الاحتلال يدمر سلة غذاء القطاع: حرق ممنهج للرقعة الزراعية.. وإغراق الأراضى بمخلفات الصواريخ

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

- المزارعون فقدوا محاصيلهم جراء الحرب.. ويعيشون أوضاعًا مأساوية

عامان من الحرب حوّلا غزة إلى أرض جرداء، لا تنبت إلا الألم. فمنذ السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ حتى وقف إطلاق النار، لم تسلم بقعة فى القطاع من القصف والتجريف والتدمير الممنهج، حيث استهدفت آلة الاحتلال الإسرائيلى كل ما يمت للحياة بصلة، وفى القلب من ذلك كانت الأراضى الزراعية، التى تحولت إلى هدف استراتيجى ضمن سياسة التجويع والحصار.

تقارير دولية وشهادات فلسطينية تؤكد أن الاحتلال تعمّد تدمير سلة غذاء القطاع، مستهدفًا القطاع الزراعى بشكل خاص، فى محاولة لدفع السكان إلى ترك أرضهم أو الموت جوعًا، وامتدّ الدمار من شمال القطاع إلى جنوبه، بفعل القصف المتواصل، والمواد السامة، والذخائر غير المنفجرة، والألغام المزروعة فى الحقول. 

وحسب وزارة الزراعة فى غزة، فإن أكثر من ٩٤٪ من الأراضى الزراعية- أى نحو ١٦٧ ألف دونم من أصل ١٧٨ ألفًا- تعرضت للتدمير، ما أدى إلى انهيار الإنتاج الزراعى إلى أقل من ١٠٪ من مستواه السابق، حيث انخفض من ٤٠٥ آلاف طن سنويًا إلى نحو ٢٨ ألفًا فقط. 

فى السياق نفسه، يتحدث خبراء فلسطينيون، لـ«الدستور»، عن حجم الكارثة، وأبعاد التدمير الممنهج الذى طال القطاع الزراعى، فى محاولة لفهم ما تبقى من قدرة غزة على الصمود فى وجه الحصارين البيئى والغذائى.

 

زينب أبوإسماعيل:  القطاع الزراعى بحاجة إلى 50 مليار دولار للتعافى

حذّرت زينب أبوإسماعيل، منسّقة لجنة التواصل المجتمعى فى محافظة خان يونس عضو الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية وناشطة فى مجال الزراعة، من الانهيار شبه الكامل للقطاع الزراعى فى غزة، مؤكدة أن الدمار طال جميع المناطق دون استثناء، وأن غياب البنية التحتية والمياه والمواد الزراعية جعل استمرار العمل الزراعى شبه مستحيل.

وأوضحت زينب أبوإسماعيل أن منطقة المواصى، التى وُصفت سابقًا بأنها «آمنة»، باتت اليوم غير صالحة للزراعة، إذ لم يتمكّن إلا عدد قليل جدًا من المزارعين من استصلاح مساحات محدودة، بسبب نقص المياه والمبيدات والأسمدة والأدوات اللازمة لرفع الركام.

وأضافت أن المناطق الشرقية، التى تُعد القلب الزراعى للقطاع، تحولت إلى «بؤرة مدمرة»، حيث تسببت الصواريخ فى حفر الأرض وجفاف الأشجار بالكامل، الأمر الذى يجعل إعادة إحياء هذه الأراضى بحاجة إلى وقت وجهد وتكاليف باهظة.

وأشارت إلى أن العديد من الفلاحين خسروا محاصيلهم بشكل كامل، خصوصًا الذين زرعوا أراضيهم قبيل الحرب، ما أدى إلى خسائر اقتصادية فادحة.

كما لفتت إلى تدمير آبار المياه وجرفها بواسطة دبابات الاحتلال خلال الاجتياح، مؤكدة أن عودة ٥٠٪ فقط من هذه البنية التحتية ستكون إنجازًا مهمًا، لكنها تحتاج إلى تدخل دولى عاجل.

وحول الضرر الكبير الذى حل فى قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر فى ٢٠٢٣، أوضحت أن هناك ضررًا كبيرًا جدًا بنسبة ٨٧٪، مبينة أن قيمة أضرار القطاع بلغت حوالى ٣.٥ مليار دولار منذ السابع من أكتوبر حتى شهر أغسطس ٢٠٢٤. 

وأضافت أن القطاع الزراعى بحاجة إلى ما بين ١٥ و٥٠ مليار دولار و٥ أضعاف فى مساحة الأراضى الزراعية التى يمكن العودة إليها وزراعتها، مبينة أن الضرر الكبير بدأ بتلوث الأراضى بسبب القصف المستمر ومتبقيات الصواريخ من مواد سامة وقاتلة للتربة، وعدة عوامل أخرى، منها: شح المياه والنزوح القسرى وعدم توافر الحبوب الزراعية والمواد والأدوات.

