بليغ حمدى.. موسيقى من ضوء القلب

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

فى ذاكرة الفن العربى، تبقى أسماء لا يبهت بريقها مهما مرّ الزمن، لأنّها لم تكتفِ بصنع الألحان، بل صاغت وجدان الأمة بنغمٍ خالد. ومن بين هذه الأسماء، يسطع بليغ حمدى كنبضٍ من نور، وكأن موسيقاه وُلدت من ضوء القلب لا من أوتار العود وحدها.

منذ بداياته، أدرك بليغ أنّ الموسيقى ليست ترفًا، بل مرآة الروح العربية بكل تناقضاتها الجميلة. كان يكتب ألحانه كما يُكتب الشعر: صادقًا، عميقًا، وعفويًا حدّ الدهشة. فى كل نغمةٍ كان يضع قلبه، وفى كل جملةٍ موسيقية كان يرسم ملامح إنسانٍ عاشقٍ للحياة، بكل ما فيها من فرحٍ ووجع.

حين لحّن لأم كلثوم، غيّر ملامح الأغنية العربية وأدخل إليها روحًا جديدة من الجرأة والحداثة دون أن يمسّ أصالتها. ومع عبدالحليم حافظ، كتب لحن العاطفة الصادقة التى تسكن الوجدان العربى. أما مع وردة الجزائرية، فكان اللقاء بين لحنٍ يحبّ وصوتٍ يعرف كيف يُترجم الحب، فكانت النتيجة قصائد غنائية من خفقانٍ وشوقٍ لا يُنسى.

ومع ميادة الحناوى، كتب بليغ فصلًا آخر من الجمال، فامتزج صوته بلحنه فى انسجامٍ فريد، ليولدا معًا أغنياتٍ خالدة مثل «الحب اللى كان» و«أنا بعشقك» و«سيدى أنا». كانت ميادة بالنسبة إليه مساحةً جديدة للبوح، وصوتًا يعيد للأغنية العربية دفئها ورهافتها، فصارت ألحانه لها مرآةً لعاطفته الصافية التى لا تعرف التصنّع.

لم يكن بليغ حمدى موسيقيًا فقط، بل كان حالةً من الإحساس. كان يرى فى اللحن طريقًا للبوح، وفى الفنّ وسيلةً للحياة. لذلك ظلّت موسيقاه شابةً، متجددةً، مهما تغيّر الزمن وتبدّلت الأذواق، لأنها ببساطة خرجت من القلب.. وسكنت القلوب.

ورحل بليغ، لكن بقى أثره شاهدًا على أن الموسيقى الصادقة لا تموت. إنها الضوء الذى لا ينطفئ، والصوت الذى يذكّرنا دائمًا بأن الجمال، حين يولد من القلب، يبقى خالدًا كالنور نفسه.
 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق