مارسيل بروست: قمة البؤس أن أفقد أمى

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مارسيل بروست واحد من أبرز روائيي الأدب العالمي، وركيزة أساسية في تشكيل الحداثة الروائية، رحل في مثل هذا اليوم الموافق 18 فبراير 1922.

البحث عن الزمن المفقود 

 اشتهر بسلسلته الملحمية «البحث عن الزمن المفقود» التي استغرق إنجازها ما يقرب من خمسة عشر عامًا، واعتُبرت ثورة في تقنيات السرد ورصد المشاعر الإنسانية، وقد تناول بروست في أعماله موضوعات الذاكرة، والوقت، والهواجس النفسية بدقة استثنائية جعلته أيقونة أدبية يتجدد حضورها جيلًا بعد جيل.

ولد بروست في 10 يوليو 1871 في أوتويل قرب باريس، ونشأ في أسرة مثقفة؛ فوالده كان طبيبًا بارزًا في الصحة العامة، ووالدته من عائلة يهودية مثقفة أثرت في تكوينه الفكري، غير أن بروست عانى منذ طفولته من مرض الربو، الذي أجبره على حياة شبه منعزلة، وتفاقم شعوره بالعزلة بعد وفاة والدته، فابتعد تدريجيًا عن المجتمع الباريسي ليكرّس حياته للكتابة، هذا الانسحاب شبه الكامل من العالم الخارجي كان أحد الأسباب التي جعلت كتاباته مشبعة بالتأملات الداخلية والتحليل النفسي العميق.

الجزء الأول "من جهة سوان"… البوابة التى أسست لأدب الذاكرة

يشكّل الجزء الأول من رواية مارسيل بروست الشهيرة "البحث عن الزمن المفقود" مقدمة كبرى لمشروعه السردي القائم على استحضار الذكريات والانغماس في طبقات الوعي، ففي هذا الجزء تتبلور ملامح أسلوبه الأدبي المميز، المعروف بجمله الطويلة المتداخلة وبنائه الدقيق للتفاصيل، وهو الأسلوب الذي سيجعله واحدًا من أهم روائيي القرن العشرين.

يمزج بروست في هذا العمل بين السيرة الذاتية والرواية النفسية، مستعيدًا طفولة السارد وحياته الباريسية، كاشفًا ملامح المجتمع الأرستقراطي الفرنسي في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، ويُعدّ هذا الجزء حجر الأساس لفهم عالم بروست، إذ تتخذ الذاكرة فيه دور البطولة، وتتحول اللحظات الصغيرة -مثل لحظة تذوّق "المادلين"- إلى مفاتيح لفتح أبواب الزمن الغابر.

ومن بين أبرز الشخصيات التي يخلدها بروست في هذا الجزء شخصية شارل سوان، اليهودي المثقف الذي عاش في قلب المجتمع الفرنسي، وصارت حكايته مع "أوديت" واحدة من أشهر قصص الحب في الأدب العالمي، وقد كان من المقرر أن يصدر هذا الجزء عام 1913، إلا أن العديد من الناشرين رفضوه، معتبرين أسلوبه غريبًا وطويلًا وغير تجاري.

لكن المفارقة أنّ الروائي الفرنسي الكبير أندريه جيد، الذي طُلب منه مراجعة المخطوط، كتب رسالة شهيرة قال فيها:"كل الذين رفضوا نشر هذه الرواية ملزمون اليوم بتقديم الاعتذار عن الخطأ الذي وقعوا فيه وتقديم التهاني لبروست، فلعدة أيام لم أستطع إبعاد الكتاب عن يدي".

وبعد ما أثاره رأي جيد من ضجة، عرضت دار غاليمار على بروست نشر الرواية، غير أنه رفض العرض مفضّلًا البقاء مع دار غراسيه، في قرار سيُصبح لاحقًا إحدى الحكايات المتداولة في تاريخ النشر الفرنسي.

 مارسيل بروست: قمة البؤس أن افقد أمي 

كتبت الدكتور زينب عبد العزيز في الذكرى الـ75 لرواية الزمن المفقود "يعد مارسيل بروست" واحد  من أهم الكتاب التي مازالت أثارهم تمتد على مجريات الرواية الحديثة ومسارها حتى يومنا هذا، بفضل ما أضافة في مجال التعبير والحلم وتوارد الخواطر، وتلخص أهمية المكانة التي يحتلها في أنه استطاع أن يفرض على القاريء عالمًا خياليًا أكثر واقعية من الواقع وتعبيرًا جديدًا عن الزمن التجميعي في ذهن الإنسان، وتعد أهم فترات حياة بروت الاجتماعية وأعنفها  صراعًا تلك السنوات التي واكبت قضية الإفراح عن الفريد درايفوس، ذلك الضابط الفرنسي اليهودي الأصل الذي حوكم وسجن خمسة أعوام ثم أفرج عنه بفضل حملة علامية  سياسية ودينية صاخبة، شغلت الرأي العام الفرنسي  وقسمته حتى التمزق. 

 وكان بروست مؤيدًا لتلك الحملة فيما بين 1989 و1899، ثم سافر إلى فينسيا ليدرس مذاهب القيم الجمالية هناك، وما أن عاد من إيطاليا حتى بدأت أحزانه بوفاة والده، وتوغلت الأحزان أكثر بوفاة والدته، تلك الأم التي سألوه ذات يوم، وكان في الثالثة عشرة من عمره "ماهو أبشع ما يكن أن يحدث لك وتعده قمة البؤس؟  فقال مندفعًا: "أن أفقد أمي!".

توفي بروست في 18 نوفمبر 1922 في باريس، بعد أن ترك إرثًا أدبيًا ضخمًا، وفي مقدمته عمله الخالد الذي أعاد تعريف الرواية بوصفها مختبرًا للوعي والذاكرة.

من أشهر أعماله:سلسلة «البحث عن الزمن المفقود» (À la recherche du temps perdu) – في سبعة أجزاء صدرت بين 1913 و1927، وهي: من جهة سوان (1913)، في ظل الفتيات المزهرات (1919)، الطريق إلى غيرمانت (1920–1921)، سودوم وعمورة (1921–1922)، الأسير (1923)، الهاربة (1925)، الزمن المستعاد (1927).

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق