ذكرى ميلاد جيمس سومنر.. الكيميائي الذي فك شفرة الإنزيمات

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

طفولة استثنائية وعزيمة لا تنكسر.. 

في التاسع عشر من نوفمبر عام 1887، ولد جيمس باتشيلر سومنر في ولاية ماساتشوستس الأمريكية، وسط بيئة بسيطة لكنها مشجعة على التعليم، منذ سنواته الأولى، كان شغوفًا بالعلوم، يميل إلى التجريب والبحث، لكن حادثًا مأساويًا في عمر السابعة عشرة غير حياته، حين فقد ذراعه اليسرى أثناء رحلة صيد، ورغم أن هذه الإصابة كانت كفيلة بإنهاء أحلام أي شاب، فإنها كانت الشرارة التي أكسبته روح التحدي، ودفعته لإثبات قدرته على الإبداع العلمي.

رحلة العلم والتأمل في أسرار الطبيعة

التحق بجامعة هارفارد ودرس الكيمياء الحيوية، ليبدأ مساره العلمي نحو اكتشاف أسرار الحياة على المستوى الجزيئي، كان يؤمن أن الطبيعة تخبئ في داخلها أسرارًا دقيقة، وأن الإنزيمات تلك المواد المسؤولة عن تسريع التفاعلات داخل الكائنات الحية هي المفتاح لفهم الحياة نفسها، لكن المشكلة أن أحدًا لم يكن يعرف ماهية الإنزيمات، هل هي بروتينات أم مواد أخرى؟ هنا بدأ سومنر مغامرته الفكرية.

تحطيم المسلمات العلمية

عام 1926، حقق سومنر إنجازًا علميًا غير مسبوق حين نجح في تبلور أول إنزيم في التاريخ وهو إنزيم "اليورياز"، لم يكن مجرد إنجاز تقني، بل كان إعلانًا علميًا مدويًا بأن الإنزيمات يمكن عزلها وتحليلها مثل أي مركب كيميائي آخر، وعندما أثبت أن هذا الإنزيم في صورته البلورية لا يزال يحتفظ بنشاطه الحيوي، كانت تلك لحظة الانتصار التي غيرت مسار علم الكيمياء الحيوية.

اكتشاف يقلب موازين العلم

لم يكن المجتمع العلمي مستعدًا لتقبل هذا الاكتشاف بسهولة، إذ اعتقد كثير من العلماء أن الإنزيمات لا يمكن أن تكون بروتينات، لكن سومنر أثبت بالدليل القاطع أن عملها الحيوي مرتبط ببنيتها البروتينية، وهو ما فتح الباب أمام لاحقًا أمام فهم آليات عمل الإنزيمات داخل الخلايا، وأرسى أساسًا متينًا لعلم الأحياء الجزيئي والطب الحيوي.

إرادة أقوى من النقد والرفض

واجه سومنر في بداياته موجة من التشكيك والاستهانة، بل إن بعض زملائه قللوا من قيمة نتائجه، لكنه واصل أبحاثه بإيمان راسخ بفكرته، ونجح لاحقًا في تبلور إنزيمات أخرى مثل إنزيم الكاتالاز، مما برهن أن طريقته صالحة للتطبيق على إنزيمات متعددة.

تتويج عالمي واعتراف تاريخي

في عام 1946، توجت مسيرة سومنر بجائزة نوبل في الكيمياء، مشاركةً مع عالمين آخرين، تقديرًا لدوره الريادي في كشف الطبيعة البروتينية للإنزيمات وإثبات إمكانية تبلورها، ومع الجائزة، لم ينل فقط المجد العلمي، بل احتل مكانة راسخة في تاريخ العلوم بوصفه الرجل الذي فك شفرة الإنزيمات.

أثره في العلم والحياة

غير اكتشاف سومنر الطريقة التي نفهم بها وظائف الجسم البشري، وساهم في تطوير أبحاث الأمراض الوراثية، وصناعة الأدوية، وتكنولوجيا الغذاء، وحتى الهندسة الوراثية، لقد غير الطريقة التي ننظر بها إلى العمليات الحيوية، وحول الإنزيمات من مفهوم غامض إلى حقيقة علمية ملموسة.

نهاية الرحلة وبداية إرث خالد

توفي سومنر عام 1955، لكن أفكاره لم تمت، ترك وراءه إرثًا علميًا عظيمًا ما زال يدرس ويبنى عليه حتى اليوم، لقد كان مثالًا على أن الإعاقة ليست عائقًا، وأن الشغف قادر على تحويل الألم إلى إبداع، والإعاقة إلى بصمة خالدة في تاريخ البشرية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق