفي بشكل مستقل.
وتم التأكيد على ضرورة الانفتاح على الفلسفة الشرقية وتوسيع الحوار الفلسفي ليشمل فلاسفة من الصين والهند واليابان، لتحرير الفكر العربي من الهيمنة الفكرية الغربية.
وهو ما اقترحه الدكتور أنور مغيث بضرورة الاهتمام بتجارب النهضة الناجحة في دول كانت متخلفة عن الغرب ونجحت في القرن التاسع عشر، مثل اليابان والصين والهند والمكسيك والبرازيل وكوريا، ودراسة مسارات نهضتها والصراعات الفكرية التي واجهتها، من خلال الدرس والترجمة، ما سيساعد على فهم مواطن الخلل في التجربة العربية واستلهام الدروس المناسبة.
وتتلخص التوصيات حول تعزيز الدراسات الفلسفية والنقدية في الجامعات العربية، إعادة الاعتبار للفلسفة في المناهج التعليمية، دعم المبادرات الفكرية المستهدفة لنشر ثقافة العقلانية والوعي النقدي، تشجيع الحوار بين التراث والحداثة لإنتاج معرفة عربية، وإنشاء منصات بحثية عربية مشتركة تهتم بدراسة العقل وعلومه وتطبيقاته، والاستمرار في تنظيم ندوات ومؤتمرات مماثلة، مع الاحتفاء سنويًا بمفكرين وفلاسفة عرب. وفي ختام الندوة، تم توجيه الشكر لمؤسسة عبد الحميد شومان على رعايتها واحتضانها للحوار الفكري، وللمشاركين على إسهاماتهم القيمة، مع التأكيد على أن مستقبل العالم العربي مرهون بقدرة مجتمعاته على إعادة الاعتبار للعقل وتفعيل دوره في قراءة الواقع وصناعة المستقبل
























0 تعليق