في زيارة رسمية حافلة باللوحات البروتوكولية والبيانات الاستعراضية، وصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن في لقاء يُعد الأول من نوعه منذ سنوات من التوترات الدبلوماسية، وحملت الزيارة طابعا ثنائيا يجمع بين الطموح الاقتصادي السعودي لربط استثمارات هائلة بسوق الولايات المتحدة وبين رغبة الإدارة الأمريكية في إعادة تعريف شراكة استراتيجية قديمة بمقاييس جديدة تتضمن ضمانات أمنية وصفقات أسلحة متطورة، وهو ما ظهر بوضوح في تصريحات الرئيس دونالد ترامب التي تضمنت تأكيدات على نية بيع مقاتلات من طراز F-35 للمملكة، وخطاب مستقل من الطرف السعودي ركّز على الاستثمارات والتعاون في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية المدنية كأساس لشراكة اقتصادية ممتدة.
تصريحات الزعيمين وقراءة سياسية
تحدّث ترامب أمام الإعلام بعبارات ترحيب حارة ووصف محمد بن سلمان بـ«الصديق الموقر» مشدداً على أن التحالف مع السعودية سيقود إلى صفقات تجارية وأمنية كبرى، وراح يضع بيع الأنظمة المتقدمة كدليل على استعادة الثقة الثنائية، فيما اختار الأمير محمد بن سلمان نبرة عملية أكثر في خطابه الرسمي حين أكد نيتهما الإعلان عن استثمارات سعودية ضخمة في الولايات المتحدة قد تقترب من سقوف مئات المليارات وتستهدف قطاعات استراتيجية، مع طلب واضح لضمانات أمنية أمريكية أكثر صرامة في مواجهة التهديدات الإقليمية.
الأجندة: أمن، اقتصاد، وإعادة تسيير العلاقات
على طاولة المفاوضات كانت قضايا الأمن والدفاع حاضرة بقوة إلى جانب ملفات اقتصادية تشمل الطاقة والاستثمار في البنية التحتية والذكاء الاصطناعي، مع أن بعض المراقبين أشاروا إلى أن تفاصيل الصفقات - خصوصاً تسليم قدرات جوية متقدمة وإمكانية اتفاق دفاعي موسع - ستواجه عقبات عملية وبرلمانية وتقنية تتعلق بتوازن القوى الإقليمي والحفاظ على التفوق الأمني لحلفاء آخرين.
تقدم الزيارة صورة عن تحول دبلوماسي عملي يعززه لغة الصفقات والضمانات الأمنية والالتزامات الاستثمارية، لكنها تفتح أيضاً أسئلة عن مدى قابلية هذه الوعود للتحقق ونتائجها على موازين القوى الإقليمية.
في ظل الزخم الإعلامي والدبلوماسي الكبير، ارتفعت سقوف التوقعات من الزيارة لتشمل ما هو أبعد من مجرد صفقات تقليدية؛ فالأمير محمد بن سلمان بدا في واشنطن كما لو أنه يسعى لإطلاق مشروع تحوّل استراتيجي طويل الأمد، لا يقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل يمتد ليشمل أمنًا عالي المستوى وتكنولوجيات حيوية مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة النووية المدنية.
وقد أكّدت محادثات ما قبل الزيارة، حسب تقارير شبكة “سي بي إس نيوز”، على استعداد الطرفين لتوقيع اتفاقات دفاعية مشتركة، في حين نقلت وكالة الأنباء السعودية أن الجانبين يبحثان في “مذكرة دفاعية واسعة” تدمج أمن المملكة مع خبرة التكنولوجيا الأمريكية.














0 تعليق