عدلى ضهير:  فقدت أرضًا مساحتها 15 دونمًا 

روى المزارع عدلى ضهير، من مدينة رفح، مأساة فقدانه أرضه ومحاصيله ومواشيه عقب نزوحه فى أبريل ٢٠٢٥ إلى منطقة مواصى خان يونس، إثر الاجتياح الإسرائيلى والقصف الذى دمّر كل ما يملك. وقال «ضهير» إنه اضطر لترك أرض تزيد مساحتها على ١٥ دونمًا، كانت تضم صوبات زراعية مليئة بمختلف أنواع الموالح والفواكه، قبل أن تُسوى بالأرض بالكامل.

وأوضح أنه خسر ما يقارب مليون دولار، شملت المحاصيل والماشية والطيور والأغنام والمنزل والأدوات الزراعية، لافتًا إلى أن المحاصيل كانت على وشك الحصاد قبل أن يأتى الاجتياح ويمحو كل شىء، ليعقبه النزوح القسرى. وأضاف أنه أصبح مديونًا بأكثر من ٢٠٠ ألف شيكل ثمن المحاصيل التى كانت قيد البيع قبل تدميرها، مشيرًا إلى أن الخسارة الاقتصادية كانت قاسية، لكنه رغم ذلك فإنه يحمد الله على سلامته وسلامة أسرته وأطفاله، معتبرًا أن البقاء على قيد الحياة المكسب الوحيد فى هذه الكارثة.

سوسن أبودراز:  بساتين الخط الأصفر تحولت لأرض قاحلة بسبب القصف

قالت سوسن أبودراز، تقيم فى منطقة زراعية شرق خان يونس، إن المناطق الواقعة داخل ما يُعرف بـ«الخط الأصفر» كانت تُعد من أهم البقاع الزراعية فى جنوب القطاع، قبل أن تتحول اليوم إلى أرض قاحلة خالية من أى مظهر للحياة.

وأوضحت سوسن أن المنطقة تُعرف بإنتاجها الزراعى الموسمى، خاصة مع دخول فصل الشتاء؛ إذ كانت تُزرع محاصيل القمح والشعير والبازلاء، إلى جانب المحاصيل الشهرية مثل الفول الأخضر والسبانخ والسلق. كما كانت تضم أشجارًا معمّرة؛ أبرزها الزيتون، الذى يشكّل أحد المواسم الزراعية الأساسية فى هذه الفترة من العام.

وأكدت أن الوصول إلى الأراضى الواقعة بعد الخط الأصفر بات مستحيلًا، مشيرة إلى أن المنطقة التى كانت تُعرف سابقًا بـ«بستان غزة» فقدت كل أشجارها ومحاصيلها، وأصبحت أشبه بصحراء سوداء نتيجة الدمار الشامل.

وأضافت أن القصف المكثّف أفقد التربة قدرتها الإنتاجية؛ إذ تضررت بفعل بقايا الرصاص والمواد الضارة، ما يجعل عملية إعادة إحياء الزراعة مهمة بالغة الصعوبة.

واعتبرت أن إزالة الركام ومعالجة التلوث الذى أصاب الأراضى قد تحتاج إلى جيل كامل أو أكثر.

ورغم هذا الواقع القاتم، فإنها شددت على تمسّك السكان بالأمل، مؤكدة: «سنعود إلى أراضينا ونزرعها من جديد كما كانت، وربما أفضل بإذن الله».

مصطفى عرفات:  تدمير الأراضى يقطع أرزاق المزارعين وأسرهم

أكد مصطفى عرفات، مزارع، نائب مسئول نقابة عمال الفلاحة والتصنيع الغذائى فى قطاع غزة، أن مساحة الأراضى التى جرى تدميرها تبلغ تقريبًا ٤٠ ألف دونم، منها ٦٠٠ دونم بيوت صوب، كانت تُزرع بها طماطم وخيار وفلفل وملوخية وفراولة.

وأضاف عرفات أن الخسائر طالت، أيضًا، مزارع دواجن لحم وبيض، وحجمها ٨٠ دونمًا، وأيضًا مزارع البقر والعجول ٧٠ دونمًا، بنسبة دمار ٨٠٪، وأكثر من ٥ آلاف دونم حمضيات بنوعها «دمارًا كليًا»، وأكثر من ٦ آلاف دونم زيتون «دمارًا كليًا»، و٦ آلاف دونم حبوب شعير وقمح، و٢٠ ألف دونم خضروات.

وأوضح أن هذا الدمار قطع أرزاق ١٨٠٠ مزارع، وكل مزارع كان يعمل لديه نحو ٥ مساعدين.

وأشار إلى أن جميع آبار المياه التى كانت تستخدم لرى الخضروات والأشجار جرى تدميرها بالكامل، وتحتاج إلى إعادة تأهيل وإصلاح، موضحًا أن أكثر من ٥٠٪ من مناطق المياء ممنوع الوصول إليها لأنها داخل المنطقة الصفراء.

وحول أوضاع الفلاحين والمزارعين الحالية، قال «عرفات»: «المزارعون تحولوا من منتجين إلى محتاجين».

أخبار ذات صلة

0 تعليق