يطرح اليوم العالمي للرجل فرصة مهمة لفتح ملف شديد الحساسية: لماذا تتدهور صحة الرجال بوتيرة أسرع من النساء؟ ورغم تطور الطب والوعي الصحي، ما زالت الإحصاءات العالمية تشير إلى أن متوسط عمر الرجل أقل من المرأة في معظم دول العالم، وأن الرجال أكثر عرضة للأمراض المزمنة والنفسية، وأقل حرصًا على المتابعة الطبية.
هذه المفارقة تثير تساؤلات حول الأسباب العلمية والسلوكية، وتدفع الخبراء لدعوة الرجال إلى تبني أسلوب حياة صحي يحميهم من التدهور المبكر.
أولًا: الفروق البيولوجية بين الرجال والنساء
تلعب البيولوجيا دورًا واضحًا في الفجوة الصحية بين الجنسين. فالنساء يتمتعن بجهاز مناعي أقوى بفضل تأثير هرمون الإستروجين، الذي يعزز مقاومة الالتهابات والعدوى. بينما يمتلك الرجال مستويات أعلى من هرمون التستوستيرون الذي يرتبط في بعض الدراسات بارتفاع القابلية للإصابة بالأمراض المناعية والمزمنة. إضافة إلى ذلك، تستفيد النساء من حماية بيولوجية طبيعية ضد أمراض القلب قبل سن اليأس، وهي حماية يفتقدها الرجال طوال حياتهم.
ثانيًا: سلوكيات نمط الحياة غير الصحية
يميل الرجال إلى اتباع سلوكيات أكثر خطورة مقارنة بالنساء، مثل التدخين، تناول الوجبات السريعة، قلة النشاط البدني، والسهر لفترات طويلة. كما تشير الإحصاءات إلى أن الرجال أكثر ميلًا لتجاهل الألم أو الأعراض المرضية، والامتناع عن زيارة الطبيب إلا بعد تفاقم المشكلة، مما يؤدي إلى اكتشاف متأخر للأمراض.
ثالثًا: ضغوط العمل والمسؤوليات
ترتفع مستويات التوتر والضغط النفسي لدى الرجال نتيجة الضغوط المهنية، السعي المستمر للنجاح، وتحمّل مسؤوليات الأسرة. هذا التوتر المزمن يُعد من أكبر أسباب الإصابة بأمراض القلب، ارتفاع الضغط، اضطرابات النوم، والاكتئاب. ورغم ذلك، غالبًا ما يتردد الرجال في طلب الدعم النفسي بسبب ثقافة “القوة والصمود”.
رابعًا: العوامل الهرمونية وتأثيرها على الصحة
بعد سن الثلاثين يتراجع تدريجيًا مستوى التستوستيرون لدى الرجل، مما يؤثر على طاقته البدنية، الحالة المزاجية، الكتلة العضلية، وصحة العظام. هذا الانخفاض قد ينعكس على اللياقة البدنية ويزيد من احتمالات زيادة الوزن ومشكلات التمثيل الغذائي، ما لم يتابع الرجل صحته بانتظام.
خامسًا: ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة لدى الرجال
تؤكد التقارير الصحية أن الرجال أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب، السكري، ارتفاع الضغط، الكبد الدهني، وأمراض الجهاز التنفسي. ويرجع ذلك إلى امتزاج العوامل الجسدية بالسلوكيات اليومية غير الصحية. كما تشير الدراسات إلى أن معدلات الوفيات بين الرجال بسبب السرطان، خصوصًا سرطان الرئة والبروستاتا، أعلى بكثير من النساء.
سادسًا: ضعف الالتزام بالفحوصات الطبية
أحد أهم أسباب تدهور صحة الرجال بشكل أسرع هو تجاهل الفحص المبكر. فالمرأة بشكل عام تتابع صحتها بصورة أكثر انتظامًا نتيجة الحمل والولادة والفحوص الدورية، بينما يفتقر الرجل لروتين طبي ثابت، ما يؤدي إلى تأخر تشخيص الأمراض في مراحل متقدمة.
سابعًا: النشاط البدني الأقل واستبداله بالجلوس الطويل
مع انتشار العمل المكتبي والاعتماد على التكنولوجيا، أصبح الرجال يقضون ساعات طويلة دون حركة، وهو ما يرفع خطر السمنة، أمراض القلب، ضعف الدورة الدموية، وآلام المفاصل. النشاط البدني المنتظم لا يعد رفاهية بل ضرورة لحماية الصحة العامة.
ثامنًا: الصحة النفسية ومشكلة “الصمت العاطفي”
تراجع الصحة النفسية لدى عدد كبير من الرجال نتيجة تراكم الضغوط وعدم التعبير عن المشاعر. الدراسات تكشف أن الرجال أقل ميلًا لطلب العلاج النفسي، وأكثر عرضة للاحتراق الذهني، مما ينعكس مباشرة على صحتهم الجسدية وهرموناتهم.









0 تعليق