رسالة إلى وزير التعليم.. أزمة الأجور والحافز للمعلمين

البوابة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

سيدي وزير التربية والتعليم..

لم يعد التعليم في مصر مجرد فصول ومناهج، بل معركة وطنية تستلزم رؤية شاملة تعيد الاعتبار للعاملين فيها، وتضع كل فرد في مكانه الذي يستحقه. ومع القرارات الأخيرة، خصوصًا استبعاد الأخصائيين التكنولوجيين والاجتماعيين والنفسيين وأمناء المكتبات والصحافة وغيرهم من حافز التدريس (1000 جنيه)، ارتفعت أصوات كثيرة داخل المدارس، لا تعترض على مبلغ مالي بقدر ما تؤكد أن العدالة المهنية ركن أصيل من أركان إصلاح التعليم.

فالمدرسة ليست مسرحًا يقف عليه المعلم وحده، بينما يقف الآخرون في الكواليس. في عصر التحول الرقمي، الأخصائي التكنولوجي ليس مكمّلًا، بل شريانًا رئيسيًا يضمن استمرار اليوم الدراسي، وإدارة المنصات، وحل مشكلات الامتحانات الإلكترونية. والأخصائي الاجتماعي والنفسي هما الدرع الواقي للمدرسة من ضغوط أسرية وتعقيدات مجتمعية قد تنفجر في أي لحظة. وأمين المكتبة هو حارس الوعي وبوابة المعرفة، يشكل عقل الطالب ويرسم له طريق البحث والتفكير. أما أخصائي الصحافة والمجالات فهو من يصنع النشاط المدرسي، ويعيد للتعليم روحه الإبداعية التي تصنع الشخصية الوطنية.

استبعاد هؤلاء من الحافز أعطاهم شعورًا بأن رسالتهم غير مرئية، رغم أنهم الركيزة التي يستند إليها كل معلم داخل الفصل. وقد أحسنت الوزارة من قبل حين منحت مديري المدارس والوكلاء حافز الإدارة المدرسية، ومن ثم يصبح من العدل أن يوضع إطار مماثل شريف لهؤلاء، تحت مسمى يتناسب مع طبيعة عملهم: حافز دعم العملية التعليمية، أو حافز التنمية المدرسية، كي يشعر الجميع بأنهم شركاء لا تابعون.

ولكن الأزمة أعمق من الحافز. فالمعلم في مصر يعيش منذ سنوات داخل دائرة مالية مغلقة، لأن صرف الرواتب ما زال يتم فعليًا على أساس راتب 2014، بينما تُحسب الاستقطاعات على أساس أحدث. وقد صنفت نقابة المهن التعليمية وعدد من النواب هذا الوضع باعتباره “ظلمًا واضحًا” وخللًا اقتصاديًا يقوض استقرار المعلمين. فكيف يمكن للمعلم أن ينهض برسالة التنوير، بينما راتبه الفعلي لا يواكب موجات التضخم ولا يتفاعل مع الواقع الاقتصادي؟

وهنا أصل المشكلة: انهيار هيبة المعلم الذي بدأ منذ سنوات طويلة. فالتراجع الحقيقي لمكانة التعليم بدأ عندما رُفعت المهابة والحصانة الأخلاقية عن المعلم في عهد أحد وزراء نظام مبارك، وهي اللحظة التي فتحت الباب لسقوط مكانة المعلم داخل المجتمع. فحين يسقط احترام المعلم، يسقط معه احترام العلم، وتبدأ القيم والمبادئ في التآكل. ولا يمكن لمعادلة تعليمية أن تنجح بينما العنصر الأهم فيها—المعلم—فاقد للهيبة والدعم المعنوي.

إعادة النهضة التعليمية لا يمكن أن تتم دون إعادة بناء كرامة المعلم، عبر قوانين واضحة تمنحه حصانة داخل المدرسة، وتؤمن له وضعًا مهنيًا يجعله قادرًا على أداء دوره الوطني. كما يجب أن تُصاحب ذلك برامج تطوير ثقافي وعلمي وتقني، ترفع من قدراته ليصبح معلمًا يليق بعصر المعرفة ومقتضيات الجمهورية الجديدة.

ومن هنا تأتي الحقيقة الأكبر: التعليم في مصر يحتاج إلى استراتيجية وطنية واضحة من مستوى صناعة القرار الاستراتيجي في الدولة. استراتيجية لا تعتمد على ردود فعل أو تعديلات جزئية، بل رؤية مركزية شاملة تضع المعلم في صدارة الإصلاح، وتعيد تعريف دور المدرسة، وتُحدّث أدواتها، وتُكامل أدوار العاملين فيها، ليصبح التعليم مشروعًا وطنيًا متكاملًا وليس ملفًا خدميًا.

سيدي الوزير، هذه الرسالة ليست اعتراضًا بل صوت آلاف العاملين الذين يعملون بعيدًا عن الضوء، وهم يؤمنون بأن الدولة تخوض معركة تطوير كبرى لا يمكن أن تنجح دون شعور كل عنصر داخل المدرسة بأنه جزء من هذه المعركة الوطنية. إن العدالة المهنية ليست رفاهية، بل شرط أساسي لاستقرار التعليم وقدرته على دعم رؤية الدولة.

نرجو من سيادتكم إعادة النظر في قرار الحافز، ومعه إعادة قراءة ملف رواتب المعلمين، وبداية حقيقية لاستعادة الهيبة والاحترام. فالتعليم لن يعود إلى مجده إلا إذا عاد للمعلم مجده، وعادت للمدرسة قيمتها، وعاد للمنظومة توازنها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق