الحصانة في مصر

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الثلاثاء 11/نوفمبر/2025 - 10:24 م 11/11/2025 10:24:28 PM

كان دافعي لهذا المقال ما لاحظته أثناء انتخابات البرلمان، من تدافع أصحاب الأموال من رجال الأعمال الوصول إلى البرلمان بشقيه، النواب والشيوخ، للحصول على الحصانة وشراء جاه وسمعه، بسبب سهولة الوصول لصناع القرار من الوزراء ورجال الحكومة. وتسهيل تقديم طلبات لخدمة أبناء الدائرة، واستفادتهم من التسهيلات التي تعطيها لهم الحكومة من أجل أن تكون رقابة أعضاء البرلمان ناعمة ولا خشونة فيها. وهو الأمر الذي رأيناه من خلال معظم برلماناتنا ابتداء من برلمان أنور السادات وتغاضيه عن محاسبة نظام ورط مصر في هزيمة لا تستحقها. 
كما أوعزت الحكومة لرجالها بالاستجابة لمطالب النواب متى كانت غير مخالفة للقانون. 
أما الجائزة الكبرى في عضوية المجالس النيابية فتتمثل في الحصانة التي يحصل عليها عضو البرلمان. وهو الحصانة التي استوردناها من النظام الفرنسي، الذي يطبق نظام الفصل بين سلطات الدولة،  وتوسع في منح الحصانات منعا لتصادم سلطات الدولة.
تعتبر الحصانة البرلمانية من أهم الضمانات لأعضاء المجالس النيابية لحمايتهم من التهديدات سواء من جانب السلطات أو من الأفراد.
لن يتمکن عضو البرلمان من مباشرة اختصاصاته بصورة فعلية وحقيقية إلاَ بوجود ضمانات تکفل له الحرية وتحقق له الطمأنينة وتبعث في نفسه الثقة الكاملة.
والحصانة البرلمانية تأخذ وجهين رئيسين أحدها الحصانة الموضوعية وتعني عدم مسئولية عضو البرلمان بصفة دائمة من الناحية الجنائية والمدنية عما يبديه من آراء ترتبط بأعماله في المجلس النيابي، والأخرى الحصانة الإجرائية وهي مجرد مانع إجرائي مؤقت وتعني عدم اتخاذ أية إجراءات سواء کانت جنائية أو تأديبية نحو عضـــــو البرلمان إلاَ بعـــــد الحصول علـــــى إذن مـــــن المجلـــس النيابي عدا حالة التلــــبس بالجريمة فتطبق عليه القواعد العامة  .
وبخصوص إجراءات رفع الحصانة عن عضو البرلمان فإن المجلس النيابي يتخذ الموقف الملائم إما بالموافقة على الطلب، أو الرفض، ويقتصر البحث في طلب الحصانة على جدية الاتهام والبعد عن الأغراض السياسية.
والقرار الصادر من المجلس لا يعد قرينة على البراءة أو الإدانة، ويترتب على إصدار القرار آثار قانونية  .
وربما حاول بعض النواب توظيف هذه الحصانة لتحقيق مصالحهم الشخصية وبالمقابل، لا يجب أن نغفل الدور الذي يمكن أن تلعبه السلطات الأخرى والأغلبية البرلمانية، في اختلاق الذرائع ومختلف الحجج والمبررات لإبقاء الحصانة لصالح أنصارها ومؤيديها، أو رفعها عن معارضيها ومنتقديهم.
ظهرت الحصانة البرلمانية في إنجلترا عام 1688م على أثر قيام الثورة الإنجليزية وإقرار الوثيقة الدستورية المعروفة باسم قانون الحقوق حيث نصت هذه الوثيقة على أن حرية المناقشات داخل البرلمان لا يمكن أن تكون سببا للملاحقة القضائية، أو محلا للمساءلة أمام أي من المحاكم وإقرار هذه الحصانة في إنجلترا، كان أساسا لحماية النواب من سلطات الملوك، وليس حمايتهم من مواطنيهم، الحصانة البرلمانية في إنجلترا كانت قاصرة على الدعاوى المدنية إضافة إلى الإجراءات الخاصة بالدعاوى الجنائية البسيطة، فقد استثنت من نطاق هذه الحصانة قضايا الخيانة العظمى وقضايا الجنايات وقضايا الإخلال بالأمن.
ولهذا فقد كان من الممكن دائما القبض على عضو البرلمان في أي من هذه الجرائم دون رفع الحصانة عنه، كما استثنت من الحصانة البرلمانية الجرائم التي ترتكب من أعضاء البرلمان في مواجهة إحدى المحاكم وقد أطلق على هذه الجرائم ' جرائم إهانة المحكمة ' إلا أنه حدث تطور هام خلال القرن الثامن عشر في مجال الحصانة البرلمانية، فقد صدر قانون ينظم أحكامها ويضع بعض القيود والضوابط لكيفية مباشرتها.
أما في فرنسا نجد أن الحصانة قد وجدت في معظم المواثيق الدستورية الفرنسية بذات المضمون الذي كانت عليه في المواثيق الإنجليزية، فقد نص عليها بداية في قرار الجمعية التأسيسية الفرنسية الصادرة في 23 يونيو 1789م ثم نص عليها في دستور عام 1791م. ثم في دستور 1795 وكذلك الدساتير المتتالية في عام 1799 ودستور عام 1848 ودستور 1875 ودستور 1946م وأخيرًا الدستور الحالي الصادر عام 1958م فقد تضمنت كل هذه الدساتير مبدأ الحصانة ضد المسئولية البرلمانية أما عن الحصانة البرلمانية ضد الإجراءات الجنائية فقد وجدت في فرنسا منذ وقت بعيد نسبيا حيث نص عليها بداءة في قرار الجمعية التأسيسية الصادر في 26 يونيو سنة 1790 م. هذا ولا زالت تلك القواعد والأحكام سارية المفعول حتى الآن.
في مصر، فهناك أنواع عديدة من الحصانات منحها الدستور لبعض الوظائف، كما قلنا، تطبيقا لمبدا الفصل بين السلطات لحماية أعضاء السلطة القضائية من السلطة التنفيذية، بحصانة لرجال السلك السياسي والقنصلي المصريين والأجانب، وحصانة رؤساء الدول والحكومات في زياراتهم الرسمية لمصر. وقد حصن الدستور أيضا بعض الوظائف في مصر وغل يد الحكومة عن رؤساء المحكم والهيئات القضائية، ومنع عزل شيخ الأزهر ورؤساء الكنائس المصر مدى حياتهم، كما حصن الدستور بعض قرارات رئيس الجمهورية التي لا تتعلق بإدارة البلاد، فلا يجوز الطعن عليها في القضاء.  
من الواضح ان القانون والدستور أعطى الحصانة لأعضاء البرلمان لتسهيل مهمتهم الرقابية، وعدم خضوعهم للسلطة التنفيذية. 
لأجل يتسابق كبار رجال المال وتتسابق العائلات في معظم الأقاليم للدفع بأبنائها للحصول على عضوية البرلمان، وتنفق في سبيل ذلك المال الوفير، كما تحدث حساسيات بين أبناء العائلة الواحدة، وخصوصا تلك التي تتوارث مقعد مجلس النواب من عصور ما قبل ثورة يوليو ولم يتغير سوى ظهور بعض رجال المال ممن حصلوا عليها مؤخرا بطرق أو بأخرى. 
كنت أتمنى أن تخفف الدولة من منح الحصانة طول الوقت، وتعديل قوانينها لتشمل الأعضاء تحت قبة البرلمان ولا تنسحب عليهم خلال تعاملهم مع أجهزة الدولة، بلما يحدثه هذا الأمر من إخلال بمبدأ المساواة.

ads
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق