إيمري كيرتيس.. روائي الهولوكوست الذي جعل الذاكرة ضمير الأدب

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تحل ذكرى ميلاد الكاتب والروائي المجري إيمري كيرتيس (9 نوفمبر 1929-31 مارس 2016)، أحد أبرز الأصوات الأدبية في أوروبا خلال النصف الثاني من القرن العشرين والحائز على جائزة نوبل في الأدب 2002؛ تقديرًا لما قدمه من أعمال جعلت من تجربة الهولوكوست ليس مجرد حدث تاريخي، بل ضميرًا إنسانيًا وأدبيًا يعيد مساءلة معنى الحرية والقدر والكرامة الإنسانية.

5466ebc625.jpg

ووُلد كيرتيس في بودابست 1929 لأسرة يهودية متوسطة الحال، وفي سن الخامسة عشرة اقتيد مع آلاف اليهود المجريين إلى معسكر أوشفيتز النازي 1944 قبل أن يُنقل إلى معسكر بوخنفالد، حيث عاش تجربة الاعتقال والإذلال والموت الجماعي التي ستظل تلاحقه فكريًا ووجوديًا طوال حياته.

بعد الحرب، عاد إلى بلده ليجد نفسه في مواجهة نظام شيوعي جديد لم يكن أقل قسوة في كبح الحريات. ومن هنا بدأ مشروعه الأدبي الطويل القائم على استعادة الذاكرة الفردية والجماعية، وتحويلها إلى شهادة أدبية عن الإنسان في أقصى حالات العجز والنجاة.

أبرز أعمال كيرتيس هي روايته الشهيرة "بلا قدر" الصادرة عام 1975، والتي تأخرت ترجمتها إلى لغات العالم قبل أن تحظى باعتراف نقدي واسع في التسعينيات.

إيمري كيرتيس: بدأتُ العيش حقًّا منذ اليوم الذي عرفتُ فيه ما الذي أريدُ كتابَته | مجلة الفيصل

الرواية تسرد تجربة فتى في الخامسة عشرة يُقتاد إلى معسكر الاعتقال، لكن من دون خطاب بطولي أو مأساوي مباشر، بل بعين بريئة وحيادية تكشف تفاهة الشر اليومي وعبثية القهر حين يتحول إلى نظام.

من خلال تلك البساطة الموجعة، استطاع كيرتيس أن يقدّم واحدة من أعمق الروايات الإنسانية عن الهولوكوست، مغايرة لما كتبه معاصروه من أدباء المحرقة، فليس هدفه الإدانة أو الانتقام، بل الفهم والتأمل.

وفي كتاباته، تحوّلت الذاكرة إلى فعل مقاومة ضد النسيان والتكرار، وضد تسطيح المأساة في الخطاب السياسي أو الإعلامي.

كان يرى أن الأدب هو المجال الوحيد القادر على منح الكارثة معنى أخلاقيًا، وأن الكاتب، كما قال في إحدى مقولاته الشهيرة، «يكتب ليحافظ على معنى الحرية داخل اللغة».

لهذا ظل يرفض أن يُختزل في كونه “كاتب الهولوكوست”، مؤكدًا أن ما عاشه هو تجربة إنسانية مطلقة، وأن كل أدب حقيقي هو أدب ناجٍ بطريقة أو بأخرى.

???? كتب إيمري كرتيس للتحميل والقراءة 2025 Free PDF

ومنحت الأكاديمية السويدية كيرتيس جائزة نوبل في الأدب 2002، وصفت أعماله بأنها "تُضيء التجربة الهشّة للفرد في مواجهة الأنظمة الشمولية الوحشية".

جاء هذا الاعتراف بعد عقود من العزلة الأدبية داخل المجر، حيث عانى من التهميش والرقابة في ظل النظام الشيوعي، قبل أن يُترجم لاحقًا إلى عشرات اللغات وتُقدَّم روايته «بلا قدر» في فيلم سينمائي عام 2005.

رحل إيمري كيرتيس عام 2016 عن عمر يناهز 86 عامًا، لكنه ترك إرثًا أدبيًا عميقًا من الروايات والمقالات واليوميات التي تشهد على قوة الكتابة في مواجهة الفناء.

ومن أبرز أعماله أيضًا «الوصية»، «كادار»، «الملف»، «العقل المسجون»، وكتب تأملية حول الكتابة والمعنى والحرية.

في ذكرى ميلاده يبقى كيرتيس ضمير الأدب الأوروبي الحديث، وصوتًا يذكّر العالم بأن الذاكرة ليست عبئًا على الماضي، بل شرطًا لفهم الحاضر ومنع تكرار المأساة، وكتب مرة يقول :«الإنسان لا يُولد حرًا، بل يتعلّم الحرية بعد أن يفقدها».

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق