من صفحات "سندباد".. محيي الدين اللباد طفلًا يرسم بدايات الحلم

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل أن يصبح أحد أبرز وجوه الفن التشكيلي والرسوم الصحفية في العالم العربي، كان الطفل محيي الدين اللباد (25 مارس 1940 – 4 سبتمبر 2010) يرسم أحلامه الأولى على صفحات مجلة الأطفال الشهيرة «سندباد»، تلك المجلة التي شكّلت خيال جيلٍ كامل من المبدعين المصريين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي.

f978b4d0e3.jpg

العدد الذي أعادت الأيام اكتشافه، ويحمل بصمات اللباد وهو لم يزل تلميذًا صغيرًا، يقدّم مشهدًا نادرًا من تاريخ الثقافة المصرية، حين كانت الموهبة تُكتشف وتُحتضن من خلال منابر الصحافة الثقافية للأطفال، قبل أن يسطع نجم أصحابها في سماء الفن.

نشرت سندباد في إحدى صفحاتها المخصصة للأطفال الموهوبين، والتي حملت عنوان «لوحة الشرف»، رسومًا وكتابات صغيرة للأطفال المتميزين من أنحاء الوطن العربي، وذلك في 1955، أي في سن الخامسة عشرة.

وفي تلك الصفحة، ظهر اسم محيي الدين اللباد بين المشاركين، وقدّمه المحرر بكلماتٍ تعكس تقديرًا مبكرًا لموهبته الفطرية وقدرته على التعبير بالخط واللون.

كانت المجلة حينها تفتح أبوابها لتجارب الصغار من مختلف المحافظات، في رسالة تربوية وثقافية أرادتها أن تكون نواةً لنهضةٍ فنية قادمة.

لم يكن ظهور اللباد في سندباد مجرد واقعةٍ عابرة في مسيرته، بل يمكن اعتباره الصفحة الأولى في كتاب الفنان الكبير، الذي سيكرّس حياته لاحقًا لبناء مشروعٍ بصريٍّ متكامل يمزج بين الفن الشعبي والتراث المصري والحداثة البصرية.

فمن رسوم الأطفال البسيطة، انتقل إلى تصميم الأغلفة والملصقات والكتب، ثم إلى تأسيس جيلٍ جديدٍ من المصممين الذين رأوا في الفن وسيلةً للمقاومة ضد القبح والنمطية.

bf459f502d.jpg

كانت مجلة سندباد نفسها منبرًا فريدًا أطلقه الكاتب محمد سعيد العريان ورسّامه العبقري حسين بيكار في منتصف القرن العشرين، فجمعت بين الحكاية والخيال واللون والتربية الفنية.

ومن صفحاتها خرجت أسماء شكّلت ملامح الوجدان المصري في الأدب والفن، وكان اللباد أحد أولئك الأطفال الذين تلقّوا عبرها درسهم الأول في الإبداع والانتماء.

بعد عقود، سيصبح ذلك الطفل رسامًا ومفكرًا بصريًا يوقّع أعماله في أهم المجلات العربية مثل صباح الخير والعربي، ويؤسس لمفهوم "الهوية البصرية المصرية"، مدافعًا عن الفن بوصفه ذاكرة الأمة ولغتها الحديثة.

ولعل المفارقة أن كل ذلك بدأ من مربعٍ صغير في صفحة بعنوان «لوحة الشرف»، حين صدّقت مجلة أطفال على موهبة طفل سيصبح لاحقًا أحد أبرز رسامي جيله.

تكشف هذه الوثيقة النادرة من سندباد عن أهمية الدور التربوي للصحافة الثقافية في اكتشاف الموهبة وتشكيل وعي الطفل المصري.

ففي زمنٍ لم تكن فيه معاهد الفن متاحة للجميع، كانت المجلات تقوم بدور المدرسة الأولى؛ تُعلّم الرسم واللغة والخيال، وتربط بين الثقافة الوطنية والعربية في آنٍ واحد.

اليوم، وبعد رحيل محيي الدين اللباد، تظل تلك الصفحة القديمة شاهدةً على أن البدايات الصغيرة قد تصنع ذاكرةً كبرى.

من سندباد إلى المعارض الدولية، ومن لوحة الشرف إلى المتاحف والمكتبات، امتد خط اللباد ليعيد تعريف الفن المصري في عصر الصورة، ولتتوج مسيرته باختياره شخصية معرض كتاب الطفل في الدورة الـ57 من معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير 2026.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق