يشهد المتحف المصري بالتحرير اليوم لحظة فارقة في تاريخه بمناسبة مرور 123 عامًا على افتتاحه، ذلك الصرح الذي ظل شاهدًا على ذاكرة مصر الحضارية ومركزًا عالميًا للآثار المصرية منذ عام 1902.
ورغم التركيز الكبير الذي أحاط بافتتاح المتحف المصري الكبير، فإن متحف التحرير لا يزال يحتفظ بمكانته الأصيلة باعتباره أول مبنى في العالم صُمم ليكون متحفًا للآثار، ورمزًا معماريًا وتاريخيًا لا يمكن استبداله.
وبينما يتجه العالم لزيارة "المتحف المصري الكبير"، لا يغفل الزوار عن زيارة أصل التاريخ في مصر حيث يواصل المتحف العريق "المتحف المصري بالتحرير" جذب الآلاف يوميًا، مؤكدًا أن التاريخ الحي لا يزال نابضًا في قلب ميدان التحرير.
الإقبال السياحي على المتحف المصري بالتحرير
يسجل المتحف المصري بالتحرير خلال الأشهر الأخيرة إقبالًا كثيفًا وغير مسبوق من السياح المصريين والأجانب على حد سواء، إذ تحوّل إلى محطة رئيسية لزوار القاهرة، خاصة بعد افتتاح المتحف المصري الكبير. ويُجمع الزوار على أن متحف التحرير لا يزال يحتفظ بروحه الأصيلة وقيمته التاريخية الفريدة، بما يضمه من كنوز تمتد من عصور ما قبل الأسرات وحتى العصر اليوناني الروماني.
هذا الإقبال يعكس استمرار شغف العالم بالتراث المصري القديم، ويؤكد أن افتتاح المتحف الكبير لم يقلل من أهمية "البيت الأول للآثار المصرية".
أثر التطوير على تجربة الزوار
أعمال التطوير الحالية داخل قاعات المتحف وخارجه انعكست بصورة واضحة على تجربة الزوار، الذين لاحظوا تحسينات كبيرة في مستوى الخدمات، وتنظيم القاعات، والإضاءة، ومرافق الزوار. كما باتت الحركة داخل المتحف أكثر سلاسة بفضل إعادة تنظيم مسارات الزيارة وتحديث بطاقات الشرح وتطوير البنية التحتية للقاعات.
تم افتتاح قاعات جديدة، بينها قاعة تحاكي قصر الملك أمنحتب الثالث، إضافة إلى معارض متغيرة يتم تحديثها كل عدة أشهر، ما جعل الزيارة أقرب إلى تجربة ثقافية متجددة وليست مجرد جولة تقليدية.
مشروع التطوير الشامل للمتحف: منحة الاتحاد الأوروبي "3.1 مليون يورو"
يخضع المتحف المصري بالتحرير حاليًا لمشروع تطوير ضخم هو الأكبر منذ تأسيسه، بتمويل من الاتحاد الأوروبي بقيمة 3.1 مليون يورو.
يُنفذ المشروع منذ عام 2019 بالتعاون مع تحالف يضم خمسة من أهم المتاحف العالمية، وهي:
- متحف اللوفر
- المتحف البريطاني
- المتحف المصري بتورينو
- المتحف الوطني للآثار بليدن
- المتحف المصري ببرلين
يهدف المشروع إلى إعادة صياغة المتحف وفق أحدث المعايير الدولية في العرض المتحفي، وإعداده للتقدم رسميًا لإدراجه على قائمة التراث العالمي لليونسكو، بوصفه مبنى أثريًا فريدًا يمثل جزءًا من الهوية المصرية.
تفاصيل مراحل التطوير: ما تم وما سيُستكمل
تشمل مراحل التطوير العمل في ثلاث مراحل رئيسية:
- المرحلة الأولى: إعادة تنظيم قاعات الطابق الأرضي، مثل قاعات آثار ما قبل التاريخ والدولة القديمة والعصرين اليوناني والروماني، مع تطوير فتارين العرض التاريخية وتوفير أنظمة إضاءة حديثة.
وقد اكتملت بالفعل أعمال تطوير قاعة آثار ما قبل التاريخ، ويجري تنفيذ متابعة القاعات الأخرى تدريجيًا.
- المرحلة الثانية: وضع خطة استراتيجية شاملة تتضمن تطوير الأرشيف والمكتبة، تحسين إدارة المجموعات المتحفية، استراتيجية جذب الزوار، تطوير الخدمات الرقمية، وبرامج التعليم المتحفي والتوعية.
وتم تدريب العاملين بالمتحف على أحدث الأساليب المتحفية مع إعداد خطة لتعظيم الموارد المالية عبر تطوير البازارات والمطاعم والهوية البصرية للمتحف.
- المرحلة الثالثة: إعادة عرض مجموعة آثار تانيس الملكية بقاعتين جديدتين بعد نقل مقتنيات توت عنخ آمون إلى المتحف المصري الكبير. وقد شارف فريق متحف اللوفر على الانتهاء من سيناريو العرض الجديد، إضافة إلى ترميم القطع واستكمال تجهيز الفتارين الحديثة.
إلى جانب ذلك، تشمل أعمال التطوير الجارية صيانة الواجهات التاريخية، تحسين الإضاءة الخارجية للمتحف، تطوير الحدائق، تجديد المداخل، إعادة تأهيل الأسقف والأسطح، وترميم القبة والمظلات، وهي مشروعات تُنفذ بدقة للحفاظ على الطابع الأصلي للمبنى الذي شُيّد عام 1902.
الهوية التاريخية والمعمارية للمتحف ودوره المستقبلي
يُعد المتحف المصري بالتحرير أكثر من مجرد مبنى؛ فهو معلم معماري استثنائي وأول مبنى في العالم صُمم ليكون متحفًا للآثار.
ويمثل طرازًا كلاسيكيًا فريدًا لا يتكرر اليوم، فهو نموذج فريد من العمارة الكلاسيكية الحديثة متأثر بالعمارة اليونانية والكلاسيكية، ويحتوي على عناصر مستوحاة من المعابد المصرية القديمة.
قيمته لا تكمن فقط في مقتنياته التي تتجاوز 120 ألف قطعة أثرية، بل في كونه شاهدًا حيًا على نشأة علم المصريات في مصر ومركزًا لنشر الثقافة الأثرية لأكثر من قرن.
ومع التطويرات الجارية، يستعد المتحف للعودة بصورة أقوى ليكون مركزًا ثقافيًا عالميًا يستقبل المعارض الدولية، ويقدم تجارب تعليمية مبتكرة، ويرسّخ دوره كمؤسسة حيوية في حفظ الهوية المصرية ودعم الحركة السياحية في قلب العاصمة.












0 تعليق